منى سلمان
ذكريات وكنوز محبة
كان واسع العينين في جحوظ، قصير القامة عظيم البطن، له صوت جهوري وضحكة مميزة، كانت مجرد رؤيته من بعيد كافية لتنساب مفاصلي وتتحول إلى ماء، أما قلبي الصغير فقد كان يكبر حتى أخال أن كل جسدي قد تحول لقلب، فأسمع دقات نبضه حتى من بين أصابعي المبتلة بعرق الخوف.
عندما كانت تداهمني حمى اللوز أو يصيبني المرض، كان أبي يرسل في طلبه، وما أن أسمع صوت ضحكته المجلجلة، حتى يطير قلبي ليستقر على صورة غصة في حلقي، كنت أحاول التملص من حكم الـ نص دستة حقن بادعاء أني (بقيت كويسة)، فأقوم بحركات القفز والتنطط البهلوانية رغما عن صهد الحمى عساها تقنعهم بصحة إدعائي، ولكن كل الحركات لم تكن لتعفيني من أن يحملني أبي على كتفه وهو يقول في حنان وإشفاق:
تعالي يا الفلوحة..
فأجلس على حجره في إستسلام، وألوذ بحضنه وأنا أراقب بعينين وجلتين (علي الحقّاني) وهو يخرج تلك العلبة الفضية ويقوم بطقوس تجهيز الحقنة.
كان يقوم في صمت بفتح العلبة ليخرج الحقنة الزجاجية ويقوم بتركيب أجزائها، ثم يختار إبرة كبيرة من طقم الإبر المرصوصة على قطعة شاش أسفل العلبة، و يقوم بتعبئة الحقنة بالماء المقطر ويفرغها في بدرة البنسلين ويرجها جيدا، ثم يعيد سحبها في الحقنة ويقوم باستبدال الإبرة بأخرى رفيعة.. كل هذه التفاصيل والإجراءات كنت أتابعها من داخل حضن أبي وضربات قلبي تحاكي طبول الغابة.
حين تكتمل التجهيزات كان يحمل الحقنة وقطعة قطن صغيرة مبللة بالديتول ويتجه نحوي، وحينها يحملني أبي على كتفه .. قد أحاول أن أخذّل عني بـ ( التحنيس) واستدرار العطف فأقول في مسكنة :
يعني يابا هسي تخليهو يديني الحقنة وأنا عندي عوّارة ؟!!
فيجيبني في حنان:
ما بتسوي ليك شئ .. الحقنة ذاتها بتروّح ليك العوّارة.
حينها أستسلم، وعندما يرفعني أبي لكتفه، كنت أحيط عنقه بشدة بيدي الصغيرتين وأدفن وجهي في كتفه لاستعين بدفئه على الألم القادم من وراء ظهري.
رغم خوفي الشديد من الحقن كنت أركز وأثبت عند وقوع البلاء بالمقارنة مع شقيقتي الأكبر، فقد كان في حينا ممرض آخر، وقد شاءت الصدفة السيئة إن يقوم بحقن جارة لنا والتي كانت (مستحضرة) في مرحلة متأخرة من المرض، فتوفت تلك الجارة إلى رحمة الله بعد دقائق قليلة من إعطائه لها الحقنة المعهودة، فسرت في الحي همهمات بأن فلاناً هو من تسبب في موتها بحقنته تلك، ولذلك عندما مرضت شقيقتي ولم يكن (علي الحقّاني) متوفرا بسبب سفره، استعان أبي بالممرض الآخر ليحقنها بالكوتة المعهودة، ولكن بعد الجري والبرطعة والصراخ، تم القبض عليها واحضارها للحقنة، فما كان منها إلا أن صرخت في أبي بصراحة الأطفال الجارحة:
الراجل ده مش قبال كده كاتل ليهو مره بي حقنة ؟ .. عاوزينوا يكتلني زيها ؟!!
طأطأ الرجل رأسه وانطلق منصرفا وأقسم بعدها ألا يحقن أحداً، وظل على عهده هذا حتى توفاه الله بعد عمر طويل.
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]
مخزن الذكريات
ماهذه الروعة التي هبطت علينا من سموات الإبداع؟الحلوة منى تتحفنا بمقالين بينهما يومان فقط!!كده حننشرق من الحلاوة…رائع وارمي قدام
عزيزتى منى من بين كل الذكريات لم تجدي إلا ذكريات الحقن؟ مؤكد كل من يقرأ هذه الذكرى ستقفز إلى مخيلته ذكريات حقنه الخاصة وطرائفها
همسة : مازلت إلى الآن أخشى الحقن ،وعتبي وغيظي على الطب الذي تطور في كل شئ ماعدا الحقن(متخلفين)
” [COLOR=undefined]عليك الله مــاتطعني يادكتــور, كان بتعز الله يادكتـور[/COLOR].” كلمات صرخت بها عندما كان طبيبا يقوم باجراء عملية جراحية على ساعدي الايمن, حينها كنت صغيرة, برئية, وعفوية. لم اكن اعلم ان عملية الحقن لابد منها لتسكين الجرح واتمام المعالجة حتى يلتئم.
الخوف من طعن الابرة هى ظاهرة متفشية في مجتمعاتنا ربما لأنها نشأت وترعرعت معنا منذ الصغر بسبب عوامل من ضمنها التربية الخاطئة بتخويف الطفل من الحقنة, وذلك عندمـا يراد اسكات الطفل من الصراخ او صرف نظره الى أمر أخر. أو ربما بسبب مواقف وذكريات مخزونة بالذاكرة.
دامت ايامك بصحة وعافية أستاذة منى وننتظر جديد ابداعك بلهفة وشوق.
[SIZE=4]مقال سخيف جدا[/SIZE]
الألم جزء من الحياة يا صديقتي.
مؤمنة
[B]الحقيقة الوحيدة اكيد استبدلتى الشخصيات انت واختك (لانو ما معقول يكون فى زول اكثر منك شقاوة ممكن جنس الكلام الخلى الزول ما يدى حقنة تانى)[/B]