حوارات ولقاءات

مصطفى أبو العزائم في صراحة متناهية لا تعرف أنصاف العبارات

[JUSTIFY]بعد الجلوس مع الأخ الأستاذ الكبير مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير صحيفة (آخر لحظة) ذائعة الصيت، تأكد بصورة قاطعة و دامغة وصف الأستاذ الكبير كمال حسن بخيت رئيس تحرير صحيفة (الرأي العام) له في حوار سابق معه، بأن مصطفى أبو العزائم أشطر رئيس تحرير مع أحمد البلال الطيب، وأن مصطفى هميم و مثابر.

تقلد مصطفى أبو العزائم رئاسة تحرير صحيفة آخر لحظة في إصدارها الثاني قبل عشرة أعوام في العام 1993 م ، والتي توقفت حينها بسبب قانون الصحافة للعام 1993 م و الذي كان يلزم الصحف بالصدور عن طريق شركات، وأن يكون رأس مالها (50) خمسون مليوناً من الجنيهات، ووقتها كان ذلك مبلغاً مأهولاً، فترك مصطفى المهنة و دخل السوق و عمل بالتجارة لفترة، قبل أن يعود لعشقه الأول الصحافة مستشاراً للتحرير بصحيفة (أخبار اليوم)، ثم نائباً لرئيس تحرير صحيفة (الوطن)، ليعيد بعدها بالشراكة مع الوزير و الوالي السابق المهندس الحاج عطا المنان، و الهندي عزالدين إصدار صحيفة (آخر لحظة) في إصدارها الثالث و الحالي لتحقق الصحيفة نجاحات كبيرة و غير مسبوقة على كل الأصعدة تحريرياً و انتشاراً و توزيعاً، و لتصبح واحدة من أعلى الصحف السودانية مبيعاً و توزيعاً ولا زالت، وكان آخر نجاحاتها فوزها بجائزتي الحوار الصحفي، والتحقيق، في جوائز المجلس القومي للصحافة و المطبوعات.

و تبوأ مصطفى كذلك منصب رئيس التحرير لصحف: (أخبار الساعة) في النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم، و (البيان) في النصف الثاني من التسعينيات نفسها.

وقبل ذلك، وفي بواكير حياته الصحفية عمل مصطفى أبو العزائم بصحيفة الأيام في السبعينيات، وبعد الانتفاضة المعروفة بانتفاضة (رجب ــ أبريل) التي أطاحت بالرئيس السابق الراحل جعفر نميري، عمل مديراً للتحرير بصحيفة الأضواء لصاحبها الراحل محمد الحسن أحمد، وذلك في العام 1986 م، و بعدها انتقل لصحيفة (الاتحاد) سكرتيراً لتحريرها، ليهاجر بعدها إلى ليبيا، وعمل مديراً تجارياً لمؤسسة القدس الإعلامية في رئاستها بمدينة طرابلس، و كان عمله موزع ما بين مدن الدار البيضاء، و تونس، و روما، و بعد انتهاء عقده بعد سنتين رفض تجديده لينتقل للعمل بالسفارة السودانية بليبيا مستشاراً إعلامياً بها إبان فترة وجود السفير عباس النور و ذلك في الفترة من 1991 م ـــ 1992 م.

* ما الذي ينتج الثورة.. أي ثورة؟. – الغبن والإحساس بالظلم.. ومصادرة الحقوق والفساد.

* وما الذي ينجح الثورة.. أي ثورة؟. – الإجماع على ضرورة تغيير النظام، ووحدة صف الثوار، والقيادة السياسية المقنعة.

* ما الأسباب المباشرة والقوية التي تقود لاندلاع الثورة؟. – تسلط الحاكم، ونشوء طبقة مستغلة للموارد العامة لصالح حزب أو جماعة أو فرد، والاستخفاف بالمواطن، واستفزاز العامة ومصادرة حقوقهم جهاراً نهاراً.. أو خفية.

* ما الذي يجمع بين دول الربيع العربي؟. – الظلم وفساد الأنظمة المقام بها، والوقوف أمام تطلعات الشعوب، خاصة في جانب المعتقد والدين، ومحاولات تلك الأنظمة «تدَّجِين» الشعوب والأئمة وقادة المجتمع.

