منوعات
فيصل محمد صالح.. طاعن في السن و(طائفي)
– تفتكر ليه يا بابا.. حصل الأستاذ فيصل محمد صالح على جائزة (بيتر ماكلر) من دون سائر الصحافيين؟!
– قلت لها ببساطة: لأنه طاعن في السن ولأنه (طائفي)
– قالت لي: بـ (استغراب): طاعن في السن وكمان طائفي؟
– قلت لها: نعم.. فيصل عمره الآن 110 أعوام لا تنقص إلا ثوانٍ، أما كونه طائفياً فبالمعنى النبيل الذي عناه أندريه مالرو.
٭ بالأمس القريب اعترف أستاذ الأجيال، ورمز الصحافة السودانية محجوب محمد صالح، في الاحتفال الفخيم الذي أقامته (خصيصاً) لتكريمه صحيفة (Sudan Vision) الإنجليزية، اعترف أستاذ الأجيال محجوب بـ (القبلية) وأعلن أنه يعتز بأنه من قبيلة الصحافيين، قائلا: (أنا من قبيلة الصحافيين، وهي قبيلة لا ترفع السلاح فسلاحها القلم)!!
٭ وقبل نحو نصف قرن من الزمان، حشر أندريه مالرو، في محاضرة (طورها لاحقاً إلى كتاب) مبدعي الأدب الرفيع والصحافة الراقية، في سلة واحدة، أسماها (الطائفة La Secte)، طائفة: تتكون من بشر ليسوا أحراراً في أن يهجرونها عند اللزوم، وإنما من بشر (مسممين بها).
لا أحد يظهر بين الحين والآخر (صحافياً)، فإما أن يعيش المرء أو لا يعيش حياة صحافية، حتى لو أضاع نصف حياته في متاهة أو فقد عمره كله.
٭ وعندي أن الأخ فيصل (مسموم) بالصحافة، خُلق لها وخُلقت له، (وكلُّ ميسر لما خلق له).. وضع حبلها في عنقه منذ الصبا الباكر، وليس أمامه شاء أم أبى، إلا أن يسير في هذا الدرب، بغض النظر عن نهاياته: كارثية أم فرائحية، (سنزيف يحمل صخرته على كتفه)!!
٭ كان الشاعر الجميل إسماعين حسن (ود حد الزين)، يحسد (العتّالة)، ويرى وضعهم أفضل، فعلى الأقل العتالي يعرف أين يضع (حَِمله)، أما الشاعر والصحافي والفنان فلا..
ولهذا لا غضاضة في أن تحسد طائفة المبدعين العتالة، (على ما عندهم من راحة)، وتتندر على طبقة الحكام على أوضاع الشقاء.
نهى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ابنه عبد الله عن الإمارة، قال: (فليشق بها من آل الخطاب واحداً)!!
٭ يقولون: الصحافة سلطة رابعة، والصحافة عندي سلطة (أولى).. لا شك لي في ذلك، ولا زعزعة عندي أو تململ، أن الصحافة سلطة أولى، فلولا قناعتي بـ (المطلق)، وكون أنه منزه ومقدس لقلت سلطة مطلقة.
٭ وفي تقديري، أن الأخ فيصل من الذين يؤيدون هذا الرأي، (اعترف بذلك أو لم يعترف).. مُنح جائزة بيتر ماكلر أو لم يُمنح.. يحمل قلمه (يهش به على غنمه وله فيه مآرب أخرى).
ولهذا لا يمكن لقلم الصديق فيصل أن يكون (محايداً)
٭ يا أخي.. أعزك الله (كما يخاطب الأخ مصطفى البطل قارئه).. الحياد عندي كلمة بايخة ومضحكة.. ولا يستطيع بشر من لحم ودم (ناهيك عن فكر)، أن يكون محايداً، حتى ولو أراد ذلك.
٭ موضوعي.. نعم، Integert.. على العين والرأس، أما محايد فلا.
أن يكتب فيصل في الشأن المصري، مهم بل من (الواجب) أن يكتب فيصل في الشأن المصري، فالذي يحدث في مصر غير محتمل من الآخرين، قبل أن يكون غير محتمل من أهله.. ومن (حق) الآخرين أن يختلفوا معهم في ما يكتب.
فكلُّ يؤخذ من حديثه، ويُرد عليه، كما قال سيدنا علي، إلا صاحب هذا القبر.. وأشار إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
٭ كان الأستاذ محمد الخليفة طه الريفي (عليه رحمة الله).. يسأل القادم الجديد، إلى بلاط صاحبة الجلالة:
– اللخو «الأخ» متعلم ولّلا جربندي زينا؟!
وسؤال الريفي (عليه رحمة الله)، ينطوي على حكمة وخبرة، ولا تزال فكرة (الطبع يغلب التطبع) في ممارسة مهنة الصحافة، لها حيثيات ومؤيدون.
