منى سلمان
قالوا العز أهل
تتداعت لخاطري تلك المعاني الجميلة بعد حكايتي لقصة الطفلة الالمانية ومعاناتها في المستشفى وحيدة، والتي حازت على تعاطف الجميع وخاصة الجنس الناعم بما فطرن عليه من رقة ومحنة، ووردتني الكثير من المداخلات أكدت على اننا ما زلنا والحمد الله نتمتع بالترابط والتواصل الأسري، الذي يجعل من الاستحالة بمكان أن يترك طفل صغير ليرقد بالمستشفى وحيدا بحجة انشغال والديه، فالخالات والعمّات وما علاهن سيتدافعن بطيب خاطر لسد الفرقة ومساعدة تلك الاسرة وقت شدتها.
كذلك دفعتني القصة للمقارنة بين تصرف الطفلة في غياب والدها والمطابق لتصرف الاطفال الطبيعين في سنها عندما يعانوا من الالم، فلا يجدوا طريقة للتعبير عنه سوى بالبكاء واستجداء تعاطف واهتمام الكبار، والذي تخلت عنه تلك الطفلة لحظة حضور ابيها لتدّعي قوة وصلابة غريبة ولا تتأتى لمن في سنها .. قارنتها بموقفين لشابتين سودانيات التقيت بهن في مكانين مختلفين وان تشابهة ظروفهما وردود افاعلهما في الموقفين ..
الأولى جمعتني بها رحلة العودة بالطائرة في الاجازة من القاهرة للخرطوم ابان دراستي هناك .. فقد علمت من بقية المسافرين أن الشابة تسافر في رفقة جثمان أخيها الذي توفى بعد حضورها معه للاستشفاء في احدى المستشفيات هناك، ورغم الرعاية والاهتمام الذي شملها به موظفي الخطوط الجوية والمسافرين على الرحلة، إلا انها كانت متماسكة وصابرة واصرت على القيام بجميع اجراءات المغادرة بنفسها، وحتى اثناء وجودنا على الطائرة كانت تلوذ بمسبحة تستلهم منها الصبر بالاستغفار حتى وصلنا للخرطوم .. نزلت معنا من الطائرة ووقفت في الصف لاكمال اجراءات الوصول، ولكن ما أن دخلت للصالة والتقت بأهلها الذين تجمعوا لاستقبالها حتى انهارت فجأة ودون ان تنطق بكلمة واحدة مغشيا عليها بين ايديهم .
أما الشابة الثانية فقد جمعتني بها وأمها اقامة مؤقتة في سكن البعثة السودانية في جدة، حيث ترافقنا في رحلة العودة للخرطوم بعد أن وصلهم خبر وفاة والدها اثناء وجودهم هناك .. كانت الشابة متماسكة وصابرة بصورة تدعو للاعجاب وكانت تولي كل اهتمامها ورعايتها لوالدتها المسنة، ولكن ما أن دخلنا لصالة الوصول والتقت بـ (كتيرّتا) حتى اندفعت لاحضانهم وعلا صوت بكائها ورددت جنبات الصالة صرخاتها ونواحها الحزين.
ما اردت ان اصل إليه من تلك المقارنة أن من الطبيعي أن تتماسك المرأة وتلزم حد الصبر وتعتمد على نفسها تمام الاعتماد، عندما تدهمها الخطوب وهي بعيدة عن اهلها وسندهم، ولكن ما أن تصير بين اياديهم الحنينة، حتى تترك العنان لعواطفها الحبيسة لتنساب على سجيتها وتترك زمام الأمور ليمسك به غيرها من (الأهل) و(الكتيرة).
أما بالنسبة للأطفال فإن من المعروف عنهم محاولة التصرف بذوق وأدب، ويميلوا للتصرف بمسئولية أكثر في غياب والديهم، وعلى العكس يطلقون لانفسهم العنان في الدلع والدلال في حضرة الوالدين وخاصة الأم، لذلك كان تصرف تلك الطفلة على عكس طبيعة الاطفال .. ففي غياب والدها كانت على سجيتها وتفعل ما يفعله الاطفال في سنها، ولكن في وجوده اضطرت لان تلبس هيئة الكبار وتتصرف حسب ما يتوقع منها لا كما تحب هي وتشتهي .. وهذا هو لب وجوهر الاختلاف بين طريقتنا وطريقتهم في تربية الصغار، وهذا ما اكدته صديقة للطائف عندما قالت في رسالتها المتعاطفة مع تلك الطفلة:
الشعور بالمسؤلية نغرسه نحن في الطفل تدريجيا .. نشيلو ويشيلنا في مسؤلية متبادلة .. نرعاهو ويرعانا .. دي المسؤلية الحقيقية، مش نعلمه يشيل نفسه وبس .. كمان لازم نعلمه إنو حياتو تسع لشيل الاخرين .. وليس كما فعل والد الطفلة وفي الختام ادعو الله:
(الحمدلله الذي عافانا من كثير مما ابتلاهم به) .. آمين
[/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
الطفلة الالمانية تاني
العزيزه / منى ما عندنا تعليق غير أن نقول ربنا يحفظك متى ما زرنا اللطائف نري وجه إنسانه سودانيه بت بلد أصيله تتجسد فيها كل معاني الإنتماء الأسري والدفئ
لك كل التحايا