رأي ومقالات

البشير يغلق باباً .. ويفتح آخر

[JUSTIFY]لما وجدت بين الخطوط المقترحة لعدد أمس، الخط الذي يعلن فيه الرئيس البشير، وبعبارات قاطعة وواضحة أنه لن يترشح لدورة رئاسية قادمة، توقعت أن تنقل كل الصحف هذا الخبر في خطها الرئيس، وفي المنهج الذي اتخذه لاختيار الخطوط أسعى لتحاشي الخطوط التي يمكن أن تتكرر في صحف أخرى، وأعلي من شأن أخبارنا الخاصة، إلا أن هذا الخبر رغم عموميته لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، فهو أهم خبر على الإطلاق، ولقد أكد الرئيس البشير بقوله هذا أن الذين راهنوا عليه من أهل من السودان، لم يراهنوا على سراب، وأنه استحق بجدارة فائقة أن يكون رجل السودان الأول بلا منازع.

وأهمية هذا التصريح القاطع، وفي هذا الوقت تحديداً، أن الرئيس أغلق به الباب تماماً أمام الذين كانوا يريدون أن يزايدوا بمسألة بقائه في الحكم، تحت حجج واهية، والأهم من (كفاية) التي ذكرها الرئيس البشير، قوله إن الحزب والشعب والسنة توجب التجديد، وحسناً قالها الرئيس بنفسه، قبل أن يقولها له آخرون، وهو يعلم أنه لا يوجد أحد خالد في هذه الدنيا، ولا في أي موقع من مواقعها، والأفضل للإنسان أن يختار الزمان والمكان الذي يتقاعد فيه، قبل أن يقعد، أو تقعد به الظروف.

ثم إن الرئيس البشير وبقراره هذا فتح الباب أمام حوار جاد حول من يحكم السودان من بعده، وحسناً فعلاً المؤتمر الوطني بفتح باب الحوار حول معايير اختبار مرشح الحزب للانتخابات القادمة، وهذا أمر مطلوب، وبإلحاح شديد، وحسناً أيضاً تأجيل المؤتمر العام للحزب من هذا العام إلى العام القادم، فهذه السنة كافية لإدارة حوار حول معايير اختبار المرشح الرئاسي القادم، وكذلك حول شخصيته، وبإعلان البشير القاطع عدم ترشحه للانتخابات القادمة، يصير الحوار حول هوية وشخصية الرئيس القادم أمراً واجباً.

وبرغم أن الرئيس البشير قد قاد مواقف وإنجازات عظيمة خلال سنوات حكمه (الكم وعشرين عاماً) إلا أن مبادرته هذه تعدّ تتويجا لكل إنجازاته السابقة، وقد لا يجد الناظرون إلى ظواهر الأمور، ما نجد في هذه الخطوة من إنجاز عظيم، ولكنها في الحقيقة تنطوي على معانٍ كبيرة يجب ألا تغيب عن أي صاحب بصر وبصيرة، فاعتزال الرئيس عمر البشير يفتح الباب أمام تحولات جذرية في مسيرة الحكم في السودان، ولست من الذين يتوهمون أن المؤتمر الوطني ليس لديه مرشح آخر غير المشير البشير يمكن أن ينافس على مقعد الرئاسة، ولو أن حزباً عجز بعد ربع قرن من الزمان من تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية يحوز القبول، فلن يكون جديراً بحكم البلاد، ولكن الذين يروجون لهذا الزعم من منسوبي المؤتمر الوطني هم الذين يعلمون أن فرصهم في الاستمرار في الحكم بعد انتهاء فترة حكم الرئيس البشير تكاد تكون معدومة، ولا أعني بذلك أن الرئيس البشير كان متمسكاً بهم بدون اعتبار، ولكن ذهاب أي رئيس لا بد أن يذهب معه طاقمه، وهذا ما أكده البشير في ذاك الحوار لصحيفة الشرق القطرية حينما أعلن إعتزاله الرئاسة في الدورة القادمة وبرر ذلك بإفساح مجال للتغيير، والتغيير هو الذي سيذهب بأكثر الحرس القديم إن لم يذهب به كله، وهذه هي بداية ثورة الإنقاذ الجديدة التي يقودها أيضاً المشير عمر حسن أحمد البشير كما قاد الثورة الأولى في الثلاثين من يونيو عام 1989م حينما احتمى كثيرون بالدور والسجون.

صحيفة المشهد الآن
جمال عنقرة[/JUSTIFY]

تعليق واحد