٭ هل هي (السليقة) أم (مدرجات الجامعة) التي يمكن أن تضع تاج السلطان على رأس الصحافي؟
(إن لم يكن لي صولجان فلي قلم).. أولم يعلي (بلوتراك) من شأن حق الإنسان في العظمة!!
٭ في تقديري، أن الأخ فيصل (من الآحاد)، الذين استحقوا تاج الصحافة عن (السليقة) و(الدربة) معاً، امتزجا امتزاجاً كيمائياً لا يمكن فصل أيهما عن أيهما، ليسا (طرة وكتابة)، في ذات فيصل، بل هما ماضٍ ومستقبل في (حاضر) فيصل، وهل المستقبل إلا لحظة تصبح في لحظة حاضرة، والماضي لحظة كانت قبل لحظة حاضرة، وهل ثمة حاضر إلا ماضٍ ومستقبل في آن؟!
٭ فيصل محمد صالح سار منذ نعومة أظفاره في درب الصحافة، كانت الصحافة داءه ودواءه (وداوني بالتي كانت هي الداء).. منذ زمن الصحافة الحائطية ومتابعة الصحف المصرية، وعزز هذه المسيرة، من خلال اختياره الواعي للدراسة الجامعية فاختار كلية الإعلام، (وكان بوسعه أن يدرس الطب أو الهندسة)، وعزز الدراسة الجامعية بدراسات عليا.
٭ وفي ممارسته للمهنة، إنحاز لها كاملاً وبسببها طلق (حزّب.. تحزّب فهو متحزب).. اختار العزلة ، بمعناها الطوعي والعالي والمضيئ ، وليس بمعنى الانسحاب والتشرنق ..
وفي زمن (حزّب.. تحزّب فهو متحزب) أشهد أنه، كان نبيلاً في التزامه ونبيلاً في اختلافه.
كان فيصل ناصرياً ( وعندي لا يزال).. فالخروج عن مواعين الحزبية، لا يقدح في الالتزام بالفكرة، وعموماً أنا أرى في الناصرية، من زاويتها الجمالية نافذة لـ (الفردانية)، والفردانية عندي محببة من (ستندال) وحتى (ديستوفيسكي).
٭ وفي تقديري، ما من مواطن (عربي)، إلا وفيه مضغة من ناصرية: التحرر والانعتاق، وملء بالونات الديمقراطية الليبرالية المزركشة الجميلة، بالخبز والكرامة، والدواء والتعليم المجانيين.
٭ تخرّج أولاد وبنات أم عادل (الشغالة التي كانت تعمل بيننا في شقة من شقق مصر الجديدة) من الجامعات، كانت تقول لي: لولا عبد الناصر، لطلع الأولاد (بوابين)، ولطلعت البنات (شغالات) .
ويهيأ لي هذا ما دفع بالشقيق عادل طيب الأسماء، أن يكتب قصيدته الشهيرة (فاطمة والفقر).. ولا أكشف سراً أن قلت: إن مدرسة الكادر في تنظيم رابطة طلاب الاتحاديين الديمقراطيين ( التاريخية)، بجمهورية مصر العربية في عقدي السبعينيات والثمانينيات، كانت تحتفي بكتابات: عصمت سيف الدولة وحسن حنفي ومحمد عمارة وغيرهم من الكتاب القوميين، وهذه الكتابات أسهمت بشكل أو بآخر، في امتلاءاتهم الأيدولوجية.
٭ طلق فيصل الناصرية- عندي- أو لم يطلقها.. لا يهم..
فكل أصدقائي، والذين أسجل أرقام هواتفهم في دفاتري حسب محبتي لهم، من الذين درسوا في جمهورية مصر العربية، (يتململون) في مواعينهم. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، (ولوا وجوههم لماء النهر ، حيثما يبقى الخرير أو الصدى) ، منهم من خرج عن هذه المواعين ومنهم من ظل فيها على استحياء لا فرق عندي في هذا بين (أبو السبح أو نادر السيوفي أو محجوب جلي).. والقائمة تطول.
٭ منذ صحونا في هذه الدنيا، ونحن نرى فعل (أفضل)، ومن حق الطلاب السودانيين الذين درسوا في مصر، ومن بينهم فيصل أن يبحثوا عن مواعين أفضل من تلك التي ألفوها!!، أو يغيروا ما في هذه المواعين حتى يتمكنوا أن يكونوا فيها!!.
وإن فعلوا.. ربما لا يألفونها، فهذا الجيل جيل موسوم بـ(القلق)، ومن الصعوبة أن يحصل على (اليقين).
