تحقيقات وتقارير

ظاهرة غريبة .. التبرج قبل الذهاب للمأتم

من الظواهر الاجتماعية الغريبة على قيم المجتمع السوداني وموروثه الثقافي، ظاهرة رفض النساء الخروج من المنازل لتقديم العزاء قبل ان يكملن زينتهن ويتبرجن بصورة تبدي النساء وكأنهن يتصيدن الاحداث والملمات ليبدين صيغتهن واحدث واردات الثياب السويسرية.. ولم يعد الموت وازعاً لدى عدد معتبر من النساء سواء في المدن او الريف بل واجهة لإبراز القدرات المادية.
والمرأة السودانية لم يعد يغمض لها جفن الا بعد ممارسة البوبار في بيوت المآتم دون مراعاة لمشاعر اسرة الفقيد، ففي الاحزان نجد بعضهن يتبرجن ويحاولن الظهور في أبهى المناظر التي لا تليق بحالة الحزن.

«الصحافة» التقت بعض السيدات وتحدثن عن هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع، حيث قالت إسراء الطيب موظفة: كثير من النساء لا يأخذن مناسبة الاحزان على أنه موقف حزين فيذهبن الي الكوافير بقصد ظهورهن بمنظر جميل ليلفتن انظار الحضور، وتضيف انه لا بد من ان تحترم المرأة صاحب المناسبة لأنها تأتي لمشاركتها احزانها وتلبس الزي الذي يتناسب مع المناسبة، والظهور بهذا الشكل هو من اجل استعراض الملابس والحناء والذهب، ونحن نشارك الاحزان ونحاول ان نعبر عن مشاركتنا بالحالة التي تليق بالمناسبة. وقالت ان هنالك تبذيراً في تقديم الطعام للضيوف.

وانتقدت السيدة حفية مأمون شريف عقيلة الإمام الصادق المهدي في افادتها لـ «الصحافة» حال بعض النساء بارتدائهن ازياءً مبهرجة في المناسبات الحزينة وابداء زينتهن بالذهب والاكسسوارات، وقالت انها شهدت في احد بيوت العزاء دخول امرأة ترتدي ثياباً مبهرجة وترسم الحناء، فقامت صاحبة العزاء بطردها من المنزل، وتعاطف معها الحضور، وطالبت النساء الاخريات بمراعاة مشاعر اصحاب العزاء والموقف الحزين، بينما استنكرت فاطمة محمود اسلوب النساء في حضورهن العزاء بازياء غير ساترة، وقالت ان المرأة التي تأتي بهذا المنظر لا تهدف الى مشاركة الآخرين احزانهم، وانما تعرض ازياءها وحليها فقط وتتفاخر بما تملك. وقالت الشابة سوسن عبد العزيز إن هذه الاشياء دخيلة على مجتمعنا ولا تشبه تقاليدنا السمحة، وقد كان قديماً الحزن يمتد حتى اربعين يوماً، وليس ذلك لعدم الرضاء بالقضاء والقدر ولكن لسيطرة الحزن على المرء مما يجعله يفقد تماسكه، ومازالت القرى محافظة على ذلك. واضافت ان المجتمع السوداني من اكثر المجتمعات تواصلاً ومجاملة بالرغم من ان اكثر النساء مثقفات ومتعلمات ويشغلن وظائف في المؤسسات الخاصة والحكومية، ووصلن الى درجة عالية جداً الا انهن مازال بداخلهن ضرورة لفت نظر الآخرين بالحلي والثياب، وفي المناسبات تجد المرأة ترتدي الثياب التي لا تليق بثياب المناسبة المفروض المشاركة فيها، وقالت ان هذه المسألة غير اخلاقية ولا تتناسب مع مجتمعنا، والحزن أو الفرح لا بد ان يكون نابعاً من الدواخل، وليس عدم الاهتمام بالنفس، ولكن اختيار ما يتناسب مع نوعية المناسبة، اما الحاجة آمنة محمد فقد اوضحت ان الزمن غير كثيراً من عاداتنا، فالمرأة تختلف تماما عما كانت عليه في الزمن القديم، والحزن حزن والفرح فرح، وعندما يُتوفى أحد الجيران يقوم الجيران بخدمة اهل البيت، وكان الحزن ينبع من الداخل، والفقد نفسه ليس مثل فقد الآن، وكنا نبكيه كاحد افراد الاسرة بفعل التداخل المجتمعي والتواصل بين الجيران والاهل، لذا كان الفقد جللاً، والآن في مناسبة الاحزان تجد حتى اسرة المتوفي تقوم بجعل المنزل كالقصر، والمضيفة كوليمة ويوجد فيها كل اصناف الطعام، وكأنة فرح، وحتى الأهل يجتمعون ويتآنسون بذكر المواقف الطريفة التي مرت بهم بدلاً من أن يترحموا على الفقيد ويذكروا محاسنه، وقالت ان فترة العزاء الآن اصبحت يومين لا اكثر، بينما كانت لا تقل في السابق عن خمسة عشر يوماً على أقل الفروض، ولا بد من توعية النساء بما يجب فعله في مشيئة الله وقضائه وتقديم العزاء بالصورة المقبولة وفق الدين لأفراد الاسرة، واشارت سهام شريف إلى ان هناك اشياء دخيلة لا ندري مصادرها، مثلاً في بعض المنازل التي تحدث فيها وفاة احد افرادها نجد ان بعض النساء يستأجرن نائحات يقمن بالنواح للمتوفى، ووصفت سهام ذلك بأفعال الجاهلية القديمة التي عادت من جديد، وهذا بجانب رسم الحناء التي ظهرت في الفترة الاخيرة بأشكال جديدة عرفت بحنة العزاء أو البكاء على حسب وصفها.

الخرطوم: تغريد إدريس
صحيفة الصحافة

تعليق واحد