ود الفنقلون : من الكنتين إلى الصيدلية
عم الطيب رجل طيب، «اسم على مسمى»، يقطن فى مدينة بربر بولاية نهر النيل التى تناظر مدينة عطبرة، وهو رجل ميسور الحال ماديًا، بسيط التعليم، فقد نهل قدر المستطاع من اللغة العربية على يد شيخ الخلوة، تعوَّد على تنفيذ كل ما يراه صحيحًا … فتزوج من امرأة ثم الثانية وانجب منها ستة ابناء شرع فى تعليمهم اكاديميًا خلال المدارس التى كانت موجودة فى ذلك الزمن ببربر وعطبرة.
وفى ذات يوم مرض عم الطيب مرضًا شديدًا فذهب الى «الحكيم» الموجود ببربر وبعد ان عاينة الحكيم وتأكد من شكواه التى دلَّت على اصابته بالملاريا كتب له روشتة دواء، اخذها عم الطيب وذهب ليشتري الدواء الذي كان عليه ان يتحصله من مدينة عطبرة، وكان ذلك المشوار صعبًا جدًا على عم الطيب وهو مهدود الحيل بالمرض ومكث فيه كل اليوم نظرًا لصعوبة المواصلات آنذاك، عاد الى بربر فى بداية المساء وبعد ان تناول قليلاً من اللبن الذى يمكنه من اخذ الدواء قال فى نفسه «لو كان عندنا «الدواء ده هنا هسه كان ح اتناولت الجرعة الثانية».
فبعد ان عايش عم الطيب المعاناة الحقيقية التى يلاقيها المريض فى بربر من امكانية شراء الدواء وبعد شفائه من تلك العلة ذهب الى الحكيم الموجود ببربر وعرض عليه جلب الدواء ووضعه على طاولة الحكيم لإعطاء كل مريض ما يناسبه من دواء، ولكن الحكيم الموجود ببربر فى تلك الفترة رفض ذلك بحجة انه لا يستطيع تشخيص المرض واعطاء المريض العلاج من مكان واحد، ولكنه اوضح لعم الطيب ان بامكانه جلب الدواء وبيعه فى الدكان الذى كان يمتلكه عم الطيب، وبالطبع فقد خصص بالدكان مكانًا للأدوية وجعلها داخل دولاب من الزجاج وكان على الحكيم ان يحضر الى الدكان كل يوم بعد الفراغ من عمله لصرف كل الروشيتات التى وصلت الى الدكان وبهذا انتهت نوعًا ما معاناة اهل بربر من السفر الى عطبرة لجلب الدواء لكن عم الطيب كان رجلاً لحاظًا وسريع البديهة فأصبح يراقب الحكيم بدقة وباستمرار حتى تعلم معظم اسماء الأدوية مع ما يناسبها من امراض فقد كانت كل الأمراض المتفشية فى تلك الفترة تتمثل فى الملاريا والإسهال والضغط والسكرى والالتهاب.
حفظ عم الطيب أسماء الأدوية لكل مرض .. وعندما شعر الحكيم ببراعة عم الطيب ومراقبته لعمله فى صرف الدواء اصبح يكتب له الروشتة بالعربى والانجليزى مع توضيح نوع المرض فيقوم عم الطبيب بصرف الدواء الصحيح وقليلاً قليلاً حتى اصبح عم الطيب يحسن قراءة الروشتات وهى مكتوبة بالإنجليزي الذى تعلمه من الحكيم حرفًا حرفًا.
عم الطيب رجل طموح ترك تجارة الدكان واتجه الى تجارة الادوية التى اصبحت كل حياته، فجعل من دكانه صيدلية مكتملة لكنه تفاجأ ذات يوم بان الرجل الإغريقى صاحب الصيدلية التى كان يجلب منها الدواء الى بربر والذى بينهما ود نشأ من حبهم للناس ومساعدتهم ان عرض عليه شراء صيدليته بعطبرة لأنه يود العودة لموطنه، فوافق عم الطيب على شرائها وجمع كل ما لديه من مال وتمكن من شراء الصيدلية التى كان ثمنها مائة جنية سودانى لا غير.
