قير تور

وإذا تجاهلتم غير المكتوب

[ALIGN=CENTER]وإذا تجاهلتم غير المكتوب [/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]يحكى أن أحدهم عاد إلى بلده القريب من النهر حاملاً شهادة دكتوراة عن البيئة، وفي يوم جميل اختاره للتجول على الشاطئ التقى أحد زملاء المراحل السابقة الذين تساقطوا عن مواصلة درب المدرسة فتوقف عند الثلاث سنوات الأولى. حيا الصديقان بعضهما بعضا وبكيا على طول المدة التي لم يلتقيا فيها، وكان هذا الأخير قد عمل صياد سمك يملك قارباً لذلك الغرض لتربية ابنائه، فكان أن دعا صديقه الغائب عن البلدة لرحلة عبر النهر يستقلان فيها المركب. ركب الدكتور مع صاحبه الصياد وسأله إن كان واصل تعليمه أم لا فكانت الإجابة أن المدرسة تم نسيانها منذ فترة بعيدة.
والدكتور يتحدث لصديقه ذكر له بأنه أتم المراحل الدنيا ثم العليا حتى أكمل الجامعة ثم ما بعدها ليتخصص في الدراسات البيئية.. ثم عرج فجأة بسؤال لصديقه: “هل تعرف شيئاً عن البيئة” فرد صديقه بالنفي. فقال هذا “يا خسارة!! نصف عمرك ضائع”.. وأخذ يتحدث عن البيئة والطقس والمناخ وكيف يتكون الهواء والأمطار… و… و… وهو في شرحه المتواصل هذا وصديقه يجر شبكة السمك وهو يستمع له في الوقت نفسه، هبت رياح عاصفة جعلت المياه تتقافز في النهر.. وهنا قاطعه صديقه قائلاً: “كدا خلينا من البيئة والمناخ والطقس اللي بتتكلم عنو دا.. إنت بتعرف تعوم؟” قال المجيب: “لا”. والكلمة هذه تخرج كان القارب قد بدأ يمتلئ بالماء فأدرك صاحبه خطورة الوضع ولذا فقد رد على صديقه المتخصص أكاديمياً في الدرسات البيئية بالقول: “إذن عمرك كلو ضائع”. ثم قفز إلى داخل الماء ليسبح عابراً النهر، أما صاحبه فقد غرق.
علم قليل نافع غير مكتوب أنقذ حياة صاحبه، وعلم غزير تلقاه آخر حتى انه يعطى شهادة تحمل اسم الدكتوراة قد لا يكون مفيداً. ينتج ذلك عندما يغتر الفرد بما نهل من علوم وهي لا تسوى شيئاً في الحقيقة.
تذكرت كل ذلك، أحبائي القراء في السنوات الخمس الماضية التي كنت أذهب فيها إلى أبيي فاكتشف كم انا جاهل بالكثير مما لم تتعرض له مقرراتنا الدراسية، وهذه الأشياء اتعلمها من أقرب مزارع أو راعي أو حطاب أو سمه ما شئت.. المهم لم يسبق له الجلوس أمام السبورة لتعلم أيٍّ من الحروف.
ومن الأشياء المفيدة التي تعلمتها من تجربة هؤلاء العلماء ولم تكتب، مثلاً، فالفول السوداني أو قشرته يجذبان العقارب.
كذلك، فالكبار أو العارفين بطبيعة القرى عندما تأتي جديداً إلى منطقة وخاصة في فصل الخريف، يحذرونك من الصفارة ليلاً. فصوت الصفارة يجذب الثعابين إلى مصدرها.
وأذكر بأننا في إحدى الزيارات إلى أطراف نهر كير باوولنم وأثناء عبورنا غابة صغيرة، اسرعت إحدى الآنسات كانت قادمة معنا من الخرطوم، وكان ذلك عام 2002م، نحو إحدى الزهور الجميلة المنظر لم تنل اعجابها لوحدها تريد قطفها وكنا سنفعل نفس الشيء لو لا أن أحد مرافقينا هتف: “لا لا لا… دا خطر وسام جداً”. ثم قال: “شوفوا الغنم ما بتأكل ياتو شجرة”.[/ALIGN]

كلام الناس – السوداني – العدد رقم 1047 – 2008-10-13