تحقيقات وتقارير
«سلفاكير» انحنى للعلم في الـخرطوم و«البشير» يتحدث من القلب في جوبا
عرف رئاسي
الرئيس «البشير» هبطت طائرته في مطار جوبا وتنتظره قبعة «سلفاكير» على مدرج الطائرة، وأسفلها كل تلك القضايا وغيرها من الموضوعات التي لا تُطرح في الهواء الطلق، وإن اقترب الناس من تلمسها. وحكومة دولة جنوب السودان انتظرت الرئيس «البشير» بالعرف الدبلوماسي الرئاسي ذاته الذي استقبلت به الخرطوم الرئيس «سلفاكير».. صفوف من وزراء الحكومة الجنوببية، ومن طاقمها العسكري ممثلاً في جنرالاته الكبار، ورؤساء البعثات الدبلوماسية ورجالاتها المعتمدين لدى جوبا.. صافحهم الرئيس «البشير» جميعاً، وامتطى السيارات- حسبما حدثني محدثي- وذهبت بهم سريعاً إلى خارج المطار، ليذهب برفقة الرئيس «سلفاكير» إلى القصر الرئاسي بالعاصمة جوبا ليدخلا- وعلى الفور- في اجتماع مغلق، برفقة قادة الملفات الخاصة من الجانبين، ويعقب ذلك اجتماعات ثنائية بين وزراء الجانبين كل مع نظيره الذي يقابله، بينما عقد وزراء القطاع الاقتصادي في الدولتين اجتماعاً بالقصر الرئاسي لبحث اتفاق التعاون المشترك وقضايا القطاع الاقتصادي في إطار مصفوفة اتفاق التعاون بين الخرطوم وجوبا، وأخذت قضيتا فتح المعابر والنفط المساحات الأكبر من خلال النقاشات التي تمت، واتفق الطرفان على تفعيل الجداول الزمنية المتفق عليها في قضايا النفط وفتح المعابر، والتوجه نحو توقيع شامل على اتفاق النفط بين السودان وجنوب السودان.
وتجديد الالتزامات بالوفاء بالمعاهدات والاتفاقات بين الدولتين كان هو الرسالة الأوضح التي أكدها الرئيس «البشير» من خلال كلمته التي ألقاها في خاتمة المباحثات بين الدولتين، بل جدد التزامه وبلاده بالمضي بعلاقات البلدين وصولاً إلى ما يتطلع إليه الشعبان. وأكد «البشير» عزم قيادة البلدين على إزالة كل العوائق أمام حركة المواطنين والتجارة والخدمات بين الجانبين، مشدداً على أن ذلك هو التزامهم على السير يداً بيدٍ بين السودان ودولة جنوب السودان باتجاه توفير العيش الكريم للمواطنين. وعبر رئيس الجمهورية عن أمله في أن يرى المسئولين في كل من الخرطوم وجوبا يلتقون ويزيلون العوائق لتطبيع العلاقات، ويحلون كل الخلافات بما فيها «أبيي».
حديث القلوب
وحديث القلوب يبدو أنه رد عملي على انحناءة التجليل والاحترام للعلم السوداني، التي فعلها الرئيس «سلفاكير» عند زيارته السابقة للخرطوم، ويبدو أن أحاديث الرئيس «البشير» عن علاقات الود مع دولة الجنوب تأتي رداً لذلك التقدير الجنوبي، حيث قال الرئيس «البشير» أمس إنه زار جوبا ضمن الوفد السوداني بقلوب مفتوحة لمواصلة المسيرة بصورة مشتركة بغرض بناء تاريخ جديد يتجاوز كل مرارات الماضي وعقباته، وأشار إلى أنهم يتطلعون إلى غدٍ مشرق للبلدين، وزاد بالقول: (كل القضايا العالقة قابلة للحل، وقيام دولة جنوب السودان ليس النهاية بل هو بداية جديدة لعلاقة مبنية على إخاء صادق وتعاون وإرادة سودانية بحتة).
وربما الرغبة في بناء العلاقات وتمتين التعاون هو الذي جعل الرئيس «البشير» يؤكد دعم السودان لدولة جنوب السودان في كل ما تحتاج إليه من خبرات، واصفاً المباحثات مع الرئيس «سلفاكير» بأنها كانت مثمرة وأخوية وصادقة وجادة، وأنهم عازمون على تنفيذ كل ما اتفقا عليه، وقال إن ما يربط بين البلدين أكثر عمقا وتجذراً، وأن كل الاتفاقيات تهدف إلى إزالة العوائق أمام هذه العلاقة، وأضاف: (نأمل أن نرى المواطنين يتحركون بين الجانبين بالبطاقة الشخصية بدلاً عن التأشيرات).
«الجاز» و«داو»
وبدا أن الاجتماعات، التي ضمت وزيرَيْ النفط في السودان وجنوب السودان الدكتور «عوض أحمد الجاز» و»استيفن ديو داو» أكدت أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأن النفط يُعد واحداً من أساسيات التنمية والاستقرار والأمن بين الدولتين، وله أهمية وفائدة على صعيد بناء علاقات جوارٍ جيدة.
