تحقيقات وتقارير

«المسكوت عنه » وأيام الغضب !

[JUSTIFY]تحكي الطرفة أن أحد المصريين ويعمل في عربة أجرة قد التقى سودانياً في أحد شوارع وسط البلد بالقاهرة، وكعادة أي مصري يحاول أن يرفه قليلاً عن راكبه وادعاء أنه يعلم أشياء عن بلده، ولكن يبدو أن صديقنا المصري «زود المحلبية شوية»، فقد سمع بأسماء بعض المدن في السودان كأمدرمان والخرطوم ومدني والأبيض، فكان كل ما يقوم السوداني بسؤاله عن أية مدينة في السودان يقول إنه قد زارها. فكان يقول له: بتعرف أمبدة؟ فيرد: آه. بتعرف بحري؟ فيقول: آه. فقال له السوداني في النهاية: زرت أي حتة إنت؟ فإذا بالمصري يرد آه زرت مدينة أي حتة. فصمت حينها السوداني. لا تذهبوا بعيداً سادتي القراء، فغالبية المصريين سواء أكانوا مثقفين أو غيره لا يعلمون أي شيء عن السودان ولا تاريخه ولا حتى نظام الحكم القائم فيه، فلا يعلمون أي شيء عن السودان مثلاً حالياً، إلا أن السودان يحكمه ضابط في الجيش، وهناك حزب إخواني يحكم السودان، وربما كان النميري أكثر رئيس علق اسمه بذهنهم، وحتى المتخصص منهم في الشأن السوداني في مجال السياسة تجده أبعد ما يكون عن الفهم العميق للشأن السوداني، وذلك بطبيعة الحال على عكسنا نحن السودانيين، فنحن نعلم أي شيء عن مصر سواء في الرياضة أو الفن أو السياسة، ونذهب لأبعد من ذلك فنغني لمصر «مصر يا أخت بلادي»، وندخلها في موروثنا الصوفي «مصر المؤمنة».

(1)

حسناً.. كل ما سقته سابقاً من حديث كان ضرورياً كمدخل لمعرفة طبيعة العلاقة التي تجمع البلدين اليوم والتوتر البائن لكل مراقب الآن، ولماذا تستمر مصر أو السياسي المصري ينظر للسودان كما قال لي بعض مثقفيهم «كالحديقة أو الفناء الخلفي لمصر»، وعلى الرغم من المد والجزر الذي مرت به العلاقة مع مصر منذ الاستقلال مروراً بعهد التعددية الثانية «المحجوب، والأزهري» وما قامت به الحكومة حينها من تقديم للدعم وحشد للعرب في صف مصر إبان النكسة 1967م، وتلاه عهد النميري، وربما شهدت العلاقات بين البلدين نوعاً من الرتابة أو التوتر إبان التعددية الثالثة أيام المهدي. أما في عهد الإنقاذ فقد برز الود وبرز الغضب وبرز التوتر وبرزت القطيعة كل فترة بشكل، ولكن والحق يقال فإن كل الفترات قبل الإنقاذ لم تستطع أن تنتزع أي شكل من أشكال الدعم من الحكومة المصرية، أما في بداية عهد الإنقاذ فقد نجحت الأخيرة فيما فشل فيه الكثيرون ممن سبقوها في حكم السودان، حيث استطاعت أن تسقي مصر من ذات الكأس الذي ظلت تسقينا لها على الدوام، فكانت مصر إبان مبارك أكبر مسوق للنظام الجديد في السودان في أول أيامه، وحاولت الإنقاذ الاستفادة من حالة الفتور السابقة بين مصر وحكومة المهدي، ونجحت في تثبيت أركانها واكتساب الشرعية الإقليمية والعربية، عبر البوابة المصرية، وعندما نشبت حرب الخليج الثانية بدأت شرارة التوتر، فالسودان اتخذ موقفاً داعماً للعراق، بعكس مصر التي أيدت الكويت، وتواترت أنباء حينها عن نشر العراق لصواريخ، موجهة إلى مصر في السودان، فهدد الرئيس مبارك بضربها، إذا ما ثبت صحة ذلك، وأدّى هذا الموقف إلى توتر حاد في العلاقات، وبدأ التوتر في التصاعد بتكوين الأحزاب المعارضة للتجمع الوطني وانضمت إليه لاحقاً الحركة الشعبية، ووجد في أرض مصر ملاذاً جيداً له، وعندما حدثت المحاولة الفاشلة لاغتيال مبارك بإثيوبيا، انقطعت العلاقات تماماً بين البلدين، ولكن يبدو أن بعض المصالح المشتركة التي تجمع كالمياه تحتم على مصر والسودان تقديم بعض التنازلات، فلجأت الإنقاذ عقب ازدياد الضغوط الإقليمية والدولية على مصر لتهدئة الموقف، وهو ما تم عقب لقاء البشير مبارك على هامش مؤتمر القمة العربي في 1996م.