* ما الذي ينتج الانقلاب العسكري؟. – الأطماع غير المحدودة في الحكم لصالح فرد طموح، أو مجموعة أرادت إختصار الطريق لفرض فكرها ونهجها على الغير.

* وما الذي ينجح الانقلاب العسكري؟ – السبب الرئيسي دائماً ضعف النظام الذي سبقه، ثم تأييد مجموعة أو جماعة من الناس، تكون قد كفرت بالتجربة والممارسة السياسية التي دفعت بالانقلابيين لأن ينقلبوا على الحكم.

* وثيقة الفجر الجديد أحدثت شقوقاً في جدار المعارضة، عكس الهدف المرجو منها.. ما هي الأسباب برأيك؟. – الأسباب ببساطة أن المعارضة نفسها – للأسف الشديد – غير مقنعة ومتشظية، تحسبها «واحدة» لكن قلوبهم شتى، ثم جاءت الطامة الكبرى بالمناداة بضرورة فصل الدِّين عن الدولة، الذي إستغلته الحكومة استغلالاً جيداً، وهي تعرف حرص الشعب على تحكيم الشَّرع وكتاب الله.
المعارضة يا أخي الكريم لا تجيد عرض بضاعتها! ويضعفها أكثر سعي بعض القيادات إلى إعلاء قيمة الذات دون النظر إلى أمر الجماعة.

* سؤال يضم بداخله سؤالان، وبلا مقدمات؟: ما الذي فصل الجنوب.. ومن فصل الجنوب؟. – الذي فصل الجنوب هو السياسات الاستعلائية من قبل كل الحكومات في العهد الوطني، فحتى في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري رحمه الله، الذي توصل إلى اتفاقية تاريخية في مارس 1972 ضمنت الحكم الذاتي للجنوب دون حق تقرير المصير، وأوقفت الحرب وبدأت التنمية، جاء ونكس رحمه الله- عن ذلك الاتفاق بأن أعاد تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاث ولايات فأكثر بعد أن استمع لنفرٍ من أصحاب الشخصية، ولم يستمع لصوت العقل والمنطق، فبدأت الأزمة تتضخم حتى أصبحت مشكلة فكارثة أدت في نهاية الأمر إلى الانفصال.

أما من الذي فصل الجنوب، فهذا عمل مشترك قامت به الحركة الشعبية من خلال تزوير إرادة أبناء وبنات جنوب السودان، وقام به المؤتمر الوطني شريك الحركة الشعبية، من خلال رضوخه لمبدأ حق تقرير المصير، ثم سكوته عن مؤامرات الحركة الشعبية المكشوفة من أجل الانفصال، وقام به المجتمع الدولي الذي أراد إضعاف السودان الكبير وخلق منطقة عازلة بين أفريقيا «المسلمة» شمال الصحراء، وأفريقيا «المسيحية» و«الوثنية» جنوب الصحراء.

* المجلس القومي للصحافة.. كيف تراه.. ودوره.. يعني كيف تقيمه؟ – قيام المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ضرورة اقتضتها عملية تنظيم المهنة في وقت ما ولا زال يقوم بدور مهم في مجال ترقية المهنة، ونرى أن دوره الآن وفق القانون دور مهم وضروري وهذا الأمر ليس بدعة سودانية، بل إن هناك عدة دول في مختلف أنحاء العالم تعتمد المجالس بمسميات مختلفة لتنظيم المهنة وتطويرها، وخاصة الدول التي تحكمها أنظمة تقليدية، وهذا في رأيي أفضل من أن يتحول ملف الصحف ونظامها وتنظيمها إلى وزارة، مثلاً كما كان عليه الحال إبان الاستعمار أو إلى إدارات الأمن مباشرة لأن هذا لن يكون في صالح الصحافة ولا في صالح النظام الحاكم. بعض الدول ليس لديها مجالس للصحافة والمطبوعات مثل بريطانيا التي يمكن لأي شخص فيها أن يصدر صحيفة دون الرجوع إلى أي جهة سوى إخطار السكة الحديد أو البريد الملوكي لنقل الصحف المطبوعة إلى مختلف منافذ التوزيع، وإذا تضرر شخص ما من الصحافة فعليه اللجوء للقضاء والاحتكام للقوانين. وللأسف هذه مرحلة لن نبلغها قريباً في ظل الواقع السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي والاقتصادي الراهن.