وقال وزير النفط الدكتور «عوض أحمد الجاز» في تصريحات صحفية إن زيارة الرئيس «البشير» إلى جوبا تعتبر نقلة نوعية وإضافة حقيقية لتوطيد وتمتين العلاقة بين الدولتين؛ حتى ينعم شعبا البلدين بالاستقرار والنماء. وأشار إلى أن اللجنة المشتركة وجهت وكيلي الوزارتين لوضع برنامج عمل وفقاً للاتفاقية الموقعة بين الجانبين، وأضاف بالقول: (الزيارة أعطت مؤشرات إيجابية من شأنها دفع اقتصاد البلدين لمناحي أفضل، وهناك منافع مشتركة من هذه العلاقة إذ إنه يمكن للخرطوم شراء نفط الجنوب العابر بالسودان، كما يمكن لجوبا الاستفادة من الطاقات التكريرية المتوفرة في السودان والاستفادة من الخام في توليد الطاقة الكهربائية).
احتياجات نفطية
ويبدو أن أهمية فتح المعابر لم يدركها المتعايشون على الحدود وحدهم، وذلك ما دفع بالدكتور «عوض الجاز» إلى التأكيد على أهمية فتح تلك المعابر الحدودية لعبور النفط، وقال إن دولة جنوب السودان تحتاج إلى ترقية إنتاجها النفطي، والسودان هو الأقرب والأقل تكلفة لتكرير وتصدير خام نفط الجنوب. بينما وصف وزير نفط دولة جنوب السودان «استيفن ديو داو» نتائج اجتماع اللجنة المشتركة بأنها إيجابية ومثمرة وبناءة، مؤكداً عدم وجود مشاكل كبيرة في مجال النفط وتدفقه، وربما رمى «داو» من خلال تلك الإشارات إلى أن توقف النفط وتعطل المصالح الاقتصادية بين السودان وجنوب السودان يعود إلى الخلافات الأمنية والتقديرات السياسية في المقام الأول والأخير. وقال «داو» إن الاجتماعات المشتركة هدفت لتحقيق التعاون وتقوية الصلات بين الوزارتين وضمان استمرار انسياب النفط عبر المصافي السودانية.
وأكد «داو» للمرة الثانية أن الخلافات بين البلدين أسبابها المخاوف أو التحركات الأمنية على حدود الدولتين أو بصورة أخرى مخاطبة قضايا الدعم والإيواء التي ظلت تقف حجر عثرة أمام تقدم عجلة علاقة البلدين. والناظر لنتائج القمة الحالية بين الرئيسين «البشير» و»سلفاكير» يجدها متطابقة مع ما تم التوقيع عليه بينهما في السابع والعشرين من سبتمبر في العام 2012م؛ ما يعني أن المشكلة التي تواجه علاقة البلدين في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وتجاوز بعض التداخل في القضايا وإزالة التقاطع في التفسيرات التي تلازم ترجمة النصوص إلى أعمال في أرض الواقع، ولكن من جانب آخر فإن زيارة الرئيس «البشير» إلى جوبا في حد ذاتها تعتبر نجاحاً ودفعة سياسية لعلاقة البلدين ومحاولة الانتقال بها من مربع القطيعة إلى فضاء التعاون والتفاهم، وبجانب آخر تمثل رداً عملياً على زيارة الرئيس «سلفاكير» إلى الخرطوم، وربما تسهم في إحداث انفراج نسبي في التوتر الداخلي الذي تعيشه جوبا وحكومتها؛ بسبب التصعيد الذي يمارسه أبناء «أبيي» خلال الفترة الماضية مستندين في ذلك على بيان صادر من مجلس السلم والأمن الأفريقي يعلي من شأن التوصل إلى تسوية بشأن الوضع النهائي لأبيي (الاستفتاء)، ويجعل من قضية تشكيل المؤسسات الإدارية والأمنية شأناً ثانوياً، وذلك ما جعل بعض أبناء «أبيي» وعلى رأسهم «دينق ألور» و»لوكا بيونق» و»إدوارد لينو» ينظرون إلى قمة الرئيسين بشيء من الحذر بل إن بعضهم قال صراحة إن مخرجاتها ستجد القبول حال تطابقت مع مقترحات مجلس السلم والأمن الأفريقي.