توسع عم الطيب فى تجارة الأدوية وتفوق على كل منافسيه فى المنطقة وما جاورها واشتهر بالشهامة والمروءة حتى اطلق عليه اسم «ود الفنقلون» لكن ود الفنقلون لم يقف على هذا المدى من حبه للخير وللناس فتوسعت رقعته التجارية فى مجال الادوية كما انه لم ينسَ تعثره فى بداية رحلته مع تجارة الأدوية بسبب التعليم، فوجه كل أبنائه لدراسة الصيدلة بدول الخارج بدءًا بابنه الأكبر هاشم الذى تم ابتعاثه الى بولندا لدراسة الصيدلة ثم فتح الرحمن الى اليونان، غير ان فتحى وفيصل الأصغر منه والذى لحق به بعد سنة اتجها الى دراسة الطب والزراعة ثم اذعنوا الى رغبة ابيهم فى دراسة الصيدلة برومانيا وهكذا اصبح جميع ابنائه صيادلة تحقيقًا لرغبة ابيهم «ود الفنقلون».
صحيفة الإنتباهة
رباب حسن
لكن أعتقد أن الاسم الصحيح ليس هو ( الفنقلون ) وإنما هو ( الفنقلهم )وأصل الكلمة (فنق ) ونقول في العامية السودانية ( فنقل ) واللام مزيدة وهي فصيحة والزيادة تكون لتقوية المعنى أو إلحاقاً للكلمة بوزن( فعلل ) مثل (ضربب )وهي متاحة في اللغة العربية وهناك بعض الكلمات المماثلة لها فنقول في كلمة ( دنّّق ) : دنقر أي نظر إلى أسفل قال في معجم لسان العرب : دنقت الشمس أي مالت إلى الغروب , ودنق وجهه: هزل ودنق : دنا من الموت . والتدنيق إدامة النظر إلى الشيء وكذلك نقول 🙁 صنقر )أي جلس كالصقر والنون زائدة , وفي عاميتنا كلمات أخرى مشابهة وهي فصيحة : قالت الحامدية تمدح بعير زوجها أوأخيها :(عرفك زي الفردل @ وأمك تملا الجردل ـــ مسك السكة ودنقر @كيف رقّاب القنقر ) والفردل والفردل النبات المزروع متراصاً صفاً صفاً ويماثل في الجزيرة (السرابة )المرصوص عليها النبات من أولها إلى آخرها وهي تسمى عندنا الفردل, بسكون الراء وهي من الفرد لأن كل فردل وحده (كسرابة منفصلة) عن الأخريات!! وبالعودة إلى كلمة (فنقل )فإنها من كلمة : (فنق ) واللام مزيدة قال في لسان العرب : فنق بمعنى تنعم في العيش والتفنق التنعم وامرأة فنقة متنعمة وجارية فنق ومفناق : جسيمة فتيّة منعمة , قال الأعشى هركولة فنق درم فواصلها والفنيقة المرأة المنعمة ويقال تفنقت في كذا أي تأنقت وتنطعت , والجمل الفنيق هو الفحل المكرم الذي يكرم ولا يهان ,, وفي المحصلة فإن نطق وكتابة الكلمة هي : ( الفنقـــلهم ) ونقول : والله فلان موجود ومتفنقل في البيت وفلان ضحك حتى تفنقل على قفاه . أما كلمة ( الفنقلون ) فهي بلا شك خطأ في النقل الشفاهي , وفي العامية السودانية نسقط الهاء في كلمات كثيرة مثل كتبم وصرفم وأيدم واستثمرم وشربم وأكرمم وهي بالطبع : كتبهــم وصرفهـم وأيدهــم..إلخ
ربنا يكتر من امثالك , وبارك الله لك فى فيمن خلفت .
هكذا تتم التنميه