* قانون الصحافة، الساري الآن، والمسودة المقترحة.. كيف تراهما؟. – يا أخي الكريم، قانون الصحافة الحالي أفضل من المسودة المقترحة، ومشروع القانون الجديد لم يجد القبول من أي جهة، لذلك أصبح سيء السمعة، ومع ذلك إن لنا رأي في القانون الحالي الذي هو أفضل من المقترح، والذي نخشى أن يجاز. للأسف نحن عقليتنا (قمعية) لا نقبل الرأي الآخر الناقد والحاد ولا نعترف بأن حق الرد كفيل بمعالجة الخلافات وقانون الصحافة الحالي نُعِيب عليه العقوبات التأديبية الجائرة، وهي في القانون المقترح أشد وأفظع الآن كثير من الدول أي عقوبات سالبة للحريات من قوانين الصحافة في القضايا المتعلقة بالنشر مثل الجزائر والمغرب وغيرهما، والقانون الحالي يحمل رئيس التحرير المسؤولية كاملة في النشر وهذا يعني تحمله للعقوبة في حين أنني شخصياً تقدمت بمقترح أعتقد أنه عملي ومنصف وعادل يقضي بأن تكون مسؤولية رئيس التحرير مسؤولية تقصيرية، بحيث يتحمل كاتب الرأي أو ناقل الخبر أو التعليق المسؤولية الأولى وكذلك المؤسسة الصحفية التي (عينت) رئيس التحرير حتى تمثل هي ممثلة في مستشارها القانوني أو محاميها أمام المحاكم بدلاً عن رئيس التحرير الذي يمثل بصورة شبه يومية أمام المحاكم والنيابات.

* الاتحاد العام للصحافيين السودانيين.. ماذا تقول عنه، أو بالأحرى كيف تراه؟. – يا أخي، أنا الآن نائب لرئيس الاتحاد العام للصحافيين، نائب بلا صلاحيات وهذا أمر أرفضه تماماً كيف أحمل مسؤولية عمل ما دون أن يكون لدي صلاحيات محددة ومنصوص عليها وفق اللوائح والقوانين، ثم إنني سبق لي في آخر انتخابات أن أحرزت أكبر عدد من الاصوات في تاريخ انتخابات الصحافيين، ومع ذلك أشعر أنني الآن مقيد ولا أفعل شيئاً، بل أكاد اشعر بالأسى لأنني عملت على حل منظمة بيت الصحافة التي كنت أرأسها، وتضم مجموعة طيبة من الزملاء والزميلات في مكتبها التنفيذي، ومجموعة من الخبراء في مجلس أمناءها والتي قدمت خدمات ممتازة للزملاء في الوسط الصحفي، منها الدعم الاجتماعي وتمليك السيارات بدون مقدم والعلاج المجاني وغير ذلك من الخدمات. وقد وقف على تأسيس تلك المنظمة مجموعة طيبة من الزملاء منهم الدكتور هاشم الجاز عندما كان أميناً للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وأستاذنا وأستاذ الأجيال إبراهيم عبد القيوم والأساتذة محمود الدنعو وأحمد الشريف وسلمى الأمين وأنعام محمد الطيب وغيرهم.
الآن تبخرت المنظمة وتباعدت المسافات بيننا وبين الاتحاد، لكن هناك مجموعة من الزملاء تسعى الآن لإحياء المنظمة من جديد.

* هل فكرت يوماً أن تترشح للاتحاد نقيباً أو في أي منصب.. وهل حدث بك إتصال من أي جهة لترشح نفسك؟. – يا أخي السؤال محرج حقيقة.. وأنا الآن نائب لرئيس الاتحاد أستاذنا الدكتور محيي الدين تيتاوي في هذه الدورة وعضو بالضرورة في المكتبين التنفيذي والأربعيني، وسبق أن كنت عضواً في المكتب التنفيذي السابق أيضاً، وأنا شخصياً وأقسم على هذا لم أفكر في أن أترشح لمنصب النقيب من قبل، ولا أكذبك أو أخفيك شيئاً فقد اتصل علي أكثر من شخص وجهة، لأن أرشح نفسي لرئاسة الاتحاد في الدورة المقبلة.

