رأي ومقالات

هاشم عبد الفتاح : الطريق إلى سودري

[JUSTIFY]لم يكن في ظني أن الذي يريد أن يسافر إلى منطقة سودري بأقصى الشمال الغربي لولاية شمال كردفان هو أمام خيارين فقط كلاهما مر وقاسٍ إما أن تسلك طريق (الخرطوم الأبيض سودري) في رحلة ممتدة الكيلومترات ومضاعفة الساعات والمحطات وإما أن تركب سكة المخاطر وسهر الليالي عبر طريق (أم درمان اللندرابة سودري) وهذا هو خياري الذي فضلته في رحلتي إلى سودري للوقوف على عدة قضايا وملفات بأمر من إدارة التحرير ويبدو أن العربة التي أقلتنا عبر هذه الرحلة تم اختيارها وفق مواصفات الطريق ومطلوبات الرحلة من حيث القدرة على تحمل واجتياز منحنيات الطريق ووديانه وكثبانه الرملية، وربما أن الذين يقودون مثل هذه السيارات يفترض أن تتوفر لديهم قدرات احترافية عالية للتعامل مع طريق استثنائي بكل المقاييس، كما أن الرحلة ذاتها رفعت سقف التحوطات والمحاذير إلى أقصى مدى؛ لأن مثل هذه الرحلة وعبر هذا الطريق وفي هذه الظروف مفتوحة أمام كل الاحتمالات.

وقبل أن تتحرك بنا العربة من محطة سوق ليبيا تحسست نظرات صاحب العربة أو بالأحرى قائدها نحوي وهو يجول بنظرات ذات أبعاد ودلالات ثم سألني عن المنطقة التي أقصدها فأخبرته بأني ذاهب إلى سودري فشعرت كأنما هو يريد أن تزداد لديه درجات الاطمئنان والارتياح حتى لا أكون لهم مصدر قلق وتوجس؛ لأن ميراث التجارب في مثل هذه السفريات جنت على التجار وأصحاب هذه العربات الكثير من المخاطر والجرائم التي راح ضحيتها نفر من أصحاب المال وتجار الذهب فاطمأن السائق ورفاقه فطلبوا مني أن استعد واتزود لرحلة شاقة وطويلة فتناولت وجبتين في آنٍ واحد (الغداء والعشاء) واحتسيت أكوابًا من العصائر والشاي والقهوة وحملت في حقيبتي عددًا من قوارير المياه فأكرمني من هم في العربة بالمقعد الأمامي حينما علموا هويتي ومهمتي الصحفية إلى هناك، فانطلقت العربة في الثامنة مساءً من سوق ليبيا ناحية الغرب ثم بدأت المعالم تتلاشى ورويدًا رويدًا نتوغل في فضاءات صحراء قاحلة وصامتة لا شيء في الطريق يبعث بأي شكل من أشكال الحراك فالحياة هنا بلا نبض.. كثبان من الرمال تعلو ثم تنخفض شجيرات صغيرة بائسة شاحبة الألوان وأخرى كبيرة أكل عليها الدهر وحتى أعشاش الطيور فيها مهجورة ولكن الشجيرات هذه تنتظر الغيث ومداد السماء حتى تحيا وتخضر.. دخلنا في جوف الليل البعض منا أصبح أسيرًا لألسنة النعاس وعناء الرحلة نتمايل أينما تميل العربة فكل شيء هنا في صمت وسكون فالعربة وحدها هي التي تبعث بصوت أشبه بالأنين والبكاء وكانها تترجى قائدها بأن يمنحها قسطًا من الراحة والاستجمام حتى تستجمع قواها.. فأطلت (اللندرابة) كمحطة مألوفة لكل المسافرين عبر هذا الطريق فترجلنا جميعًا من ظهر العربة وكل قضى حاجته في مدى لا يتجاوز نصف الساعة ثم انطلقنا والظلام يلف كل شيء وبين الحين والآخر تنبعث أنوار خافتة على مد البصر وعلى امتداد السكة ومع هذا الانبعاث تتوجس قلوب آخرين فكل شيء هنا متوقع ولكن العربة تمضي في رحلتها حتى توقفت عند الخامسة صباحًا في سودري فترجلت منها فالجسد مجهد ومرهق ولكن العربة لن تنتهي رحلتها ولن تتوقف إلا في محطتها النهائية في أم بادر المنطقة الغنية بكنوز الذهب وملهمة التجار والمنقبين يركبون من أجلها المخاطر ويسهرون الليالي في سبيل الوصول إليها أكثر من 300 كيلو متر هي المسافة التي طوتها العربة في طريقها إلى أم بادر طريق تروى فيه القصص والحكاوى والمأسي مدن وقرى وأرياف عديدة بشمال كردفان تحلم بطريق (أم درمان جبرة الشيخ بارا).. ولكن الحلم يستعصي أن يكون حقيقة ..!

صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. اخ / هاشم –
    لك التحية ولكل اهل الكلمة ونقل الحقيقة
    انت ادرى مني بالتحقيق الصحفي ولكن لدي ملاحظة على ما كتبت بل تكاد تكون ملاحظة عامة على كل من يمتبون ويحللون في الشان السزداني من اهله خاصة -ارى معظم اهل الصحافة يصلون السقف في النقل والتحليل – لماذا اقول السقف لانه خبر داخل البيت – عناك السائح وهناك المستثمر وهناك الباحث من غير اهل السودان الذين يتلقون المعلومة من اجهزة الاعلام السوداني وغيرها – فهناك معلومة تقال للعامة ومعلومة تقال لاهل الشان
    والشئ الثاني عند ذكر سودري ارجو ذكر المرحوم الاستاذ حسن نجيلة ورحلته الى هناك لانها هي ملح حلة طبختك لسودري
    ولك مني التحية