(2)

وبمضي نظام مبارك، توقع الجميع كل الخير للعلاقات بين البلدين، خصوصاً وأن البديل نظام إسلامي، وظن جميع المراقبين في البلدين أن تسلم الإخوان لمقاليد السلطة في مصر يخدم تلقائياً العلاقات، خصوصاً إذا أضفنا أنه ليس من مصلحة مصر حدوث أي توتر مع السودان، باعتبار أن كل المصالح الإستراتيجية الكبرى لمصر تستعصم بأرض السودان، مصالح تتعلق بالأمن القومي المصري بمفهومه الشامل، عسكرياً واقتصادياً، فالحلول الناجعة لأزمات مصر تكمن في علاقات قوية مع السودان، إلا أن هناك رأياً مخالفاً يرى أن أي تحالف بين النظامين قد يجد مقاومة من بقايا نظام مبارك التي ما زالت متنفذة، كما أن مرسي قد يجد حرجاً وهو يقيم تحالفاً مع الخرطوم مع أن أمريكا ما زالت أكبر مانح للمعونات لمصر، وهي لا تحبذ أي تحالف يتعدى المستوى الفاتر إبان عهد مبارك، وعلى الرغم من أن أوجه الشبه هي الغالبة من الناحية النظرية بين النظامين الحاكمين، لكن عملياً فإن أوجه الاختلاف قد تكون غالبة ــ ربما مؤقتاً ــ في ظل تعقيدات النظام الدولي وتقاطع المصالح الدولية في المنطقة، ونجد أن قضية حلايب المحتلة تظل من أكبر الكبوات للعلاقات بين البلدين بلا منازع، وتعتبر في الكثير من الأحيان مقياساً للتوتر، فمتى ما كانت هي منطقة للتكامل فالعلاقات جيدة، ولكن عندما تتصاعد الأصوات المنادية بسودانية حلايب وضرورة أن يتم حسم الأمر فتعلم تلقائياً أن هناك تشنجاً في العلاقات، وإذا قسنا على ذلك ما يحدث هذه الأيام من تصريحات من الجانب السوداني، فسيعلم الجميع أن هناك توتراً في العلاقات، فتصريحات السفير السوداني بالقاهرة العنيفة عن قلق الحكومة البالغ إزاء وجود المعارضة المسلحة للنظام السوداني بالقاهرة والاتهامات المتبادلة بين البلدين بشأن الفشل في مكافحة الجراد جزء من هذه الأزمة المكتومة، أضف إليها حديث مسؤولين بارزين بالخارجية عن أن الحريات الأربع معطلة من الجانب المصري، على الرغم من أن السودان نفذ ما يليه تجاه الاتفاق، إضافة لمشكلة المعدنين السودانيين الذين ألقت السلطات المصرية القبض عليهم قرب الحدود بين البلدين، أضف لذلك تأجيل افتتاح الطريق الذي يربط بين البلدين رغم اكتماله قبل فترة طويلة، وتكون جميع أسباب التأجيل غريبة أحياناً، والسودان عند مجيء مرسي مد أياديه بيضاء تجاه مصر ابتداء من حل أزمة اللحوم في مصر، وانتهاء بفتح باب الاستثمار الزراعي في أية مساحات تريدها مصر في السودان، وكان كعادته ينتظر الوفاء من الجانب المصري ولكن دون فائدة، ويرى أستاذ العلوم السياسية د. صفوت فانوس عندما سئل عن توقعاته للعلاقات عقب وصول الإخوان للحكم في مصر في حديث سابق له، يرى أن بلوغ الإسلاميين للسلطة لا يعني زوال الحساسيات القائمة بين الدولتين، وتوقع بروز قدر كبير من التباين تجاه العلاقات الدولية والإقليمية، وقال: «لا أتوقع أن يكون مرسي على استعداد للدخول في عداء مع إسرائيل في المدى القريب».
حسناً يبدو أن التوتر سمة بارزة الآن على الرغم من أن الحكومتين تحاولان التنصل من ذلك بنوع من الدبلوماسية التي قد لا تجدي في مثل هذه الحالات، ولكن لا بد من جلوس البلدين وحل كل القضايا المسكوت عنها لأن ما يجمع أكبر مما يفرق.