* هل ستفوز؟ – شوف.. الحشاش يملا شبكتو.. وأنا واثق تماماً ليس من الفوز فقط، بل من الاكتساح بإذن الله.. وما توفيقي إلا باللَّه.
*بدون إجابة دبلوماسية إلى أي تنظيم سياسي تنتمي؟ – بدون «لولوة» أنتمي إلى تنظيمين هما وجهان لعملة واحدة.. هل فهمتني.

*أرجو الإفصاح والتوضيح. – أنا أنتمي للحركة الاسلامية السودانية، وأنتمي للمؤتمر الوطني الذي هو واجهة سياسية لها.. ولا أخجل من ذلك، بل بالعكس أعتز به كثيراً.

* إبان دارستك الجامعية ما هو توجهك السياسي آنذاك؟. – قبل الجامعة كان توجهي وسطياً، ونحن مجموعة من الزملاء كنا خلال الدراسة الدراسة الثانوية نواة لقيادات طلابية فجر ثورة شعبان ،1973 وكانت علاقتنا قوية رغم التوجهات السياسية المختلفة، وظللت على هذه الوسطية خلال الدراسة الجامعية ومع بداية الثمانينيات توجهت يميناً وأكشف لك سراً أذيعه لأول مرة للأخ الزميل الدكتور محيي الدين تيتاوي لقد تم تجنيدي مباشرة خلال النصف الأول من الثمانينيات ونحن في صحيفة الأيام وقد أديت القسم داخل مكاتب القسم الرياضي في غياب العاملين به آنذاك، وهم المرحومان عمر عبد التام ومحمود شمس الدين والأستاذ الكبير ميرغني أبو شنب ثم أسسنا 1984 صحيفة ألوان وخططت لإصدارها صفحة صفحة مع أخي وصديقي وزميل دراستي الأستاذ حسين خوجلي، وأوشك هذا الإصدار أن يودي بي ويتسبب في فصلي من جريدة الأيام التابعة للاتحاد الاشتراكي السوداني التي كنت أعمل بها في ذلك الوقت.

*هل أنت صحفي حكومة أم صحفي معارضة؟. – أنا صحفي حر، لست مع الحكومة في كل ما ذهبت إليه ولست مع المعارضة في ما نأت بنفسها عنه لست صحفي حكومة بدليل أنه تم اعتقالي خلال فترة حكم الانقاذ ثلاث مرات ومثلت تقريباً أمام كل النيابات بدءاً من نيابة الجرائم الموجهة لأمن الدولة مروراً بالنيابات العامة والمتخصصة وربما النيابة الوحيدة التي لم أمثل أمامها هي نيابة حماية المستهلك.

*ما رأيك في الصحافيين المنتمين سياسياً ويكتبون على أساس ذلك الإنتماء؟. – أولئك يا أخي لا يخرجون من اثنين إما «كتبة» سلطان أو كتائب سياسية مقاتلة، الصحفي الذي يحاول أن يتدثر بثوب السياسة ويلقيه على المهنة، هو صحفي فاشل.. يمكن للصحفي أن يعبر عن رأيه السياسي من خلال الرأي والأعمدة التي تعبر عنه أو عن انتمائه، لكن يجب عليه ألا يسقط ذلك على بقية فنون العمل الصحفي والتحريري.

