منى سلمان
الجنا .. جنا الكل
في طفولتي عندما كانت تجتاحني حمى اللوز وتأخذني أمي لـ (المركز الصحي) حيث انضم واياها لصف امهات الاطفال المنتظرين دورهم على (مساطب) صالة الانتظار في الدخول على الطبيب .. عندما تسأل احداهن أمي من باب المحنة المفطورة عليها قلوب الامهات:
سلامتا .. بتّك مالا؟
فتجيبها أمي وهي تمسح بيدها على جبيني الملتهب:
ميروودة .. الحمى تهرس فيها الليل ده كلو.
فتهفو إلي تلك الأم الغريبة باشفاق ثم تقول مطيبة لخاطر أمي:
بريّة .. يا بت أمي من الحمى.
فتجيبها أمي:
يبرأ شرّك .. وانت وليدك مالو؟
وهكذا قد يتغير سيناريو الحديث في كل مرة ولكن المضمون واحد .. قلوب قد جمعتها المحنة والشفقة على مرض الصغار .. اذا ترنح صغير من الاعياء سارع الجميع بالتخلي عن مجلسهم ليخلو له مكانا يتمدد عليه في المسطبة .. واذا غالب صغير القيء فغلبه تتداخل اصوات بقية الامهات وايديهن في توجيه امه:
قعديهو في الواطة .. ختي ايدك في قلبو .. تبتبي ليهو ضهرو .. انفخي ليهو في وشو ما يشرق بالطراش …. وهكذا يكون عمليا (الصغير جنا الكل) من باب المحنة وليس من باب التحشر والشمار .
اتاحت لي فرصة وجودي لمدة تزيد عن الشهر قبل بضعة سنوات بقسم جراحة القلب للاطفال في مستشفى (إبن دورف) الالماني ، حيث كنا وقتها قد دخلنا المستشفى لاجراء جراحة تقومية لتشوهات القلب أو ما يصطلح عليه بـ (رباعية فالوت) لابني الصغير .. اتاحت لي تلك الفرصة معايشة الأسر الالمانية أو الغربية عموما عن قرب من خلال التواصل مع الاطفال المرضى الموجودين مع والديهم بالمستشفى، والعلاقات البينية التي صنعتها على طريقة (بت رقدتي) مع امهات اولئك الاطفال بعد أن جمعتنا بشتنة رقاد الواطة واوجاع قلوبنا على علّات قلوب فلذات اكبادنا ..
أو هكذا كنت اظن قبل أن يحدث معي ما خيّب ذلك الظن .. فقد جمعتني إلفة ونوع من الصداقة مع أم المانية مع طفلها الرضيع والذي كان يعاني من مشاكل في القلب، لتشاركنا نفس الغرفة ولاجادتها الانجليزية ولذلك كثيرا ما كنت تجمعنا حوارات ونقاشات نتآنس بها ونقطع وحشة طول الليل وحبسة الرقاد، إلى أن شاء الله وتدهورت صحة صغيري ذات مساء لمعاناته من صعوبات في التنفس ومضاعفات بعد العملية .. سارع الاطباء والممرضات للغرفة عندما صرخت الاجهزة الموصولة بجسده الصغير منذرة بالخطر الذي احاط به .. اجتمع عليه الاطباء بعد ان دفعوني إلى خارج الغرفة انا ورفيقتي واغلقوا الباب .. وقفت بالباب ويديي على خديي هولا وقد انساب قلبي وسال من بين قدمي عبر الممر .. اصارع الرعب واستلهم الصبر على لحظة الابتلاء الذي حسبته قريبا وهمس لساني (وآآ حرقة حشاي على جناي الجبتو يموت في الغربة) ..
من بين دموعي لمحت رفيقتي و(بت رقدتي) تنظر إلي من بعيد قبل ان تتوارى في صمت خلف باب غرفة انتظار الآباء !
شاء الله ان يربط على قلبي برؤية (سيد الاسم) يتقدم نحوي في تلك اللحظة من نهاية الممر، فقد دفعه (قلب الاب) للعودة مرة ثانية للمستشفى بعد مغادرته للسكن، تجاوز صغيري تلك الازمة وما تلاها من الازمات بحمد الله ولكني لم استطيع مسامحة (بت رقدتي) على برودها وتخليها عني في لحظة ضيقي .. لمتها لممرضة صديقة كانت قد لازمتني ودعمتني وقت الشدة، فاعتذرت لي عن تصرف رفيقتي بأنهم يعتبرون الامر تدخل في شئون الآخرين .. وبالتالي فان انسحابها كان بسبب رغبتها في اخلاء الجو لي حتى انعم بالخصوصية في لحظة حزني .. فهم لا يعرفون محنة امهاتنا ولا يعون بالضرورة معنى (الجنا جنا الكل) .. عاد ده كلام !!!
[/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
سلامة ابنك يا استاذة وربنا يحفظو ليك كمان وكمان
الزوله دى قالت سابتك عشان تاخدى راحتك فى البكاء ولا شنو ؟؟؟
ـ المحنه دى شئ متوارث عندنا السودانيين بس حتى فى الجنسيات العربية التانيه لو فى بكون قليل وما لدرجه انها تسيبك براك ؟
على كل الحمد لله انو صبرك على الموقف ده
نحن السودانيون بطبعنا نتاّلف و نأتلف و نتراحم فيما بيننا- و زي ما بقولوا ادروب ولوف- الغربة اتاحت لنا الاحتكاك ببعض الجنسيات الاخري و احكي لك قصة مشابهة حصلت لي و انا في ايام اغترابي الاولي بدولةالامارات المتحدة – تعرفت علي شخصين من دولتين عربيتين تم ترشيحنا معا للعمل في جهة حكومية و احدة و لما كان حضوري للامارات قبلهم بفترة اّثرت ان اقف معهم و اساعدهم في تكملة الاجراءات الخاصة باللتعين من اجراءات اداريةو كشف صحي و ما شابه و اخرت اوراقي الي حين ان تكتمل اجراءات الاخوة و ان نذهب لمباشرة العمل معا ولكن تفاجات بمجرد ان اكملوا اوراقهم ذهبوا مباشرة للالتحاق بالعمل و تركوني في حالي كأن لم تكن بيننا معرفة من قبل- فتقبلناه منهم بصدر رحب وفهمنا الدرس.