٭ لقد تعرفت على الصديق فيصل في تلك الساحة، ساحة الحركة الطلابية السودانية في جمهورية مصر العربية ( في عهدها الذهبي)، وهي الساحة التي أعتز بأني صدحت في منابرها شعراً بقصيدتي: (أما أنا فلا أخلع صاحبي).
وهي الساحة التي أجزم، بأنها رفدت الحياة العامة في السودان، في شتى المجالات، بـ (أصلب العناصر لأصلب المواقف).. ولأن فيصل وليد تلك الساحة (وأنا هنا أدّعي بأنني أعرف فيصل بأكثر مما يعرف الصديق العزيز محمد لطيف).. فليس غريباً أن يجد نفسه في فضاء أكبر من الحزبية، يلتقي فيه مع الذين يخالفونه في الرأي، للدفاع عن الديمقراطية والحقوق والشفافية.
٭ والحديث عن الديمقراطية والحقوق والشفافية، كلما خلع رداء الحزبية كان أنفع.. فالقيود (الموهومة) في حرية التعبير يراها قاصرو النظر فحسب، مثلما نتصور أن السماء سقف قريب، لكننا كلما ارتفعنا إلى أعلى لن يصطدم رأسنا بشئ ، حسب (تعبير الكاتب والناقد المصري صلاح فضل).
إذاً ففي الدفاع عن الحرية فليتنافس المتنافسون.
٭ إذا كان لجائزة بيتر ماكلر معنى عندي، فهو أنها جاءت لفيصل (في عصره) ، ففيصل عندي أقرب إلى الذين تكتشفهم أقوامهم بعد حين.. شبيه بـ (التقدير في غير عصره)..
لم يعترف لـ (سرفانتس) أحد من معاصريه بالموهبة، ولم يُقدم (شكسبير) باعتباره عملاقاً في زمانه، ولم يعترف البلاط لـ (موليير) بالتميز.
سأل لويس الرابع عشر، مستشاره ديسبرو:
– من هو أكبر الكُتّاب في مملكتي؟
– قال ديسبرو يا مولاي.. إنه موليير.
فاستشاط لويس الرابع غضباً، وقال لمستشاره:
– أنا لا أعتقد بذلك.
٭ قال العقاد عن ابن الرومي: (كان شاعراً في جميع حياته، وحياً في جميع شعره).. وعندي أن فيصل صحافي في جميع حياته، وحياً في جميع ما كتب وسيكتب من مادة صحافية، فحياة فيصل عندي امتدت لمائة وعشرة أعوام وستستمر بإذن الله في العطاء والبوح والفوح بأزكي الطيب.
٭ قلت لحبيبتي ألق: إن فيصل طاعن في السن، بلغ من العمر مائة وعشرة أعوام إلا ثوانٍ، فعمر الصحافة السودانية الآن مائة وعشرة أعوام، وفي تقديري أن فيصل نظر إلي تاريخ الصحافة السودانية، بعين الاعتبار والمسؤولية، وهضم وتمثّل مافيها، وارتبط بها عن طيب خاطر، من لدن أحمد يوسف هاشم إلى محجوب محمد صالح، وواصل المسيرة مع علي حامد وفضل الله محمد، وجايل حيدر المكاشفي وزهير السراج، وزامل راشد عبد الرحيم، وود الشيخ وراجي، وعلاقته متميزة مع شبكة الصحافيين شباباً وشابات.. لينا يعقوب، وعلوية مختار، وسارة تاج السر، واستاذتهن واستاذتنا آمال عباس.
وهذا ما جعل عمره مائة وعشرة أعوام إلا ثوانٍ.
بارك الله في عمر فيصل
وفي عمري
وفي عمر تلاميذ محجوب محمد صالح (مصطفى أبو العزائم وعبد الرحمن الأمين).. الذين تتلمذنا على أياديهم.
آمين
وكل جائزة والسودان مرفوع الرأس
الخرطوم ـ حسن البطري: صحيفة الصحافة
[/JUSTIFY]
القائل كل يؤخذ من حديثه ويرد إلا صاحب هذا القبر إنما هو الإمام مالك رحمه الله وليس سيدنا علي كرم الله وجهه ورصي عنه.لذا لزم التنويه.
الاخ فيصل محمد صالح عرفته ونحن اطفال بحى سلبونا ببورسودان لعبنا سويا كرة القدم برابطة البر الشرقى وتزاملنا بمدرسة البحر الاحمر الثانوية فيصل منذ ان عرفته طفلا فهو صادق امين عنيد فى رأيه عندما يكون على حق لا يخاف فى قول الحق لومة لائم وهذه الجائزة التى حصل عليها فهو يستحقها حقا ولن تضيف الى شخصه شيئا فهو علم فى رأسه نار نعتز ونفتخر به مواطنا سودانيا صادقا نبيلا فله التحيه ونتمنى ان يمضى قدما فى طريقه من اجل هذا الوطن العزيز