تحرك دولي
تأتي تلك التحركات بين الدولتين وقمة الرئيسين في وقت يتحدث فيه بعض الفاعلين من قادة المجتمع الدولي أو الأمريكي عن وصفات واشتراطات للتوصل لتسوية وسلام دائم بين السودان وجنوب السودان، وفي ذلك يقول المبعوث الأمريكي السابق للسودان «برليستون ليمان» في مقال نشره في اليومين الماضيين إن حلول المشكلات بين السودان وجنوب السودان تتمثل في استمرار تعاونهما بروح صادقة في تجاوز خلافاتهما ومعالجة مشكلاتهما الداخلية المتعلقة بالحوار السياسي ومعالجة المشكلات الأمنية، حيث بدا «ليمان» واضحاً في طرحه ذلك سواء في تشخيص العلل الموجودة في داخل الدولتين أو معالجة ارتباطاتها الخارجية، كما بدا متضجراً من استمرار مساعدة المجتمع الدولي للجنوب في مشكلاته الداخلية. وقال إن الوقت بدأ في النفاد، وربما ذلك يعني أن ملف السودان الذي ظل حاضراً في الانتخابات الأمريكية سيشهد تحركات كبيرة خلال الفترة القادمة وضغوطاً متزايدة على الدولتين في اتجاه تجاوز خلافاتهما سواء عبر دعم قرارات الاتحاد الأفريقي القاضية حتى بالضغط على حركات دارفور أو غيرها.
نص البيان الختامي
بدعوة كريمة من فخامة الفريق أول «سلفاكير ميارديت» رئيس جمهورية جنوب السودان، قام فخامة المشير «عمر حسن أحمد البشير» رئيس جمهورية السودان، اليوم (الثلاثاء) 22 أكتوبر 2013م، بزيارة رسمية لجمهورية جنوب السودان على رأس وفد رفيع المستوى، في إطار الزيارات الرئاسية المتبادلة بين البلدين كأرفع مستوى في آليات تنفيذ اتفاقيات التعاون، ولبحث جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك.
جرت خلال الزيارة، التي استغرقت يوماً واحداً، مباحثات ثنائية بين البلدين على المستويين الرئاسي والوزاري، بالإضافة لبحث أوجه التعاون على مستوى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني خاصة في مجال الأعمال والاستثمار وتبادل الخبرات في جوانب تنظيمات العمل بالبلدين.
عبر السودان خلال المباحثات عن تضامنه ومؤازرته لحكومة وشعب جنوب السودان في كارثة الأمطار والفيضانات التي أحدثت أضرار واسعة بالبلاد، وقد شرع السودان بالتنسيق مع الجهات المعنية بجنوب السودان في إرسال المعونات الغذائية والأدوية ومواد الإيواء عبر الجو والبر والنقل النهري في إطار علاقات الصداقة والتعاون بين الشعبين الشقيقين.
جرت المباحثات في أجواء ايجابية، وجاءت أهم مخرجاتها على النحو الآتي:
الإسراع في تحديد خط الصفر بغرض إنشاء المنطقة الآمنة منزوعة السلاح قبل منتصف نوفمبر 2013م، وإحكام التنسيق لمنع الإيواء والدعم للحركات المسلحة، والإسراع بإجراءات فتح المعابر الحدودية بين البلدين بمجرد تحديد خط الصفر، عبر الجانبان في هذا الشأن عن رضائهما عن التقدم المحرز في انسياب وتصدير النفط. البدء الفوري في التنسيق للإدارة المتكاملة للحدود لتكون جسراً للتواصل وتبادل المنافع والمشروعات المشتركة بين البلدين. الاستمرار في التحرك المشترك لإعفاء الديون ودعم التنمية بالبلدين ورفع العقوبات الاقتصادية، وذلك بتقوية وإحكام الآليات المعنية بذلك. تم التوقيع على اتفاقية لإعفاء حملة الجوازات الدبلوماسية والرسمية من تأشيرات دخول البلدين كخطوة أولى في تيسير تحركات المواطنين بين البلدين. تنظيم مؤتمر للوليات الحدودية في البلدين في منتصف ديسمبر 2013م بغية تعزيز هدف الحدود المرنة، وتيسير تبادل الخبرات، وبناء القدرات على مستوى الحكومات والأجهزة المحلية. تسريع عمل اللجان المشتركة لمراقبة وتصدير النفط. تعزيز التعاون بين المصرفين المركزيين والقطاع المصرفي في البلدين لتيسير الدفعيات وتنسيق السياسات النقدية والرقابة المصرفية. توجيه المصرفين المركزيين في البلدين للعمل كميسرين للتجارة والتحويلات المالية والمعاشات والمعاملات التجارية. الاسراع بإنشاء إدارة أبيي والمجلس التشريعي وأجهزة الشرطة والتأكيد على أن نسبة (2%) المخصصة لمنطقة أبيي من عائدات النفط المنتج بالمنطقة سيتم تسديدها لإدارة أبيي بما في ذلك المتأخرات.
عبر فخامة الرئيس «سلفاكير» عن شكره لفخامة الرئيس «عمر البشير» على إرسال معونات إنسانية جوا ًللمتضررين من الفيضانات في جمهورية جنوب السودان.
قدم فخامة السيد رئيس جمهورية السودان الشكر لشقيقه فخامة رئيس جمهورية جنوب السودان على حفاوة الاستقبال وحسن الضيافة التي حظيت بها زيارته، وقدم لفخامته الدعوة لزيارة السودان لإعطاء المزيد من الدفع للعلاقات بين البلدين الشقيقين.
صدر في جوبا في يوم (الثلاثاء) الموافق الثاني والعشرين من أكتوبر 2013م.
تقرير : أحمد دقش: صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY]