تحقيقات وتقارير

تهريب البشر .. الشرق وتحدى الجريمة العابرة للحدود


يعتبر شرق السودان مسرحاً لظاهرة تهريب البشر من المعسكرات، وتعرف هذه الظاهرة بمسميات أخرى منها: الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وغير ذلك من المسميات التي تعبر عن مضمونها المستقبح. ونظراً لاتساع الحدود الشرقية للسودان مع ارتيريا وأثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقى، حيث تتدفق أعدد من مواطنى تلك الدول هرباً من الأوضاع التى تسود فيها، وبحثاً عن فرص أفضل للعيش بدأت هذه الظاهرة تنتشر.

الأمم المتحدة: لابد من تعزيز قدرات الشرطة لمواجهة مثل هذه الظاهرة
باتت ظاهرة اختطاف اللاجئين من قبل عصابات مجهولة سمة الأحداث بالولايات الشرقية وقد اعتقلت السلطات السودانية (20) من المتعاملين في الاتجار بالبشر بينهم أجانب كانت تقوم بإعتراض المواطنين، وهذه ليست الجريمة الأولى بل تفشى الأمر واشتكى منه مواطنو ولاية كسلا على وجه الخصوص، كما أن اللاجئين في المعسكرات لازالوا يتوجسون من عمليات الاختطاف.

قلق دولي وإقليمي
وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن عدد ضحايا تهريب البشر خلال العام 2011-2012م ، تجاوز (615,55) شخصاً ،وشهد معسكر الشجراب (100 كلم جنوب كسلا)، الذى هو من أكبر المعسكرات التى تأوى اللاجئين فى شرق السوان أحداثاً دامية، حيث سقط قتلى وجرحى فى صدام جرى بين اللاجئين والشرطة من جهة، ومهربين مفترضين للبشر من جهة أخرى.
تهريب البشر
ونتيجة لتصاعد وتيرة اللاجئين والمخاطر التى يتعرضون لها ،أعربت الأمم المتحدة عن قلقها تجاه ظاهرة الإتجار بالبشر التى يتعرض لها اللاجئون،وأكدت “المنظمة” أن شرق السودان ،بات معبراً لعصابات تهريب البشر، وقال فيلكس رومي ،مسؤول الحماية بمفوضية الأمم المتحدة بشرق السودان ،أنه فى الشهر الواحد يتم تسجيل حوالي (20) عملية خطف للاجئين.

وكشف انطونيو غورتيرس مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ،خلال زيارته الأخيرة إلى السودان ،عن اتفاق المنظمة والحكومة السودانية ومنظمة الهجرة الدولية ،على برنامج لرفع قدرات الشرطة فى مواجهة مهربي البشر ، وأضاف أن ظاهرة تهريب البشر تعتبر عملية مقلقة ، وأمّن على فكرة أنه لابد من تحرك دولي حقيقي لجميع المعلومات ،وبناء قدرات الشرطة السودانية للتعامل مع الأمر ،وأن تتعاون دول الإقليم حتى نتأكد أن هؤلاء المجرمين الدوليين تم ايقاف أنشطتهم ردعهم بقوة ،وأضاف “غوتيريس” أنها ليست مشكلة السودان وحده ، وإنما هى شبكة تتحرك في عدد من الدول”.
البرلمان: نحذر من انتشار تهريب البشر إلى ولايات السودان الأخرى

