عالمية
الدرس المستفاد من تجربة الإخوان في السلطة
لم تع الجماعة، أن “الحكم” يختلف جذريا، عن قيادة “تنظيم”، وعن إدارة النقابات المهنية والجمعيات الخيرية.. إذ ظل الإخوان عند هذه الحدود من الخبرات التي ورثوها، من تلك الأطر “الأولية”.. وهي في مجملها خبرات ما “قبل الدولة”.
الجماعة في تكوينها الداخلي، تعتمد على “التراتبية الطبقية”، فليس كل من في الإخوان يرفل في نعيمها، وإنما يحظى من “الكعكة” بقدر منزلته الطبقية داخل التنظيم، فضلا عن البناء الاجتماعي، الذي يقوم على “الاصطفاف العائلي” و”علاقات القربى”.. وهي في مجملها معايير للهبات والعطايا وتوزيع الجوائز على الإخوة.زد على ذلك “نقاء السلالة”.. ولم ينتبه البعض إلى قول القيادي صبحي صالح، بأن الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية.. وهو الكلام الذي تعاطى معه البعض بوصفه “طرفة” أو “نكتة”.. غير أنه كان جادا، ويتحدث عن واقع حقيقي، وهو تأسيس شبكة اجتماعية خاصة ومغلقة، تستعصي على الاختراق، وهي الفكرة التي يعود إليها تماسك الجماعة وحضورها حتى الان، منذ نشأتها عام 1926 بالإسماعيلية.
في الفضاء العام خارج الجماعة، خاصة في النقابات المهنية، وفي المؤسسات المنتخبة، انتقلت معها نزعة التحيزات الداخلية، الموروثة من خبرات إدارة التنظيم، حيث لم ينقطع يوما ما ميلها إلى توظيف المرفق العام : نقابة أو مؤسسة منتخبة، للخدمة على المصالح التنظيمية الضيقة، وتهميش وإقصاء الآخرين، حتى لو كانوا ينتمون إلى تيارات إسلامية غير إخوانية.والحال أن الجماعة، حاولت كسر هذه القاعدة، بعد أن جلبت لها الكثير من المشاكل والأزمات مع القوى الوطنية الأخرى، التي شكت من المشروع الاستيلائي الإخواني، في كل مؤسسة تضع قدما فيها.. غير أنها كانت جهودا فردية، من نشطاء محسوبين على القوى المعتدلة.. وهي لا تمثل تيارا أساسيا وإنما توجد على هامش متن الكتلة الإخوانية الصلدة.. وغير قادرة على اقناع مكتب الإرشاد، بخطورة هذا المنحى على جدية التحالفات السياسية مع القوى الوطنية الأخرى.
ومع أنه في المرات القليلة التي رفعت فيها الجماعة شعار: “المشاركة” لا “المغالبة”.. استطاعت الحركة، حصد العشرات من المكاسب السياسية في الانتخابات البرلمانية المتعاقبة، إلا أنها سرعان ما تتراجع عن عهودها بالتنسق والمشاركة مع الآخرين، ما أحالها في الضمير السياسي العام، إلى جماعة غير موثوق بها.. وينتهي بها الأمر ـ في كل مرة ـ إلى السجون والمعتقلات.. ولم تتعلم قط من كل تلك التجارب على كثرتها وتنوعها.
بعدما وصلت إلى الحكم في 30 يونيو 2012، لم يتغير حالها، واتفقت عشية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، مع القوى الوطنية الأخرى على “الشراكة الوطنية” وذلك في فندق “فيرمونت”، نظير دعم التيار المدني لمرشحها د. محمد مرسي.. غير أنها عادت سيرتها الأولى، وأخلت بكل وعودها واتفاقاتها، واستأثرت بالسلطة، وسابقت الزمن، لتمرير مشروع “الأخونة المنظمة” في كل مؤسسات الدولة.. ولم تتغير ـ بعدها ـ النهايات والمآلات: خسارة السلطة.. والعودة إلى السجون والمعتقلات والملاحقات الأمنية والقضائية مجددا.
شبكة محيط
محمود سلطان