* الوالد الأستاذ الكبير الهرم الإعلامي الشامل محمود أبوالعزائم – عليه رحمة الله – ووالدتك – عليها رحمة الله – ماذا أخذت منهما..بمعنى ما هو أثرهما عليك، وماذا تعلمت من كل واحد منهما.. وأصلاً ما الذي كان يمتاز به أو يميز شخصية كل واحد منهما؟. – ياااااه.. لقد فتحت يا أخي الكريم طاقة الحب التي كنت أطل منها على العالم، لقد حاولت أن آخذ من والدي رحمه الله الكثير فنجحت في أخذ القليل، لقد كان الراحل محمود أبو العزائم شخصية فذة كان أسطورة لن تتكرر وكان عبقرياً وإعلامياً مطبوعاً، كان يحرص على أن نكون مثله من المحبين للقراءة والإطلاع.. وبسبب ذلك دخلت المدرسة وأنا أقرأ وأكتب، ودخلت الجامعة ولم أكمل السابعة عشر من عمري وكان ذلك في زماننا حدث عظيم.
أما والدتي الراحلة السيدة «الحاجة» خديجة محمود عبد الرحمن عثمان، فهي دنيا قائمة بذاتها، كانت امرأة فاضلة وخيرة فاعلة للخير ومحبة لفاعليه، كانت معلمة من الطراز الممتاز تخرجت في كلية المعلمات بام درمان التي دخلتها وهي الأولى على مستوى زميلاتها في مديرية البحر الأحمر آنذاك، تعلمت منها وكذلك بقية اشقائي النظام الصارم والأنضباط والنظافة اذ كانت تعاقبنا بالجلد بسير ماكينة الخياطة إذا رفضنا أو ترددنا في الإستحمام مهما كانت برودة الجو.
يا أخي أنا الآن رجل كبير ومع ذلك أفتقد والدي كأنني طفل صغير.. أرجو أن تدعو لهما بالرَّحمة والمغفرة والقبول الحسن.
والدي كان – رحمه الله – يتمتع بشخصية منفتحة ومرحة حاد الذكاء عظيم القبول سريع البديهة، لديه حل لكل مشكلة تقريباً.. اما الوالدة عليها رحمة الله- فقد كانت اماً سودانية حقيقية، ومربية فاضلة، لم افتقدها وحدي ولم يفتقدها اشقائي وشقيقاتي وحدهم ولا احفادها الكثر، لقد افتقدها كثيرون، فهي كما قلت لك امرأة خيرة سعت دائماً لفعل الخير والبر والإحسان.

* بصراحة.. أنت الآن في بحبوحة من العيش وحققت نجاحاً كبيراً ولافتاً.. لم يحدث بهذه الصورة في حياة الوالد الاستاذ محمود ابو العزائم عليه رحمة الله، الا تمر عليك لحظات تتمنى فيها لو كان الوالد موجوداً ليرى نجاحك، ولتسعده بهذا النجاح، ولتغدق عليه ليعيش حياتك الرغدة، لترد ولو جزء يسير من واجبك تجاهه؟ – بصراحة أيضاً.. أقول لك إن مستوى حياتي لم يتغيّر عما كان عليه في حياة الوالد، والنجاح الذي اصبته انما هو توفيق من عند الله تعالى، وقد عاشه السيد الوالد منذ ان اصدرت (اخر لحظة) في صدوره الثاني عام 1993، ثم تأسيسي لشركة الناشر السوداني الحديث بعد ذلك، وكان للوالد مكتباً خاصاً بها يمارس منه عمله وخصصت له سكرتيرة تعنى بأمر ما يكتب أو ما يملى عليها، ولا أشعر حقيقة بفرق كبير، بل أجد نفسي في بعض الاحيان استعيد بعض الذكريات فأجد ان والدي رحمه الله هو الذي جعلني اعيش في بحبوحة من العيش خلال حياته العامرة فالرجل كان ملأ السمع والبصر وتقلد مناصب رفيعة وان حدث لي نجاح في حياتي فان لوالدي بعد الله سبحانه وتعالى فضلاً في ذلك فقد اهلني وعلمني أن أشق طريقي نحو المستقبل.. وأنا أسعد الناس لأن آخر ما سمعته من والدي وسمعه معي بقية أشقائي هو أنه راضي عني في الدنيا والآخرة.. ومع ذلك يا أخي أسامة، أنا أشعر أنني لم أقدم شيئاً يذكر لوالدي أمام ما قدمه لي ولأخواني وأخواتي.

* هل معنى هذا أنك لا تعيش بحبوحة من العيش؟ – الحمد لله رب العالمين، وأنا أعتبر نفسي الآن من أغنى الأغنياء في دنيا وعالم الصحافة.. لأنني مستغنٍ عما في أيدي الناس ولا أرجو شيئاً إلا من الله تعالى.

*هناك صحيفة توزيعها اليوم حوالي ستين ألف نسخة رغم انها حديثة عهد نسبياً وهناك صحيفة اخرى لا يتعدى توزيعها اليومي لألف وثلاثمائة نسخة رغم أنها أعرق صحيفة موجودة اليوم على الساحة، ورغم ان رئيس تحريرها هو الأنموذج لرئيس التحرير، ورغم انها صحيفة تنتهج المنهجية بشكل رفيع.. كيف تنظر لهذه المفارقة الغريبة؟ – ليس هناك مفارقة ولا «يحزنون» الصحيفة التي أشرت إليها في البداية انما هي منشور سياسي يومي لمشروع عنصري واقصائي يستخدم لغة شتائمية ومفردة مستفزة ومثل هذه الامور تجد للأسف الشديد هوى لدى العامة ولكنك لن تجد انتشاراً لها وسط الخواص وهذا هو منطق (سوق) الصحافة لا منطق نهجها أما الصحيفة الثانية التي اشرت اليها فإنها اضحت مثل كتب اليهود والنصارى المحرفة قيمتها التاريخية اعلى من قيمتها الحقيقة هي صحيفة لم تتطور مهنياً بل بالعكس تراجعت ولم تعتمد على كوادر شابة متمكنة من استخدام الوسائل والاجهزة التقنية الحديثة لقد تجاوزها الزمن وان آسف ان اقول ذلك وقد كنت يوماً أحد أبناء تلك المؤسسة.

* هل أنت راضي عن الوجود الانثوي في الصحافة السودانية؟ – لا يهم موقعي، فالوجود الأنثوي يفرض نفسه لأسباب عديدة، منها إنتشار التعليم وتوسعه افقياً ورأسياً، والفرص المتساوية بين الجنسين في ممارسة العمل، ثم اغراء الصحافة وجذبها للجميع، لكن اعمار النساء قصيرة في العمل الصحفي، والزواج في كثير من الاحيان يمنع الصحفية من أداء مهمتها كاملة او يمنعها من العمل تماماً، والنماذج كثيرة.

*يقال إن الصحفية المرأة وجه أكثر منها مضموناً، بمعنى أنها جميلة فقط، وجمالها هو الذي يلفت الانتباه، لكنها كفكر لا تلحق بالرجل، أقصد الرجل الصحفي؟ – في هذا ظلم كثير وكبير للمرأة وللصحافة والصحفيين، فالصحافة ليست شاشة تلفزيون حتى تطلب مواصفات معينة مثل التي وردت مؤخراً في الاعلان المعيب باحدى الصحف الذي طلبت فيه دولة عربية وظائف نسائية لذوات البشرة غير الداكنة وغير ذلك من ما يستفز ويجعل من المرأة تمثالاً او لوحة ليس أكثر ولا أقل المرأة الصحفية موجودة ولها أثر كبير وتأثير عظيم في العمل الصحفي، وعليك أن تنظر إلى جوائز التفوق الصحفي فأكثر الذين حصلوا عليها من النساء.. أما من ناحية الفكر فليس المطلوب من الصحفية أن تكون «مفكرة» أو فيلسوفة وكذلك الصحفي، المطلوب منهما أن يكونا صحفيين مهنيين يتعاملان وفق قواعد وأسس العمل الصحفي.

* هناك قول سارت به الركبان وأصبح مسلماً به، وهو إن الجمال والذكاء لا يجتمعان معاً في المرأة.. كيف ترى ذلك؟ – الجمال يا أخي الكريم نسبي اما الذكاء فمعاييره واضحة وجلية، فالمرأة التي اراها عادية قد تراها انت جميلة والعكس بالعكس، لكن الذكية ذكية، لذلك هذا القول فيه ظلم وتشفي، لأن المرأة الذكية تقنع غيرها بأنها جميلة، والرجل الذي يقيم المرأة من باب الجمال فقط يظلمها ويظلم نفسه أكثر.

* رئيس تحرير وصحفي وكاتب تحرص أن تقرأ لهم.. ولماذا؟ – أقرأ لكثيرين منهم الأساتذة الهندي عز الدين وأحمد البلال الطيب وكمال حسن بخيت واسحق أحمد فضل الله ويوسف عبد المنان وراشد عبد الرحيم وكمال حنفي ومحمد عبد القادر وعبد اللطيف البوني وابراهيم دقش وعادل الباز والنور أحمد النور وضياء الدين بلال وحسن البطري وعبد الباقي الظافر وكل كتاب (آخر لحظة) وغيرهم.. اما لماذا فالأمر يختلف من شخص لآخر وهناك من أستمتع بما يكتب وهناك من «أتلصص» على أفكاره، وهناك من أقرأ توجهات غيره بقلمه.