البرلمان يحذر
يقول الأستاذ محمد طاهر أوشام، عضو كتلة نواب شرق السودان بالمجلس الوطني ،والذي أكد لنا أن ظاهرة تهريب البشر تعاني منها ولايات الشرق عامة ،ولكن فى بصفة خاصة ولاية كسلا، مؤكداً أن الظاهرة أصبحت مقلقة، وذكر “أوشام” أن شرق السودان أصبح غير آمن من هذه الظاهرة ،وأن المواطنين هناك باتوا قلقين من تفشى الظاهرة رغم المجهودات التي تقوم بها سلطات الولاية ،وحذر من انتشار الظاهرة لتطال ولايات السودان الأخرى، وعزا “اوشام” تنامى الظاهرة لعدم وجود قانون رادع، داعياً إلى ضرورة وضع قانون اتحادي، مبيناً أنه رغم وجود قانون بولاية البحر الأحمر لمنع تهريب البشر إلا أنه غير كافي لمنع الظاهرة، واستبعد “أوشام” أن تكون وراء الظاهرة عصابات منظمة حيث قال “في اعتقادي أن من يقوم بعمليات تهريب البشر عصابات متفلتة هدفها الحصول على المال”. وكانت ولاية كسلا وضعت قانوناَ يقضي بمعاقبة من يتورط فى قضايا تهريب البشر بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، أو السجن والغرامة معاً.

وكما أنخرطت حكومات ولايات الشرق ، وخاصة ولايتى القضارف وكسلا ،على تنسيق الجهود فيما بينها، من اجل وضع الترتيبات والتدابير الأمنية اللازمة لمحاربة الاتجار بالبشر والحد من التسلل ،بين حدود الولايتين من جهة ،وبينها والحدود مع كل من أريتريا وأثيوبيا.

شدّد الضو محمد الماحى،والي القضارف المكلف، على ضرورة توفير الأمن والحماية اللازمين لحدود البلاد من ناحية الشرق، وعزا “الماحى” تدفق اللاجئين من دول الجوار على السودن عبرالحدود الى كون البلاد جاذبة للعمالة، بجانب طول الشريط الحدودى بين ولايتى القضارف وكسلا مع الجارتين أثيوبيا واريتريا.

ويرى البعض أن السودان اصبح يمثل قبلة لتدفق اللاجئين الذين يتخذون منه معبراً رئيسياً من أجل الهجرة إلى الخارج، وأعتبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة عمليات خطف اللاجئين في شرق السودان بأنها من أسوأ أشكال الإتجار بالبشر في المنطقة.

مافيا تهريب البشر
نجد أن قيادات شرق السودان اعترفت بتزايد الظاهرة في الشرق وقد عبّر مبارك مبروك سليم القيادي من أبناء شرق السودان عن قلقه تجاه اتساع دائرة عمليات الخطف وتهريب ويبيع البشر في شرق السودان، وأبدى استعداده للعمل ضمن المنظمات الأخرى للقضاء على الظاهرة، وأشار سليم إلى أن مافيا تحض جهات معارضة ومنظمات ، وبعض الأجهزة متورطة في القيام بهذا النشاط مستغلة شرق السودان مسرحاً لعملياتها غير المشروعة ،كما ألمح إلى تورط بعض بعض أفراد من قبيلته الرشايدة، وأعلن سليم في اجتماع لتدارس القضية الذي عقد في ولاية كسلا عن بداية الحرب على المتورطين في تشويه سمعة بلاده بمن فيهم بعض أبناء قبيلته ،وأكد سليم أن عمليات التهريب تتم عبر طريق ولايات شرق السودان وعبر الحدود مع ارتيريا ،باشتراك لمنظمات عالمية تعمل على استقبال هؤلاء، وليتم بيعهم والتجارة بأعضاءهم ، وكشف “سليم” عن شبكة تضم صوماليين واثيوبيين وارتيريين، ضالعة في هذا النوع من التجارة القذرة تعمل بتقنيات عالية وتدار من الداخل والخارج.
تهريب البشر

البحر الأحمر خالية
في إطار بحثنا اتصلنا بمفوضية العون الإنساني حيث تحدثت إلينا الأستاذة نعمات أبو قصيصة مفوضية العون بولاية البحر الأحمر، والتي أكدت لنا أنه لا يوجد لاجئين، وكما لا توجد معسكرات بولايتها، وأبانت أن الاهتمام الكامل بتأمين الولاية ومجهودات الدولة لمكافحة التهريب، لكنها لم تستبعد تدفق اللاجئين إلى الولاية لأنها تعتبر معبراَ للهجرة إلى الخارج.

