رأي ومقالات

الربيع العربي كالمسيخ الدجال

لا اتفق مع الرأي القائل بأن ثورات الربيع العربي، من المنجزات الجماهيرية العظيمة التي أعادة العافية لجسد العروبة وأيقظت الشعوب من الثبات العميق الذي كانت تغط فيه ، ومرد اعتراضي علي ذلك هو أن مثل هذا الرأي – رأي – سطحي ولا يعني بالضرورة أكثر من مجرد تعاطف انفعالي يتسلح به محدودي الرؤية الفكرية التي تخلط الأوراق أحيانا عندما تقرأ الواقع بتحيز شديد ، فالجسد العربي سلفا ، سليم ومعافى من كل العلل والأمراض النفسية الجسيمة ، والفحص السياسي الطبي العادل يثبت بما لا يدع مجال للشك أن زفة الأمراض المستوطنة والطارئة التي أنهكت العمود الفقري للعروبة وتسببت بالوهن لمناعته الذاتية فصار مشلول الأطراف يناضل من اجل الوقوف علي قدميه ، ما كانت لتجد البيئة المناسبة لتنمو وتصير بدرجة المعضلة الكبيرة ألا بعد أن سادت شائعة الفوضى الخلاقة وتمدد ت المفاهيم – الماسونية المغرضة لتسيطر علي عقول وأفكار الغوغاء الذين أصبحوا فيما بعد بمثابة الجراثيم الخطيرة التي نقلت عدوى المرض الفتاك فأصابت الأوطان في مقتل ؟. وعلي غرار السرعة البديهية لمنطق الأوبئة فأن سرعة انتشار الجراثيم بدلت وغيرت في كل المفاهيم الثورية المتعارف عليها ، وجعلت من فوهة – البندقية – وسيلة مجزية تعبر بالدماء والدموع عن كافة أشكال الرفض الجماهيري لواقع السلطات القائمة ، الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة حول الغرض من جدوى المسلك الشاذ في تسمية التمرد المسلح بالانتفاضة الشعبية ، فشتان ما بين التمرد والانتفاضة ؟ ففي الثانية الشرعية الجماهيرية التي تقرها القوانين والأعراف الدولية وهي حق طبيعي ومطلب أساسي للشعوب أذا رأت مصلحتها الوطنية في خلع الحاكم الذي يتقمص شخصية الديكتاتور مثل – بن علي – مثلا فأن الوعي الجماهيري بحدود ألثورة عجل بنقل السلطة منه الي الشعب بكيفية منطقية فاعلة جنبت تونس الكثير من الأثمان الأمنية الباهظة ، في حين في الأولي مظهر رجعي خطير ومسلك حيواني بائس يؤطر لواقع القوي آكل والضعيف مأكول وهو منطق الغابة الذي أحال دولة فتية مثل ليبيا ألي مجرد كومة من الرماد تزروها الرياح بعد أن فقدت كل مقومات البني التحتية التي كانت تتمتع بها كواحدة من الجمهوريات المحترمة التي تجد التقدير من الجميع ، ولعل في تشويه ألانتفاضة الليبية وتحريف مسارها من ثورة شعبية سلمية ألي تمرد شبابي مسلح لهو بالحادثة الجديرة مليون مرة بالتأمل ، فليس هناك مبررات أخلاقية كافية تستدعي المتمردين الشباب أن يحملوا السلاح ضد السلطة ، صحيح كان ألقذافي ديكتاتور بدرجة فرعون صغير لكن هذا غير كافي للخروج عن طاعته تحت أي ظرف من الظروف وخاصة بالطريقة التي تمت بها التسوية فالدين الأسلامي يحث المسلمين علي طاعة الأمام حتى ولو كان فاسق ، كما وأن الحقيقة تفضح صراحة ان الشعب الليبي ما تمرد ألا بطرا ورياء الناس ، فهو الشعب العربي الوحيد المكتفي ويكاد ينفجر من التخمة بفعل الشبع ؟ مثله مثل الشعب السوري الذي لقي حتفه بظفره كما يقول المثل ، فكلاهما ضحية للأهواء والرغبات الاسرائلية التي لم تجد ما يعيق العرب ويشغلهم عن مبدأ التحرير وعن تكملة الجدار العازل وينسيهم مسألة الاعتراض علي بناء المستوطنات الجديدة ويعطل اتجاهات كسر الحصار ويدعوا عرب 1948م داخل فلسطين ان يعلقوا الاحتفال بيوم الأرض ، ألا بتحويل الوطن العربي ألي كرة متدحرجة من النار لا تبغي ولا تزر في طريقها علي شيئا من القوة العربية التي يمكن ان تطالب بين الفينة والأخرى بالحقوق الفلسطينية المهضومة ؟ … وهذا مرد اعتراضي علي ذلك فالحق الفلسطيني يجب أن يسمو بداخل الضمير العربي ألي مرتبة الأولوية الملحة التي تدخل مع اليهود في حروب علنية تضع النقاط علي حروف العلاقة التي يجب ان تكون ؟ وهذا ما يتعارض والأهداف العلياء للربيع العربي ، فهو ربيع كالمسيخ الدجال في ظاهره الصلاح وفي باطنه الفساد ، جنته نار وناره جنة ، مكتوب علي جبهته كافر يستطيع كل مؤمن ان يراه مهما اختلط عليه حابل المشروع بنابل الأعلام الذي ينفخ بصلابة متناهية علي محاسن الفكرة حتى تستوي علي نار هادئة يلتقم طعمها البؤساء

Yf444002 عبدالرحيم محمد سليمان

تعليق واحد