رأي ومقالات

د. عبد الماجد عبد القادر : إنتَ أبوك تاع أنا !!

[JUSTIFY]يخطئ الكثيرون إن ظنوا أن »التبادل« التجاري مع دولة الجنوب سوف يتم في سهولة ويسر ودون تعقيدات.. ويعزى ذلك لأسباب عديدة منها أن »الناس ديل« مازالوا جديدين في أمر تأسيس الدولة، فقد عاشوا منذ أن »لزقهم« الإنجليز فينا وهم يتلقون »العون« و»الدعم« و»الإغاثة« مجاناً… وتربُّوا خلال أكثر من سبعين عاماً على أن حكومة الشمال هي »أبوك تاع إنتكم« يعني هي الأب الذي يطعمهم ويكسوهم ويعلمهم مجاناً لأنها المندكورو الذي يكتفي مقابل ذلك بتقديم شروط الولاء والطاعة والسيادة على أن يمنحهم كل شيء مجاناً… واستمر هذا دأبهم وانقسموا إلى مجموعات بعضهم ذهب إلى الغابة وتمرد فيها وظل ينهب ويقتل و»يقلع« ويحارب و»يضارب«، وبعضهم رحل عندنا في الشمال واستمتع بالأمان والاستقرار والعمل مع الادعاء بأنه تمارس عليه طقوس مواطني الدرجة الثالثة.

وبعضهم ظل مقيماً في مكانه يرعى أبقاره… وكلّهم تركوا أمر تنمية الجنوب على الحكومة المركزية في الخرطوم، وفي ذات الوقت ظلوا يحاربونها بلا هوادة.. وهذه الطريقة وهذا السلوك تلبسهم طيلة هذه الفترة ومازال… وعلى الرغم من أنهم نالوا استقلالهم من المندكورو قبل عامين وقال »باقانهم« و»عرمانهم« بالصوت العالي جهاراً نهاراً وهو يودعنا »باي باي للمندكورو.. باي باي لوسخ الخرطوم.. باي باي للعروبة.. باي باي للعبودية.. باي باي للإسلام«.. ومع هذا ظلوا حتى الآن قادة وشعباً يمارسون طقوس الاعتماد على الشمال ولا يصدقون ولا يفهمون أنهم انفصلوا.. والحركة الشعبية التي يسيطر عليها الدينكا مستعمرين للقبائل الجنوبية الأخرى لا تفهم ولا تريد أن تفهم كيف تدير دولة، بل تعرف كيف تتمرد علي دولة المندكورو، ونظراً للممارسة هذه الطقوس خلال عامين من الانفصال فقد وصلوا وفي زمن قياسي إلى مرحلة المجاعة القاتلة، وإلى درجة بيع البصلة بثمانية آلاف جنيه وربطها بخيط ليسهل نقلها من حلَّة إلى أخرى… وبعد هذا نصحهم أسيادهم من بني إسرائيل والفرنجة بأن السودان هو ملاذهم وملجأهم ومصدر غذائهم سابقاً ولاحقاً.. وعليهم إبداء شيء من الانكسار مؤقتاً حتى »يخمّوا« نفسهم ويستجمعوا قدراتهم للانقضاض عليه تحت مشروع قرنق »تحرير السودان«.

وإذا كان البعض »منّا« يظنون أن التجارة مع الجنوبيين ستكون أمراً سلساً فهم مخطئون جداً.. اللهم إلا إذا كان أمر التجارة سيتم اختزاله في برنامج واحد كبير تحت مسمى »الغذاء مقابل الأمن« ويتم فيه تحديد احتياجات الجنوبيين من المائة وسبعين سلعة المتوفرة في السودان وتحديد حجمها ووزنها وثمنها… ولنقل إنها مثلاً سلع بقيمة ثلاثة مليارات دولار في عام واحد، ففي هذه الحالة تدفع حكومة الجنوب »مقدّماً« لحكومة السودان ثلاثة مليارات دولار وتقوم حكومة السودان بتسليمها بضائع بالقيمة المذكورة في مدينة الرنك مثلاً أو أي ميناء آخر.. ومن هناك تقوم حكومة الجنوب بتوزيع أو بيع هذه السلع علي مواطنيها وبالطريقة التي تعرفها. أما إذا انتظرنا أن تتم ممارسة التجارة على أساس اتفاقيات وتعاقدات فردية بين مصدرين وموردين ومستوردين من البلدين، فإن »الرمال كال حماد«.. وذلك لأن الجماعة ديل لا يفهمون »الواو الضكر« في هذا الأمر، ولا يعتقدون أنهم ملزمون بدفع القيمة »للمندكورو«.. وكل ما سيقولونه لأي صاحب لوري أو بضاعة »شم واطة ده يا هو بتاع إنتكم«؟!