صحيفة الإنتباهة
معتز محجوب[/JUSTIFY]

‫4 تعليقات

  1. لماذا السكوت والحق أبلج

    أولا : مصر اليوم وغدا بأشــد الحاجة للسودان الطوفان البشري
    وسياسة مصر الجديدة جميعها تقول إن السلام بعيد عن المصريين
    لان المصريين سوف يمروا بموجة شبه غير أستقرارية بالشأن السياسي
    وكما تعلم اليوم قد تدهورت قيمة النقد المصري او الجنيه المصري
    وبهذا سترتفع قيمة كل الاشياء مع عدم وجود دخل ثابت للبلاد إلا في
    المجال السياحي وبدوره بعدم وجود امن تدهور هو الاخر

    ثانيا : السودان يجب ان يعد نفسه في حالة اللجوء المصري لاقرب بلد سيتجهوا الى السودان
    فهو الملاذ الذي سيؤمن للمصريين سد الحالة المعيشية لهم
    فالسياسات الاربع التي يطلبها السودانمن مصر يجب هو أن لا يطبقها
    على السودان يدرس جليا الطوفان البشري المصري القادم ليعد له
    العده ليحوله من سلبي لايجابي

    حلايب : حلايب سودانية واذا السودان لم يطالب او يجري ورائها اليوم غدا
    لن
    يجدها لانه في المستقبل سيحكم مصر رئيس مصري شاب من مواليد سنة
    2000 ويقول أنا وجدت حلايب مصرية ولن أتنازل منها مع صمت
    بقية دول العالم الذي يقول لماذا السودان صبر طيلة المدة
    الماضية ولم يطالب بحلايب فالسودان كما تقول مصر حديقة خلفيه لها
    فمصر إيضا حديقة خلفيه لاخفاء كل معارضات السودان طيلة الازمنة
    الماضية حيث يلوز سياسي المعارضات ويرسموا خططهم هناك ويكتوي
    السودان وشعبه بنيران خططهم فلما لا يعمل السودان بذلك
    ليرسم خطة يستثمر فيها دخل سياسي من معارضي مصر
    عموما هذا كلة مجرد تحليل ليس إلا/ ابو محمد

