رأي ومقالات

د.عبدالماجد عبدالقادر : «سيخة» المرابحة!!!

[JUSTIFY]أثلج صدورنا التوجيه الذي أصدره النائب الأول لرئيس الجمهورية بالابتعاد عن صيغة المرابحة بقدر الإمكان في التمويل الأصغر.. وقد سبق أن تحدثنا في مقالات متعددة عن صيغة التمويل التي يتمكن عن طريقها أي بنك في السودان أن يقوم بتنفيذ العمليات الاستثمارية مع عملائه.. وذكرنا أن مفهوم التمويل الإسلامي يختلف تماماً عن المفهوم الربوي الذي يعتمد في حقيقته على بيع النقود «الحاضرة» بنقود يتم دفعها آجلاً.. فإذا ما تقدّم شخص إلى البنك. الربوي فإنه يطلب أن يشتري مثلاً مليون جنيه الآن ليدفعها بعد عام بمبلغ محدود «مليون ومائة ألف» مع إيداع ضمان للبنك.. وبالطبع لن يكون البنك مسؤولاً عن شكل الممارسة التجارية التي سيقوم بها العميل ولا عن كيفية صرفه لهذه النقود.. هذا هو باختصار ما يفعله البنك الربوي.. أما بالنسبة للبنوك ذات المفهوم الإسلامي فالوضع يجب أن يختلف تماماً بحيث أن الشريعة تحرم بيع النقود العاجلة بأخرى آجلة.. وتعتمد كل فكرة التمويل على أن المال في نفسه يجب ألا يحقق ربحاً لمجرد مرور الزمن عليه إلاّ إذا خالطه عمل ونشاط وحراك يبرر هذا الربح.. ويقوم ذلك الفهم على إضافة عنصر العمل والإدارة مع عنصر المال لينتج عن الاثنين الربح وربما خسارة يتحملها كل طرف بمقدار مساهمته.. فالبنك قد يربح كثيراً جداً وربما يخسر كثيراً أيضاً وقد يربح العميل كثيراً أو يخسر كثيراً أيضاً. وفي كل الحالات يكون هناك تبرير واقعي للربح الكثير أو الخسارة الكبيرة لهذا النوع من التعامل… ولهذا السبب ربما لا تتقيد الصيغ الإسلامية بتحديد هامش الربح الذي قد تفرضه بعض الأجهزة الرقابية مثل البنك المركزي أو أجهزة الدولة الأخرى.. وتظل العلاقة بين العميل والبنك تتمثل في علاقة «شراكة» مهما اختلفت أسماؤها.. فالمرابحة في واقع الأمر ما هي إلاّ شراكة بين الطرفين يقوم البنك فيها بتوفير المال ويقوم العميل بإدارة المال مربوطاً ومشروطاً باكتمال فترة السداد.. وقد يفهم الكثيرون أن عملية المرابحة تنتهي بانتهاء تسليم العميل للبضاعة وهو فهم خاطئ قد يؤدي إلى كثير من المفاسد وربما يحقق كثيراً من الخسارات والانحراف نحو ربوية الممارسة.. فإذا ما انتهى دور البنك باستلام شيكات المرابحة فإنّ هذا قد يُفضي بالعميل إلى أن يقوم «بكسر» المشتريات بالخسارة لتحويلها إلى نقود وبالتالي يؤثر على السوق وعلى ضمان العائد من العملية.. ويبدو أن هذا هو عين ما حدث وما يحدث دائماً في صيغ المرابحة للآمر بالشراء مما يجعل الجميع في حقيقة الأمر يمارسون نوعاً من التعامل الربوي المتدثر بشعارات إسلامية.. مثلاً جاء مزارع أو تاجر وطلب شراء جرار أو لوري لأغراض الزراعة والخدمات في القضارف فإن دور البنك يجب ألاّ ينتهي عند تسليم الشيك المصرفي للمشتري بل يجب أن يتعداه لمتابعة أن هذا الجرار موجود فعلاً أثناء فترة العملية وأنه يؤدي دوره في الزراعة وحرث الأرض وأنه يفيد المجتمع وأنه يحقق العائد الاقتصادي والاجتماعي المطلوب منه..

