تحقيقات وتقارير

السودان يدخل مربع التصفيات السياسية

[JUSTIFY]يشهد السودان هذه الأيام تداعيات الفجر الجديد، وهي وثيقة سياسية أثارت جدلاً حاداً حين وقعتها فصائل مسلحة ومتمردة في المناطق الحدودية مع جنوب السودان، وأخرى من دارفور، ليبرز اسم الجبهة الثورية، أكثر قوة وتداولاً، حيث لم يكن أحد يتوقع أن تتطور تلك الوثيقة وتتسع تداعياتها ككرة ثلج متدحرجة، لتشكل في ما بعد أهم وأخطر الأحداث في السودان .

وحتى منسوبي المعارضة الشمالية، الذين سارعوا إلى التوقيع على وثيقة الفجر الجديد، لم يكن في حسبانهم أن الأمر سيتجاوز المسعى السياسي لإحراج حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة عمر البشير، أو يبتعد عن دائرة الكيد السياسي، قبل أن يسارع بعض زعماء المعارضة للتبرؤ منها وقدح بعض بنودها، التي من بينها إدخال معارضة نوعية يكون السلاح خيارها الأول .

في ظن مراقبين، أنه لو أتيحت الفرصة للحكومة،للعودة بالزمن إلى موعد إعلان الوثيقة، لغيرت من وسائل مناهضتها، واعتمدت سياسة أخرى غير تلك التي هاجمت بها الوثيقة وموقعيها، بضراوة نادرة، خاصة أنها عادت وجلست مع قياداتها في مفاوضات لم تستمر طويلاً، حيث انتقل الموقعون عليها من الفعل السياسي إلى الآخر العسكري واحتلال المدن وتهديد الأمن والسلام في ولايات وسطية وغربية وحدودية .

يعيد خبراء وسياسون، كل ما يجري الآن، من حرب، وتصفيات سياسية، إلى تلك الوثيقة التي حين وقعت في العاصمة الأوغندية كمبالا، مطلع العام الجاري، لم يكن الرهان عليها كبيراً، لكن كثيرين اعتبروها، حينها، أفضل مؤشر لقراءة واقع المستقبل السياسي، ويشيرون إلى أن أكثر من فطن إلى خطورتها، هي الحكومة السودانية نفسها، التي قابلتها بالوعيد والتهديد، بل إنها أطلقت مصطلح الفجر الصادق في مواجهتها، واعتقلت كل من عاد من حفل توقيعها، ويرون أنها كانت بحق أكبر التحديات التي تواجه البلاد، لكن الحزب الحاكم لم يحسن قراءة نتائجها، والتعامل مع تداعياتها .

ذروة الفعل السياسي والعسكري الذي تجري فصوله الآن، لا يبتعد عن بنود تلك الوثيقة، وحتى أدب التصفية الجسدية، الذي يعد جديداً في المشهد السوداني، كان بين سطورها، وأن كان بصياغة مختلفة، لأن الوثيقة انتهجت ببساطة شديدة، حمل السلاح كرؤية للتغيير، مقابل جدل طويل غرق فيه المؤتمر الوطني، ومعه تحالف المعارضة، حول علاقة الدين بالدولة وضرورة التغيير السلمي الديمقراطي .

وها هي الآن، بعد مضي أقل من نصف العام، ينزل موقعوها، من الحركات الدارفورية، المنضوية تحت الجبهة الثورية التي تقودها الحركة الشعبية – قطاع الشمال، أهم بند في الوثيقة على أرض الواقع، بالهجوم على أم روابة، وأبو كرشولا، وما جاورها من قرى، ويعمدون إلى تصفية قيادات منشقة رأت في اتفاق الدوحة للسلام، وسيلة أخرى غير الحرب، ليأتيهم الرد حاسماً من الجبهة الثورية، بأنه لا عودة إلى الوراء، وتعزيزاً لتلك السياسة، قتلت أيضاً أسرى بينهم قيادات دارفورية، كتدشين ثان لمنهج التصفية السياسية، والتأكيد على شعار من ليس معنا فهو ضدنا .
مواجهة فاصلة

الأحداث الأخيرة، تؤكد أن الأزمة السودانية بلغت حدود المواجهة الفاصلة، من دون بروز مؤشرات على التراجع، ويقول أحد القيادين في الحكومة، إن قطاع الشمال الذي فرخ الجبهة الثورية علم أن السير وحيداً بقضيتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، لن يوصله إلى أي هدف، وسيحرمه من زخم دارفور، فعمد إلى إدخال قياداتها وحركاتها المسلحة إلى لوائه، لتتفرق أزمة الحكومة بين قبائل دارفور والحدود وجبال النوبة وشمال وجنوب كردفان بجانب النيل الأزرق .