وقد يذكر البعض طرفة الجنوبي الذي وقف في محطة البنزين على أيام عودة قرنق في عام 2005م، وكيف أنه طلب من عامل المحطة أن يملأ التنك بنزين، وعندما طلب منه الفلوس قال إن هذا هو الجزء الخاص به من اتفاقية تقاسم الثروة والسلطة. وعندما أصرَّ عامل المحطة على الدفع أو تفريغ البنزين قال له »واللاهي وهدة دي ولا جاسبة« أي أن الوحدة والله ليست جاذبة!!
وبعض إخواننا من رجال الأعمال ربما صدقوا أن أمر التعاون يمكن أن يستقيم، فأنشأوا شركات مشتركة مع بعض الجنوبيين وجعلوا مقرها هناك، واستدانوا لها من مصارف الشمال وزودوها ببضائع للصادر.. وتم التصدير، ولكن الجماعة »لحسوا« العائدات وقالوا لجماعتنا »يا هو يا مندكورو كان إنت إندو قروش إندنا إنت يا هو بجي يشيلو من هنا« وكان ذلك بعد الانفصال.

ثم أن حوادث نهب السيارات والبضائع واللواري قد توالت على المغامرين من المندكورو على الرغم من أنهم كانوا يخالفون قانون بلادهم لإيصال البضائع للجنوب الجائع.. ولم يتوقف الأمر على العابرين بل تعداه إلى نهب المزارع والمنتجات وتجاوزه الى »قطع الإضنين« مع رسالة شفهية تقول »خلوا ناس المؤتمر الوطني يرجعوا ليكم إضنيكم«!!.

وخلاصة ما نريد أن نقوله أن التجارة مع دولة السودان الجنوبي تحتاج إلى ترتيبات دقيقة إذا كانت ستتم بين رجال أعمال من هنا وآخرين من هناك.. علماً بأنه أصلاً لا يوجد تجار ولا يوجد رجال أعمال في تلك الدولة.

ومن الأفضل أن يكون التبادل بين المؤسسات الحكومية في البلدين… يعني مثلاً تقوم وزارة التجارة ببيع مليون طن ذرة بمبلغ سبعمائة مليون دولار وتستلم المبلغ مقدماً ونقداً ثم تشحن لهم الذرة، وفيما عدا ذلك فإن أمر التجارة والتبادل لن يستقيم… ونؤكد أنه لا يوجد أي شيء يمكن تبادله أو استيراده من دولة الجنوب السوداني، وإنما هي بضائع في طريق ذي اتجاه واحد من الشمال وإلى الجنوب. ولا أجد شيئاً يمكن استيراده منهم غير ريش النعام أو بعض من عصي الأبنوس لأغراض الزينة و»الفلهمة«.

صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. {{ فقد عاشوا منذ أن »لزقهم« الإنجليز فينا وهم يتلقون »}} تم ضم
    جنوب السودان حتي جبل الرجاف جنوبا في فترة دولة المهدية حيث تم تسير جيش بقيادة الامير عربي دفع الله التعايشي،
    تم ضم شرق السودان حتي القلابات ايضا في فترة الدولة المهدية وكان قائد الجيش الامير حمدان ابو عنجة التعايشي.
    تم ضم غرب السودان (دارفور) في عهد الدول المهدية وكان الجيش بقيادة الامير عثمان جانو ثم تم تبديلة بالامير محمود ود احمد وهكذا تم تكوين السودان الموحد والله اعلم