وجدي الكردي

قلت لي عندك ملاريا


قلت لي عندك ملاريا
يقال والعهدة على أهالي مدينة ما، تتمدد على النيل (زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام)، أن طبيباً عبقرياً حط في مستشفاهم الوحيد مسؤولاً عن فحوى إجابة السؤال السوداني الشهير: (كيف الصحة)؟!
دخل الطبيب العبقري المستشفى من الباب، فغادرت صحة المواطنين من شبابيك أجسادهم فلم يعد أحداً يسأل الآخر عن صحته لأن لا أحد سيجيب عليه بأنه كويس أو عال العال، (تجي من وين الصحة مع الدكتور ده)؟!
منذ حلّ الطبيب بالبلدة لم تعد النساء تلدن من مظان الولادة التي إعتاد عليها الخلق منذ وضعت حواء هابيل وقابيل بعيداً عن (حركات دكاترة الزمن الأغبر ده)، فصارت بطون الحوامل عرضة للشق كيفما إتفق ليخرج الوليد دونما (تلتلة) للطبيب.
(ياخي دكتورنا ده يفتح ليك بطن الحامل كدة ويدخل إيدو ويطلع الولد ويخيّطو وخلاص، زي زول دخّل إيدو في حلة المُلاح وشال ليهو حتّة لحمة ورجّع الغُطا)..
لم أكترث للراوي وهو يحكي لي (مغايس) الطبيب وفعايله في الأهالي، لكن الروايات تعددت وأحشاء البطون إنسدلت (كجدلة عرس في أيادي معاونيه من ناس العملية)، حتى لم تبق سيدة في البلدة لم تشتم القيصر الروماني وفكرة الولادة (المهببة) التي ألتصقت به..
قال الرواة أن طبيبهم مارس فيهم تجريباً لم يسبقه عليه أحد، فلو أنك إشتكيت من وجع الأضان لزجرك أولاً قبل أن يصف لك دواءً غالباً لن تتعاطاه لسمعة صاحب الروشتة الكعبة، سيقول لك: (إضانك بيوجعك، مُش، إنت ذاتك بتقعد مع ناس بيتكلمو كتير ليه، مية مرة قلنا ليكم ما تسمعو كتير، الأضان ده عندو إستهلاك معين وبتنتهي، زي الإسكراتش أبو خمسة)..
ليس مهماً أن تبدي إمتعاضاً لما يقول، لأنه غالباً (ما حيشتغل بي طنطنتك الشغلة)، خذ الروشتة منه وأنصرف، ثم بعد أن تخرج من أسوار مستشفاه، مزق الورقة لنصفين غير متساويين، ثم كرفسهما جيداً وأحشر الكبيرة منها في أضانك التي توجعك، وضع الثانية في الأخرى حتى لا تلحق برفيقتها..
هكذا ستعالج نفسك بروشتة الطبيب (ده)، دون أية مجازفة ببلع حبوب منع الحمل التي كتبها لك..!
يقال أن طبيباً عبقرياً إشتهر بوصف علاج الملاريا لكل من سوّل له جسده الأمّارة بالمرض، (بالمرض تاني)، حتى أطلق عليه الأهالي لقب (عباس ملاريا)، وحدث أن زاره أحد المرضى شاكياً فأجابه الطبيب كالعادة: (عندك ملاريا يا أخوي)، ثم صرف له حصته من العلاج، فعاد العيان يحمل الأنين والكينين وحبوب التسمين، فعاتبه أحد الاصدقاء: (ياخي إنت ذاتك بتبالغ، في زول بيمشي لي عباس ملاريا بي رجلينو)، ثم نصحه بأخذ عينة من دمه وخلطه بدم زوجته ويضيف عليها قليلاً من زيت ماكينة سيارته المتهاكة ويذهب بها لذات الطبيب لفحصه، (وكان ما قال ليك عندك ملاريا تعال قابلني)..
فعل صاحبنا بنصيحة صديقه وحمل العينة العجيبة المركبة وأعطاها للطبيب، بإعتبارها (عينة من دمو)..
ولأن عبقرية عباس ملاريا لا تحتاج لماكيينات فحص لخبرته المتراكمة، حمل العينة بين أصابعه وحدّق في المريض قليلاً وقال:
(زى ما قلتا ليك يا الأخو، عندك ملاريا، والمدام حامل، والعربية عاوزة شنبر)..!

آخر الحكي – صحيفة حكايات
[email]wagddi@hotmail.com[/email]