بيانات ووثائق

خطاب البشير امام منتدى تانا رفيع المستوى ببحر دار


بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الاخ هايلي ماريام ديسالين رئيس وزراء اثيوبيا الشقيقة.
سعادة الرئيس الصديق أولوسجون أوباسانجو رئيس المجلس الإستشاري لمنتدى تانا رفيع المستوى.
السيد البروفسير اندرياس اشيتى المدير التنفيذي لمنتدى تانا.
السيد البروفيسور ندورو أنداي رئيس الجلسة.

أصحاب الفخامة والمعالي اعضاء المجلس الاستشاري للمنتدى.
الحضور الكرام.

أود في البدء أن أتقدم للحكومة الأثيوبية بخالص الشكر والتقدير على دعوتها الكريمة لنا للمشاركة في هذا المنتدى المهم والاستقبال الاخوى والضيافة المعهودة لنا بمدينة بحر دار الجميلة ، ونثمن عالياً الجهد الذي
بذله معهد دراسات الأمن والسلام بجامعة أديس أبابا والجهات المنظمة على حسن الإعداد والترتيبات الجيدة للمنتدى.
وأضم صوتي لبقية المناقشين الذين سبقوني في تقريظ الورقة التي قدمت لهذا المنتدى في نسخته الثانية بعنوان “الأمن والجريمة المنظمة في أفريقيا، المجال والدروس المستفادة واستراتيجيات المكافحة”. فقد احتوت الورقة على معلومات في غاية الأهمية وإحصائيات من مصادر موثوق بها وتحليلات عميقة ومقترحات جديرة بالاهتمام والتطبيق الذي يبدأ أولاً بالاعتراف بتداعيات الظاهرة على الأمن والحوكمة في القارة , وثانياً بتوثيق العمل الأفريقي المشترك والفعال على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية لإضعاف آثار الجريمة المنظمة واجتثاثها من جذورها في نهاية المطاف .
وأرجو بهذه المداخلة المساهمة في نقاشكم الثر ، وأنتم ثلة من الشخصيات المرموقة والقيادات ذات الشأن والخبرات الواسعة، بتقديم بعض التجارب والأفكار حول موضوع الندوة نابعة من واقع التجربة السودانية . ويقيني أنكم تدركون مدى تأثير الجريمة المنظمة على السودان بمساحته الواسعة التي تجعل من الصعب السيطرة على حدوده الممتدة مع دول جوار متعددة، ومعاناته التي استطالت من النزاعات والاقتتال سواء كان بالداخل قبل انفصال جنوب السودان أو في دول الجوار .
وقد أدركنا من خلال تجارب مريرة أن العلاقة بين النزاعات الداخلية والجريمة المنظمة هي حلقة جهنمية بين عوامل كل منهما تتفاعل لتسعر نيران الشرور والأزمات, والمثال الناصع لذلك تطورات قضية دارفور التي كان من عوامل اشتعالها بجانب التنافس على الموارد الشحيحة، انتشار الأسلحة في المنطقة نتيجة لعدم الإستقرار بدول الجوار واستغلال تجار الأسلحة والتهريب والنهب المسلح للأوضاع الهشة لتحقيق مكاسب مسمومة.
لقد اولينا في السودان أهمية خاصة لإشراك المجتمع والجماعات المحلية في مكافحة الجريمة المنظمة. ولدينا تجارب مثمرة في تكامل الأدوار بين الأجهزة الأمنية والتنظيمات الشعبية الممثلة في الشرطة الشعبية
والمجتمعية في هذا العمل, وانني على يقين أن إخوتنا في الدول الإفريقية الشقيقة لديهم من التجارب المفيدة التي يمكن تبادلها في إطار تعاون إقليمي وثيق .
جاءت اتفاقية السلام الشامل، ثم مصفوفة تنفيذ الاتفاقيات مع دولة جنوب السودان، واتفاقية ابوجا ووثيقة الدوحة لسلام دارفور تعبيرا عن إرادة لتحقيق السلام عبر الحوار مما وفر أجواءً صحيةً تساهم بفعالية في منع الجريمة المنظمة وتجعل المواطنين شركاء وأصحاب مصلحة حقيقية في محاربتها لتحقيق الأمن والاستقرار, كما أننا بذلنا جهداً عظيماً وعملاً مشتركاً مع دول الجوار للسيطرة على المناطق الحدودية وجعلها مناطق تبادل ومنفعة متبادلة للتجارة والتنمية من جهة ومحاربة الجريمة المنظمة عابرة الحدود
بجهد متناسق من جهة أخرى , وللسودان تجارب ناجحة في هذا المجال بإنشاء القوات المشتركة مع تشاد وأفريقيا الوسطى والعمل المشترك في حماية الحدود مع مصر. وقد بادرنا منذ البداية للتعاون مع الأخوة في القيادة الليبية بعد انتصار الثورة لطرح فكرة التعاون الإقليمي لبسط الأمن في المناطق الحدودية ما أثمر عقد الاجتماع الوزاري الإقليمي حول أمن الحدود لدول المنطقة في مارس 2012م بطرابلس .
