الإصلاح والتخريب في المؤتمر الوطني
حتى امتلأت مقامات السمع بالدهشة: كيف تسنى لمن مشى في موكب العز وشهد المشاهد ورافق الشهداء أن يسعى لفك عروة الجماعة، وتلقف عين ما تقوله المعارضة وإعادة انتاجه بدمغه بتيار الإصلاح؟.
ومن مفاهيم اللغة ظلال الكلمة والمعنى في ما يقابله، فإذا قلت (الحق) يقع في مقابله (الباطل) دون حاجة لذكره، وإذا قلت الفجر الصادق بمعنى هناك فجر غير حقيقي أو متوهم وبالتالي.. يُنسب لتيار الإصلاح المدّعى في المؤتمر الوطني أنه مقابل تيار يتسم بالخراب أو عدم الرغبة في الإصلاح أو العجز عن الإصلاح.
الأمر كله ليس بدعاً مما حدث في عشرات الكيانات السياسية والتنظيمات أن تتباعد المسافات الفكرية وتتجافى الرؤى حتى تقع البينونة صغرى رجعية، أم كبرى أبدية (إلا إذا نكحت زوجاً غيره) دون إثارة هذه الدوامات الإعلامية وعواصف التصريحات والتشنئة الجهيرة.
المؤتمر الوطني حزب كغيره من الأحزاب تقع فيه الخلافات ولكن بالضرورة داخل الأطر التنظيمية، لأن مجرد الخروج عن قواعد المؤسسة سيجر وبالاً على كل المنظومة وسيترتب عليه فساد أكبر بكثير من المصالح المرجوة. وربما سيجد ذلك الإصلاحيون في مقبل أيامهم إذا تيسر لهم إنشاء كيان حزبي سياسي جديد، حتماً سيقع الخلاف والتباين في الآراء. ومن جينات الخروج ستخرج طائفة على الحزب الإصلاحي ربما بدعوى إصلاح الإصلاح وعندها سننظر (إذا قدّرت الحياة) عواصم الإصلاح من قواصم دعوى الإصلاح.
أما سوق المزايدات المسطور في المذكرة أو سمها المحرضة (بفتح الراء أو كسرها سيان): إيقاف الإجراءات الإقتصادية وإعادة الدعم للمحروقات دون الإجابة عن موارد تغطية عجز الميزانية واختلال ميزان التجارة، والتوصية بإحالة الملف إلى لجنة مختصة لمعالجة علة الاقتصاد، فالحكومة ستعقد مؤتمراً اقتصادياً جامعاً لتشريح أدواء الاقتصاد السوداني والبحث عن المعالجات وليست مجرد لجنة والحكومة لا تنقصها الخبرات الاقتصادية.
أما آليات الوفاق الوطني مع القوى السياسية فهذه مصطلحات تبدو كسراب القيعان، قدر ما سعت الحكومة لتحصيل هذا الوفاق أخفقت، لأن مفهوم الوفاق إذا كان المشاركة في الحكومة فإن بعض الأحزاب قد شاركت، وقطعاً لن يكون ممكناً أن تتشكل حكومة من جميع أطراف القوى السياسية في الوطن على كثرتها وتضارب مشروعات الحكم عندها، وتباين أيدولوجياتها، وعدم قدرتها على احتمال الخلاف داخل بيتها الواحد وعضويتها الملتزمة تماماً كما فعل الإصلاحيون الذين ضاقوا ذرعاً بآراء الآخرين ولم يحتملوا فشلهم أو استبعادهم في إجراءات مؤتمرات الحزب وإصرارهم على إمضاء ما يعتقدون أنه الحق، فلجأوا إلى إثارة الرأي العام بهلامٍ من لغو الكلام مرددين ذات مفردات اليسار (إطلاق الحريات).. وما المقصود بهذه الحريات؟ الأفضل أن نسميها باسمها.. ومتى اعتُقلت؟ ولماذا اعتُقلت؟ وأيهما أفضل لبناء المجتمع المنشود ـ مجتمع الفضائل ـ أن نعتقلها أم نطلقها كما يطالب أهل اليسار وأخيراً الإصلاحيون؟.
أما رفع الرقابة على الصحافة فهو ليس بجديد وليس وقفاً على هذه الحكومة ولكنه مطلب قديم متجدد حتى في حكم الديمقراطيات التي يعتز بها أهلها (في السودان) وذلك لتقديرات أخرى متعلقة بالأمن الوطني الذي لو تُرك فيه الحبل على غارب الصحافة لاضطربت أحوال الأمن الوطني واخترقته المهددات، ولكن يتم كل ذلك بحسبان أن تتفسح الحريات الصحفية في المجالس لمشاركة آخرين، وليس غائباً بالطبع عن وعي الإصلاحيين دور الإعلام وصناع الأمن والسياسة في العالم في توظيفه بالجهر والكتمان في أمهات قضايا الأمن الوطني والمصالح الحيوية للدولة.
ولم يمنع ذلك الولايات المتحدة رائدة الحريات في العالم (حسب الادعاء) وأم الشرعية الدولية والقانون الدولي وحقوق الإنسان، لم تمنعها كل هذه القيم والقوانين أن تحدد ما يقوله الإعلام في حرب العراق وأن تلاحق من يتجاوزون الخطوط الحمر بالتسريبات.
ولم تنقض بعد أزمة التجسس الأمريكي على المكالمات الفرنسية، إذ سجلت أمريكا أكثر من سبعين مليون مكالمة هاتفية فرنسية في شهر واحد، كل ذلك لزوم تحقيق الأمن الوطني الأمريكي على حساب الصداقة الأوروبية الأمريكية وفي داخل الحلف الواحد، حلف الأطلسطي. فالدول لا تُبنى بالادعاء (النيئ) ولا النوايا الطيبة ولكن بالسياسة الجغرافية وتحقيق الموازنات بين مطلوبات الأمن الوطني والأنشطة البشرية عامة والقوانين المنظمة لها.
المؤتمر الوطني قطعاً لا يخلو من عيوب وتقصيرات تحتمل المداواة لا التجزئة والتشريح، ولئن عفا وصفح عن محاولات الانقلاب والتخريب، ورمَّ جراحات المتفلتين دون مواساة بتقدير العفو عند المقدرة، نخشى أن يكون ذلك العجز عند المقدرة
لواء ركن (م) يونس محمود: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]
احسنت =امريكا تطارد اسنودن لانة نشر معلومات عن تجسسها علي الدول وامريكا اكبر مدعي في العالم عن الدفاع عن الحريات ورغم ذلك تمنع نشر ماتعتقد تاثيرة علي امنها الحرية المطلقة تعني الفوضة