والحقيقة أن القيادي لا يبعد كثيراً، فقطاع الشمال الذراع العسكري للجيش الشعبي لجنوب السودان والذي أجبر على مفاوضة الخرطوم، كان سيبتعد كثيراً بدخولة في متاهة المفاوضات، عن أهداف وأجندات إقليمية وغربية، فكان أن ذهب إلى أديس أبابا حبيساً للمفاوضات، وترك للمتمردين إدارة دفة العمليات على أرض الواقع .

صراع تقليدي

ما يحدث الآن، يعيد الصراع السوداني التقليدي إلى جذوره، وتبدو الجبهة الثورية الواجهة الرسمية لتنفيذ كل ما تأخر تنفيذه من جدول أعمال تفتيت وتمزيق البلاد . وبأسلوب إنتاج جديد للأزمة، بأسلحة مختلفة، هذه المرة . وقد تبدو الأحداث الأخيرة، متفرقة، لكن رابطها واحد . فمقتل زعيم لقبيلة جنوبية، تنازع أخرى شمالية في أبيي، حدث، وتصفية قيادات دارفورية، حدث آخر، لكنه بعيد عن الجنوب، والهجوم على أم روابة، ثالث يبتعد كثيراً عن سابقيه، واحتلال أبو كرشولا، ومناطق أخرى، أحداث لا رابط بينها، سوى الجبهة الثورية وبنود وثيقة الفجر الجديد، التي تتبنى استهدافاً لم توقفه اتفاقيات مصفوفة في أديس أبابا مع الجنوب أو اتفاق سلام في الدوحة مع دارفور .

مواقف سياسية

الجديد هذه المرة ،ان الحركات المسلحة المتمردة ، تأكل أبناءها وقادتها، لمجرد انتقالهم إلى مربع آخر من الأزمة، هو الحوار والاتفاق، ما يعني أن الهدف الأسمى الذي تسعى وراءه الجبهة الثورية،هو إسقاط الحكومة، وهي غاية تبرر أي وسيلة لتحقيقه، من دون الالتفات إلى ما سيجنونه من تحركاتهم العسكرية هذه الأيام . ذلك يضع التصفية السياسية، على رأس قائمة الوسائل التي استخدمت وستستخدم مرات ومرات، كسبيل وحيد تؤكد الجبهة الثورية عبره جديتها، غير عابئة بالأصوات المحذرة والمنبهة إلى أن تلك وسيلة لم يعرفها التاريخ السياسي في السودان، وأنه نهج لن يقود إلا لاستدامة الحروب ومهددات التشظي والانقسام .

الخرطوم اختزلت الأمر في أن البلاد مستهدفة وهناك من يسعى إلى تمزيقها إلى خمس دويلات، ولجأت مباشرة إلى اتهام الجنوب والمخططات الغربية والإسرائيلية، وعمدت إلى تجييش الوطن، ورفعت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأرسلت مسؤولين رفيعين إلى جوبا، وسلمت الرئيس سلفاكير رسالة من البشير تتهم الجنوب بدعم المتمردين، وقدمت وثائق للبعثات الدبلوماسية في الخرطوم، وأطلقت العنان لمندوبها الدائم في الأمم المتحدة لتوضيح الاستهداف، وعلقت التفاوض مع قطاع الشمال حتى إشعار آخر، وانكبت على ملفات عسكرية والسيطرة على صراعات داخلية .