خبير قانون: لابد من معاقبة مرتكبي جريمة تهريب البشر
مراجعة القوانين
ولأهمية المعالجة القانونية فى سلسلة إستراتيجيات التصدى لمثل هذه الظاهرة، اتجهنا إلى نائب رئيس مجلس الولايات القانوني د. إسماعيل حاج موسى، وسألناه عما يدور في شرق السودان من تهريب وبيع البشر، والتكييف القانونى له، فأجاب قائلاً: “إن الله سبحانه كّرم الإنسان ولا ينبغي تمارس ضده مثل هذه الظواهر، و إن الاتجار بالبشر جريمة يعاقب عليها القانون”، مضيفاً أنه و”منذ السبعينات هنالك عمل لمراجعة القوانين مع الشريعة الإسلامية في كل المجالات الجنائية والمدنية لتتماشى مع تعاليم الإسلام”، ولأن القانون يتأثر بما يحيط به من البيئة، لذا في”حال ظهور مثل هذه الظواهر يجب مراجعة القانون لتكييف هذه الظاهرة”، لأنه لا من غير المقبول أن يتم التعامل مع البشر كسلع تجرى المساومة عليهم والمطالبة بدفع الفدية من ذويهم أو بيعهم كما يحدث”، وأضاف الحاج موسى أنه “لابد أن تتحرك كل الجهات العدلية ،والشرطة ،والأمن ،ومنظمات المجتمع المدني ، لمحاربة مثل هذه الظاهرة قبل أن تتفشى”.
الأشخاص الذين يدفعون نصف قيمة مبلغ التهريب المتفق عليه يتحركون عبر ولاية القضارف، وأما الذين يدفعون كامل المبلغ يتم تحريكهم عبر وسائل نقل محلية ليلاً إلى الخرطوم

كيف تتم عملية التهريب؟
يعتبر شرق السودان مسرحاً لعمليات تهريب البشر لعدة أسباب يأتي في مقدمتها طول الحدود خاصة بين كسلا والقضارف مع اثيوبيا، ونظراً لدخول اللاجئين بكثافة عالية من اريتريا واثيوبيا، فإنهم يمثلون الفريسة السهلة لتجار البشر، وقد روى لنا شهود عيان كيفية تتم عملية التهريب ،وذكروا فى إفاداتهم أن الخطوة الأولى تتم عن طريق الاتفاق مع السماسرة من الجانب الأثيوبي،والذين يترقبون مجيء الليل لبدء تحركاتهم سراً ، ويتم تجميع العدد المطلوب تهريبه إلى داخل الحدود السودانية ،فى المناطق التى يفصل بين البلدين، وبعدها يتم تسليمهم إلى سماسرة سودانيين،وهؤلاء بدورهم يعبرون بهم طرق وعرة وبعيدة، بواسطة “أدلاء” يعرفون شعاب هذه الطرق، والتى تكون عادة بعيداً عن مراقبة شرطة الحدود حتى داخل الأراضى السودانية.

وبحسب إفادات شهود العيان فإن الأشخاص الذين يدفعون نصف قيمة مبلغ التهريب المتفق عليه يتحركون عبر ولاية القضارف، وأما الذين يدفعون كامل المبلغ يتم تحريكهم عبر وسائل نقل محلية ليلاً إلى الخرطوم عبر منطقة البطانة، حيث يتم تسليمهم فى محلية شرق النيل إلى جماعات أخرى الي أن يصلوا الخرطوم. وتفيد إحصائيات سابقة إن بلاغات التسلل في القضارف بلغت حوالى 26% من إجمالي بلاغات الولاية للعام 2008م وأن الأجانب الذين أرتكبوا جرائم خلال ذات العام بلغ (3349) أجنبياً.