* رئيس تحرير وصحفي وكاتب لا تقرأ لهم.. ولماذا؟ – كثيرون.. أما لماذا فأرجو أن تعفيني من الإجابة.

* رئيس تحرير وصحفي وكاتب مظلوم، ولماذا؟ – لا أعتقد أن هناك رئيس تحرير مظلوم الآن، أما الصحفيون فهناك بعضهم مظلوم من أمثال الأستاذ عبد الرحمن أحمدون.. لماذا فهذا يسأل عنه من ظلمهم لأنه لم يعطهم الفرصة الكاملة ومستحقات الفرصة الكاملة مادياً ومعنوياً.

* رئيس تحرير وصحفي وكاتب مغرور.. ولماذا؟ – قلة قليلة فقط هي التي تغتر، والصحافة لا تقبل بأن يكون داخلها مغرور لأنها مهنة مرتبطة بالمواطنين وبالتنوير والتعبير، والذي يغتر قد يكون فتح على نفسه باب الفشل.

* رئيس تحرير لا يستحق الوصول لهذا المنصب؟؟ – يا أخي أرجو ألا تحرجني، أنا أمتنع عن الأجابة.

* رئيس تحرير محظوظ؟ – أنا.. عشان ما تزعل ويزعل غيرك.

* أشطر رئيس تحرير حالي؟ – إذا أجبت أي إجابة فإنها قد تغضب الكثرين فكل رؤساء التحرير الحاليين يعتبرون أنفسهم (شطار) ولكن عدد قليل منهم هو (الشاطر).. اذكر لك على سبيل المثال الهندي عز الدين رغم انه رئيس مجلس ادارة، وأحمد البلال الطيب، وكمال حسن بخيت وضياء الدين بلال والنور أحمد النور وحسين خوجلي والرزيقي وغيرهم.

* ماذا أعطتك الصحافة؟ – أعطتني الشهرة والقبول والعلاقات الواسعة والاستقرار والرضا عن الذات.

* وماذا أخذت منك.. أعني الصحافة؟ – حريتي الشخصية، وخصوصية حياتي، كما أخذت مني وقتاً أسرياً خاصاً كان من المفترض أن يكون لأفراد أسرتي.

* كم عمر مسيرتك الصحفية؟ – أكثر من ثلاثين عاماً بقليل.

* ماذا تقول عن هذه المسيرة إختصاراً؟ – أقول أنها مسيرة حافلة وزاهية وغنية رغم المعاناة والضيق والكبت الذي كنا نعانيه في أحيان كثيرة، وهي مسيرة حياة لو خيرت بينها وبين غيرها لاخترتها هي من جديد.

* رئيس التحرير في السودان هل يشبه رئيس التحرير في الصحف الأخرى في الخارج لا سيما في الدول العربية؟ – لا من قريب ولا من بعيد.. طبيعة السودانيين مختلفة، وبعض رؤساء التحرير في الخارج يعتبرون أنفسهم من أنصاف الآلهة، أما في السودان فهم في نظر بعض الحاكمين من أنصاف البشر!

* هل حدث أن فصلت من صحيفة.. ومرت عليك أيام عطالة عن العمل؟ – نعم.. فصلت مرة واحدة للصالح العام بإلغاء الوظيفة عام 1986م، ولكنني لم أمكن أي جهة أخرى من فصلي فأي عمل إلتحقت به بناء على رغبة أصحابه، تركته بناء على قراري ورغبتي.
حقيقة لا أعرف التعطل عن العمل، وأنا في حالات عدم العمل الصحفي أتعاون مع الاذاعة والتلفزيون ولي شركة خاصة تعمل في مجال الاعلانات، وربما تندهش اذا قلت لك ان اكثر من خمسين بالمائة من الاعلانات المغناة في الاذاعات والتلفزيون قمت بكتابتها بينما قام بتلحينها الموسيقار الكبير يوسف السماني، اعلانات كثيرة ومعروفة، والعائد في هذا المجال مجزي وسريع.

726

صحيفة المشهد الآن
حاوره : أسامة عوض الله[/JUSTIFY]