بينما ساورت المعارضة الشكوك في إعلان الحكومة عن مخططات خارجية تستهدف تمزيق البلاد، وربطت بعض قيادتها، ما يدور بسياسات وبرامج فشلت سياسياً، وكانت وراء تنامي ظاهرة التمرد، والخروج على الدولة، التي أصبحت تأسيساً على ذلك، هدفاً لاعتداءات ومواقف دولية مناهضة، معتبرين أن التمرد يعود لأسباب سياسية داخلية، وجددوا مطالبتهم بذهاب النظام الحاكم، وتشكيل حكومة قومية انتقالية لخروج بالبلاد من دائرة التمزق والتفتت .

أما الجبهة الثورية التي تمسك بالزناد، فقد أعلنت أن التطرف والفساد وربط مستقبل الوطن بحزب واحد هو الذي سيؤدي إلى تمزيقها، معتبرة أن العمل المسلح ليس أفضل وسيلة للوصول إلى نظام ديمقراطي، لكنه خيار مفروض نتيجة لتطور تاريخي وسياسي واجتماعي . وذلك يعني، تبعاً لمراقبين، أن الجبهة دخلت أول النفق ممسكة بالسلاح وستخرج من آخره وهي تلوح به، خاصة وهي تحذر من أن العمل السلمي يجب ألا يكون الهدف منه إعادة إنتاج النظام والدولة السودانية بشكلها القديم،كما تبدو أكثر إصراراً حين تؤكد أن وراء البندقية فكرة سياسية ديمقراطية . لن يتم تحقيقها إلا بإسقاط نظام البشير من دون أي مناورات سياسية ولا تسويات ولا ترضيات ولا مفاوضات ولا اتفاقيات .

التصفية والاغتيالات
يكشف قيادي في الجبهة الثورية أن مسؤولاً حالياً كان معارضاً، اقترح على رئيس الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق القيام باغتيال شخصيات حكومية، للتخلص من النظام، لكن قرنق قال له بحسم إن الاغتيالات والانقلابات ليست من طرقنا وتقاليدنا . ويبدو أن الحركة الشعبية، انتقلت إلى تقاليد أخرى، بذراعها العسكري الجبهة الثورية، ودشنت للاغتيالات والتصفية السياسية، ابتداء بقيادات حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق سلام الدوحة، ثم قتل الأسرى بإعدامهم رمياً بالرصاص، وأضافت مقتل قياديين آخرين اعترضوا على أسلوب التصفية .

والشاهد أن الحركات المسلحة الدارفورية، بمختلف مسمياتها وأهدافها، لم تلجأ في صراعها الطويل مع الحكومة، إلى التصفية السياسية بشكل سافر، لكنّ وسائلها اختلفت منذ أن دخلت تحت عباءة الجبهة الثورية، التي نجحت في استمالة وإدخال القيادات الدارفورية المسلحة إليها، لتطوي المسافات ما بين دارفور وشمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كما تعصر الخلافات والاختلافات ومزاعم الغبن والتهميش في كوب واحد، للثأر من حكومة الخرطوم .

يقول أحد المراقبين، إن التصفية الجسدية لا تشبه عاداتنا كسودانيين وقتل الأسرى محرم في ديننا الحنيف، وما يحدث يشير إلى قصد آخر، غير خلافهم معهم في مسارح النضال الثوري، وهذا ما لا يحمد عقباه لأن مثل هذه الأفعال والسلوكيات ستزرع حقداً وغبناً والشعور بالثأر والانتقام في نفوس أسرهم قبل تنظيماتهم السياسية والعسكرية . ويعتبر كثيرون، ما يحدث جديداً بالنظر إلى عدد المرات التي وقعت فيها حركة أو مجموعة اتفاق سلام مع الحكومة، ولم نسمع أو نشاهد قتل أو اغتيال قادة تلك الحركات بسبب توقيعهم السلام، ويحذرون من أن أسلوب التصفية سيدعم موقف نظام الخرطوم لضرب أهل دارفور ببعضهم بعضاً .

الخليج
عماد حسن[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. [SIZE=5]قتل النفس يا هذا حرام فى الحالتين سواء كانوا اسرى ام لم يكونوا اسرى فالمسلم حرام دمه وماله وعرضه وكل هذه الافعال يفعلوها قاده الحركه الحشريه فياويلهم يوم القيامه من عذاب الله [/SIZE]