وهنا يأتي مكمن الخطر في أن البنوك قد تنسى دورها المنوط بها في تنمية الأرض وتعميرها وفي خدمة المجتمع وتخطئ تماماً عندما تعتقد أنها اشترت جراراً وباعته لشخص آخر وليذهب إلى الجحيم لكي يقوم بكسره لآخرين أو رهنه أوتخزينه دون أن يقوم بدوره في الإنتاج ليفيد كل البيئة الاقتصادية.. وقد تتعسف بعض بيوت التمويل فتقوم باحتجاز وحبس الجرار واللوري عندما يفشل صاحبه في السداد وهي بهذا في حقيقة الأمر تقوم بحبس وتعطيل وسائل الإنتاج عن المجتمع الذي لن تقوم لها قائمة إلاّ بتحريك موارده.. مثلاً أحد البنوك يحتجز حوالى ثلاثمائة شاحنة لأحد رجال الأعمال فقط لأنه تعثر في أحد الأقساط أو لأنه تعثر في دفع كل الأقساط.. وهي بهذا تحرم البيئة الاقتصادية من توفير الخدمة لنقل مئات الآلاف من الأطنان وتحرم شركات البترول من استهلاك ملايين الجالونات من الوقود وقد تحرم آلاف السائقين والعمال من أعمالهم ومئات الموظفين.. وهي بهذا الفعل تقوم «بتخريب» الاقتصاد الوطني دون أن تعي ثم تقول إنها تساهم في دفع عجلة التنمية وإنها تحافظ على «قروش» المودعين وتنسى أن المودعين ما هم إلا المجتمع نفسه.. وبالطبع فإن سبب هذه الكارثة هو استعمال القوالب النظرية الإسلامية في التمويل بمفهوم غربي ربوي لا يعرف كيف يستصحب معه البعد الاجتماعي والأخلاقي لتنمية الأموال.

يا جماعة.. والله العظيم. ليس المهم هو صيغة التمويل أو الربح ولكن المهم أن نستوعب المعاني الأخلاقية في مفهوم أسلمة التمويل والتي تراعي المصلحة العامة.. ليس مهماً أن يربح البنك الفلاني أو التاجر الفلاني ولكن المهم أن يتم تحريك وسائل الإنتاج لخدمة الناس كلهم.. مثل آخر واقعي يحدث لإحدى شركات إنتاج الزيوت والتي يملك أصحابها مصنعاً للصابون.. ومصنع الصابون تعثر في سداد أقساط .. ولأن مصنع الصابون تظهر فيه أسماء نفس أسماء مالكي مصنع الزيوت فإن البنك الممول قد أوقف التمويل للزيوت. ولهذا السبب فإن إنتاج الزيوت قد توقف ووكلاء توزيع الزيت في الأبيض والدمازين والقضارف وعطبرة وبورتسودان توقفوا مثلما توقف المشروع الزراعي الذي ينتج المادة الخام.. يعني هذا أن التأخر في سداد الأقساط قد أوقف كل الأنشطة المجاورة لمصنع الصابون وشرّد العمال والمزارعين وفتت النسيج الاجتماعي.

وفي ظل هذا المفهوم «الإسلاربوي» سيكون من الضرورة أن يكون القائمون على أمر التمويل أكثر استيعاباً لحاجات المجتمع وتأثيرها التراكمي الضار على حركة الإنتاج في حالة تعطيل وحجز وحبس وسائل الإنتاج وحبس أصحابها.
قبل أيام ذكر لي رجال الأعمال «حمدان الحلفيان» أنه طلب من البنك أن يتم تمويله «بسيخة» المضاربة وأنه لا يرغب في التعامل عن طريق تطبيق «سيخة» المرابحة.. وبالطبع فإنّ الرجل يقصد صيغة «بالصاد والغين وليس السين والخاء».. وقد كان ما قاله مثاراً للضحك والتندر.. ذلك لأن الرجل موغل في القروية والأمية ولكن الله أعطاه سعة في الرزق والله على كل شيء قدير.. وأخيراً شكراً للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية بالابتعاد أو على الأقل التقليل من استعمال «سيخة المرابحة».[/JUSTIFY]

د.عبدالماجد عبدالقادر
صحيفة الإنتباهة

تعليق واحد

  1. يا جماعة: طالما أن برنامج التمويل مشكلة التمويل الاصغر موجه لخدمة الفقراء فحلة يسير : فقط وجهوا مال الله (الزكاة) بكامله لتمويل مشروع التمويل الاصغر لتصرف للفقراء والمساكين والعاطلين في شكل قروض حسنة ميسرة بفئات معقولة وأقصاط مريحة تمكنهم من إلاستثمار الحلال. نظام التمويل الحالي أو أسوأ من المرابحة وربما يندرج تحت تجارة المال وبارباح عالية تفوق ارباح القروض الربوبة في كثير من البلدان الاجنبية. المسألة تحتاج لوقفة متأنية ونية صادقة لمواجهة الفقر في بلادنا.