حرارة السودان السياسية تنتقل للندن ..!!
في قاعة بمبنى الخارجية البريطانية، تم تخصيصها لوفدنا الإعلامي الذي يضم الأمين العام لمجلس الصحافة وسبعة من رؤساء التحرير وقناة النيل الأزرق والإذاعة السودانية، انخرط الوفد في نقاش حامٍ حول السياسة البريطانية وتوجهاتها في السودان ومواقفها من قضاياه سيَّما علاقته مع دولة جنوب السودان، على الجانب المقابل من طاولة النقاش في القاعة الفسيحة، كان يجادلنا بهدوء وبرود إنجليزي عتيق، أندرو ماكي رئيس وحدة السودان في الإدارة الدولية للتنمية بالوزارة..
لم تختلف أو تتغيَّر السياسة البريطانية تجاه السودان، برغم اللغة الدبلوماسية حمّالة الأوجه والدقيقة، إلا أنَّ مواقف بريطانيا من القضايا التي أثارها الوفد ومن تحدثوا في اللقاء، كانت واضحة، فالعلاقة مع دولة جنوب السودان وما وصلت إليه بعد إيقاف تصدير نفط الجنوب، هي الشغل الشاغل للسياسة البريطانية، ومع محاولات الظهور بمظهر الطرف الذي يقف على مسافة واحدة من السودان وجنوب السودان، إلا أن التصوُّر الذي قدمه المسؤول البريطاني حول مواقف لندن ودورها في دعم التنمية وإعادة البناء والإعمار وتأهيل مؤسسات الدولة والاهتمام بقضاياها، يميل إلى كفة دولة الجنوب، ويعطيها أهمية بالغة لا تقارن مع السودان الذي كان الدولة الأم قُبيل انفصال الجنوب.. وتخصِّص بريطانيا مبالغ مالية لمشروعات تنموية وخدمية في جنوب السودان وتعمل على إعادة تأهيل جيشه وشرطته لتكون قوات نظامية وتسعى لبلورة تصورات وبرامج للاستثمار وتقدم دعماً مالياً وتتشارك مع دول أخرى في حل مشكلات الجنوب المتعلقة بالبنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية ودعم الاقتصاد الجنوبي، حتى تقف الدولة على قدميها، بينما في حالة السودان، لا يوجد شيء فلندن تطبق بصرامة العقوبات الدولية على السودان وتتعامل معه في مجالات متعلقة بالمجالات الثقافية والأكاديمية وبرامج التدريب لقطاعات شبه حكومية والدعم الإنساني الضئيل والمحدود..
ولا تستطيع التعامل مع حكومة السودان بذات القدر الذي تتعامل به مع دولة الجنوب، برغم العلاقات التاريخية بين السودان والدولة المستعمِرة السابقة واستفادتها من خيرات السودان وموارده الاقتصادية طوال فترة الاستعمار التي تزيد على خمسين عاماً..
وفي مقر البرلمان البريطاني، كانت ساعة «بج بين» تدق فوق رؤوسانا ساعة دخولنا أمس عند الظهيرة المبنى العريق المثقل بتاريخ الجزر البريطانية والحقب والعصر المختلفة، جلسنا إلى نائب رئيس للجنة تعمل في الشأن السوداني والجنوب سوداني «APG» وتضم أعضاء في مجلسي العموم و اللوردات من الأحزاب الرئيسية في بريطانيا، وكان النقاش أيضاً حامياً، ولا تستطيع فهم طبائع السياسة الغربية إلا بالجلوس إلى اللاعبين الأساسيين فيها، وتعرف نوع الروغان والهروب من الأسئلة الحرجة والجادة والابتعاد عن الحقيقة ومعطياتها الواضحة، وتهتم السياسة البريطانية بقضية جنوب السودان إلى درجة العمى والإغفال عن رؤية بقية القضايا..
وسيطر موضوع إيقاف السودان لعبور نفط دولة الجنوب عبر أراضيه والوضع الاقتصادي الناتج عن هذا على البلدين، على أسئلة وتفكير الجانب البريطاني في النقاش، بينما ركز وفدنا على أهمية معالجة القضايا الأمنية والسياسية والحدود حتى يتم التوافق على كيفية تجاوز مسألة النفط والتجارة بين البلدين..
الاستخلاصات التي خرجنا بها من خلال اللقائين السياسيين، يؤكدان أنه لا توجد انعطافات ولو لدرجة طفيفة في توجهات السياسة الغربية تجاه السودان، خاصة في العلاقة مع دولة الجنوب وقضايا دارفور والمحكمة الجنائية الدولية… لكن مع ذلك توجد لديهم حيرة كبيرة وملامح الحالة التي تصيب من يقف عند مفترق طرق ولا يعرف أين المسار الصحيح…
صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي
أظننا لا ننسى موقف بريطانيا عام 1947 عندما قام السكرتير روبرتسون( أو هكذا إسمه) حينما رأس لجنة لدراسة رأي شعب جنوب السودان في الإستمرار تحت إسم دولة السودان ، وكان أن زوّر رايهم في تقريره قائلاً هم لايُريدون الإنفصال. وذلك مُثبت في الوثائق وفي كتابات بعض السودانيين آنذاك. نخلُص في النهاية أن الإمبراطورية التي (غابت) شمسها بتحرر جميع البلدان من ربقة إستعمارها ، ولكنها تركت عِوضاً عن ذلك بعض ( الجمرات تحت الرماد) واحدة من هذه الجمرات التي يطؤها الشعب السوداني حاليا من النزيف المستمر منذ الإستقلال المُتمثل في الحرب وعدم الإستقرار وعدم التفرغ للتنمية بالإضافة للمشاكل التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي والتي أُججت في دارفور والنيل الأورق وجنوب كردفان من جهات أُخرى مما زادت طين التخبُط وزادت في الوقوع في دائرة ( الجهجهة) وعدم الإستقرار. نخلُص من كل هذا أن بريطانيا لها الضلع الأكبر في مشاكل السودان منذ خروجها مطرودة منه ولكنها تُضمرُ سوءاً مما أصابها في مقتل غردون على يد ثوار الأنصار ، لذا لن تترك السودان ليتفرغ للتقدم والإزدهار، ويجب علينا مواجهتها بذلك ونُطالبها بالإعتذار عما إقترفه سكرتيرها في حق الجنوبيين وحق السودان عام 1947.