وأكدنا أن ما شاب العلاقات الأفريقية الليبية من أضرار كان بسبب إصرار نظام القذافى على إثارة النزاعات الجهوية والقبلية وإرسال الأسلحة للمتمردين في بعض البلدان ومنها السودان. ولا زالت المنطقة، خاصة في جمهورية مالي تعاني من تداعيات هذه التصرفات الشائنة للنظام البائد في ليبيا وانتشار المسلحين بعد انهيار النظام. ولكن الظروف الحالية أصبحت قابلة للتحول إلي تحقيق السلام ووحدة أراضي بلدان الحزام الصحراوي وإقامة تعاون وثيق بين دولها يقيم سدوداً منيعة أمام الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة في المنطقة.
إننا نرى أن الفقر وضيق فرص كسب العيش المشروع هو الدافع لارتكاب الجرائم والحافز لركوب الشباب للمخاطر للهجرة غير المشروعة، والفاقة والبطالة هي الجاذب إلي تعاطي المخدرات والترويج لها. ونؤمن بأن حق الشعوب في التنمية وإيجاد فرص العمل هي من أوجب حقوق الإنسان . وكل ما يكبل التنمية من
عقوبات جائرة وديون يعني مزيدا من الإفقار للشعوب أكثر منه عقوبات ضد حكوماتها . كما أن سياسات الهيمنة على المجتمع الدولي وإشعال الحروب والإجراءات القمعية وغيرها التي قامت بها الولايات المتحدة ضد تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، ومارستها أوروبا لمحاربة الهجرة من أفريقيا قد باءت جميعاً بالفشل، بل أن العصابات المسماه كارتيلات المخدرات الأمريكية الجنوبية ووكلاؤها قد أسرعوا للمناطق الهشة أمنياً في دول المنطقة الصحراوية في أفريقيا لاستغلالها كممرات لتجارة المخدرات ، وأفسدت بأموالها التي تكتسبها من اقتصاد الجريمة مؤسسات الحكم ، وضاعفت النزاعات الداخلية وأصبحت مورداً لتمويل المنظمات المتطرفة والإرهابية في المنطقة ونشطت اعمال عصابات غسيل الأموال . ورغم ما يقوله دعاة تحرير تجارة المخدرات كحل لقضايا المجتمعات في الغرب فاننا على قناعة بان تحرير شبابنا من المخدرات هو الطريق الصحيح لابقاء مجتمعاتنا واعية بدورها في تعمير الارض وحمايتها من اي مستعمر. والسودان يعاني من ظاهرة تهريب البشر عبر حدوده في الولايات الشرقية في معسكرات اللاجئين والمعلوم ان كل عمليلت التفاوض ودفع الضريبة تتم خارج حدودنا وتظل الحاجة ماسة لتعاون دول الاقليم لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة .
تنبه السودان فى وقت مبكر لغسيل الاموال كظاهرة خطرة وقام بتجريمها فى قوانين نافذة ، وانشأ اللاليات الادارية والمالية والعدلية للمراقبة ودرء الاضرار والردع ، وانضم للاتفاقيات والمنظمات الدولية والاقليمية لهذا الغرض. واشير هنا الى أن الخرطوم تستضيف هذا الشهر الاجتماع السابع عشر
للمنظمة الاقليمية للشرق الاوسط وشمال افريقيا لمحاربة غسيل الاموال MNAFATF ” منافاتف” والذى
سيكون له أثر مهم فى توثيق التعاون الاقليمى وتفعيل العمل المشترك بين الدول الاعضاء والمنظمات والدول الشريكة فى مكافحة هذه الجريمة .
لذلك نرى أن تتبلور المعالجات من رؤية شمولية تنتج الحلول للأسباب الجذرية للجريمة المنظمة وذلك باطلاق مشروعات للتنمية وإيجاد فرص العمل وتوسيع التعليم والتدريب المهنى للشباب من جهة، وتوثيق التعاون الإقليمي في المناطق الحدودية للسيطرة عليها وتبادل الخبرات وإتاحة فرص التدريب في بناء وتأهيل أجهزة حفظ الأمن والهيئات العدلية والعمل المشترك وتبادل المعلومات للقضاء على الجريمة المنظمة عابرة الحدود .
اخيرا اشكر صديقي الرئيس ثامبو أمبيكي على توصيفه الحقيقي لمشاكلنا في إفريقيا واشاركه الرأي حول ضرورة الإصرار على حلول إفريقية لمشاكل القارة والحقيقة أن الأفارقة ينجحون في حل مشاكلهم إذا توقفت التدخلات الخارجية الرامية لإفشال الحلول الإفريقية .
كما اشكره واشاطره الرأي حول المواطنة السياسية لأنها الأساس في بناء الشعوب لمواجهة الإنتماءات القبلية والجهوية وهذا ما جعلنا نؤكد عليه في دستور السودان عبر حوار واسع وتراضي بين جميع فئات المجتمع السوداني .
لكم شكري وتقدير والسلام عليكم .

سونا