ونظراً لنشاط الظاهرة ونتيجة لمتابعة امتدت لأشهر استطاعت السلطات المختصة إلغاء القبض على رؤوس عصابات البشر في الوقت الذي يتواجد فيه أكثر من (600) شاب وشابة في معسكر داخل الأراضي المصرية، كان من المفترض أن يتم تهريبهم إلى إسرائيل،بعد تحقيقات مشددة في ولايات شرق السودان، ومن ثم تمكنت السلطات هناك من إلقاء القبض على عدد كبير ممن يتاجرون بالبشر ، ويهربونهم إلى إسرائيل، عبر صحراء سيناء وكما تم القبض على شخص يدير مكتباً للاتصالات ،وتتم عن طريقه تحويل العملات من وإلى إسرايل ،عبر جهة ثالثة ، من الذين تم القبض عليهم من يحملون جنسيات اريترية وسودانية ، ويقومون المهربون أيضاً بابتزاز الضحايا،وذلك بلإتصال بذويهم طلباً للمزيد من المال لقاء الصرف اليومي عليهم،.

الجدير بالذكر أن الشخص الواحد يدفع مبلغا يصل حوالى 1250 دولار مقابل نقله إلى إسرائيل ، وهذا المبلغ قابل للزيادة.وتتدفق على شرق السودان أعداد مهولة من اللاجئين من دول القرن الأفريقى،فقد بلغ عدد اللاجئين الأريتريين 8500)، وفق إحصائية صادرة من المفوضية العامة لشؤون اللاجئين. ونظراً لإزدياد أعدا اللاجئين قامت السلطات السودانية في يناير الماضي، ببناء معسكرين جديدين لاستقبال هؤلاء اللاجئين ، وهما: معسكر أم قرقور ومعسكر حمداييت ،بالإضافة إلى معسكر (الشجراب) ، ويذكر أن (199)لاجئاً دخلوا إلى معسكر الشجراب خلال يناير الماضي،وأن عدد اللاجئين الذين تم ايواءهم في معسكر الشجراب منذ 2010م بلغ (59963) لاجيء ،وأن العدد في تناقض بسبب نشاط عصابات تهريب البشر، والتي تقوم بتهديد وخطف اللاجئين من المعسكرات.

ومؤخراًَ تم إرجاع (6) أشخاص إلى السودان الجمعة الماضى على متن طائرة مصرية من القاهرة ، كانوا مختطفين بواسطة عصابات الاتجار بالبشر، بغرض تهريبهم إلى إسرائيل ، حيث تم خطفهم من معسكر (الشجراب) ،وتمكن السلطات المصرية من إلقاء القبض عليهم ،قبل دخولهم “إسرائيل” بعد أن فرّ الخاطفون، وحُبسوا في سجن العريش في مصر، وكانوا أصلاً (8) أشخاص ، لكن تم تشريح (2) منهم وأخذ أعضاءهم بواسطة تلك العصابات.
ونظراً لدخول اللاجئين بكثافة عالية من اريتريا واثيوبيا، فإنهم يمثلون الفريسة السهلة لتجار البشر

وإزاء إستفحال حوادث الإتجار بالبشرعملت ولايتي كسلا والقضارف الى وضع ضوابط لمحاربة الظاهرة والعمل على محاصرتها ، وتفعيل التنسيق الأمني ما بين الأجهزة النظامية والأمنية ،وتوفير الدعم المادي ، ووسائل الحركة وأجهزة الاتصالات ،بجانب حفظ العلاقة بين دول الجوار وولايات الشرق ، كما أوصت الولايتان بضرورة تعزيز الحماية وسط معسكرات اللاجئين ،ومراقبة الحدود ،وعمل تمشيط ميداني من قبل الأجهزة الأمنية ،من خلال عمل مشترك في كافة النقاط الحدودية ، وتبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية في الأقاليم المجاورة للسودان ،خاصة دولتي اثيوبيا واريتريا، فضلاً عن تأمين المشاريع الزراعية على الحدود خاصة في ولايتي القضارف وكسلا.

تقرير:(smc)