  2. [SIZE=5][B]يحكى الإخوة المصريين نكتة ظريفة عن الزعيم الأزهرى يعود تاريخها لخمسينات القرن الماضى وقبل الإستقلال حيث كان الزعيم الأزهرى عليه رحمة الله يقود الإتحاديين والذين كانوا ينادون بوحدة وادىالنيل أي وحدة السودان مع مصر ، حيث تقول النكتة ( بأن الرئيس الأزهرى كان يقود مظاهرة حاشدة من السودانيين والمصريين فى القاهرة فى ذلك الوقت وهو يهتف مصر والسودان حتة واحدة وكانت الجماهير تحمله على الأعناق وهو يردد ذلك الهتاف والجماهير تُردد من خلفه فإذا بنشال ماهر ينشل محفظة الزعيم الأزهرى من جيب بدلته وحينها شعر الزعيم الأزهرى بيد النشال وتأكد بأنه نشل محفظته وهنا غَيَّر الزعيم الأزهرى هتافه قائلاً مصر والسودان ستين ألف حته) [/B][/SIZE]

  3. من اجمل المقالات التي قرأتها مؤخرا
    الاتوافقون ان الانتباهة بها كتاب رائعون ؟؟
    المصريون عمرهم لن ينظروا للسودان كدولة ند او كدولة لها مكانها وانما دوما يتعاملون بالفوقية مع السودان .. ونحن في الغربة لنا مواقف كثيرة الا ان كثيرين منهم بدأ يفهم السودانيون والسودان الا ان ذلك كثقافة فقط وليس معرفة ما كان يجهلهخ عن تاريخ وعلاقة .. نحن في السودان حين يدرس تاريخ السودان يبدأ من مصر والحملات وحكام السودان المصريين ومن منا لايعرف محمد سعيد جراب الفول واسماعيل باشا والخديوي زعيط والقائد معيط .. وبالمقابل لايوجد في كتب التاريخ التي تدرس في مصر ولو سطور قليلة عن السودان وثوراته ضد الاستعمار او محاربة الغزو المصري والحملات التي ارسلت للبحث عن الذهب والعبيد ..
    المصري في اعتقاده ان السودان عبارة عن غابات وادغال وناس متوحشون بل ان منهم من يعتقد ان السودانيين كانوا بياكلوا لحم البشر , وانهم مازالوا عراة حفاة ..
    المصري حين يكون رئيسه سوداني وهو بدرجة علمية ايضا نادر ما يعترف بذلك رغم ان المصريين اغبى اناس في العالم وكم يخدعونا بذكاء الاطفال في التلفزيون فلا تعتقدوا انهم كذلك كلا انهم اغبياء بصورة لايمكن ان تتخيلوها ,,
    ولكن هناك ايضا منهم المثقفون والمتحضرون ويعتبر هؤلاء شواذ للقاعدة العامة انهم يجهلون كل شيء عن السودان ..
    اذكر في احدي المرات كنا وصديقي في الحرم النبوي في رمضان وحملنا مع من الافطار ما يمكن حمله وحين اذن المؤذن كان بالقرب منا مصريون اتوا للعمرة في رمضان وحين بدانا في الافطار حاول احدهم ان يكون خفيف الظل و ان يبرز انه متعلم من دون اخوته .. وكنا انا وصاحبي نلبس الزي السودان كاملا فنظر هذا المصري الى زميلي وساله بلغة انجليزية ركيكة ومشكلة منها المرفوع والمكسور والمنصوب : (اخي فرومي وير يوو )نظر اليه صديقي وتبسم ولم يجبه متعلالا ان بفمه تمرة فنظر مصري الى السائل وهمس اخي دول اخوتنا اولاد النيل , وكان صعيدي .. ولم يصمت المتفلسف اه ما انا عارف بس بعرف الاخوة السودانيون يجيدون الانكلش ..
    هكذا هم لايعرفون السوداني وان عرفوه يتغابون معرفة شيء عن السودان تجهيلا وازدراءا ..
    ان الحكم في مصر قائم علىارضاء الغرب وبالذات امريكا فلن يجرؤ مرسي او اي جن احمر ان يفعل علاقات قوية ومشتركة مع السودان .. وحسن مبارك قال البيوكلني وياكل شعبي انا موظف عنده