رأي ومقالات

البيقاوي : أغلبية الذين شاركوا في التظاهرات هم من الشباب الذين تقل اعمارهم عن عمر ثورة الإنقاذ الوطني

الحمد لله نهض وطننا السودان بعد ان كاد ان يكبو ويبرك سياسيا في قاع الخطر إبان الهبة الإحتجاجية في سبتمبر 2013م والتي انطلقت حسب توقعات الدولة برفض المواطنين لقرار رفع الدعم, وعدم توقع او تصديق الاحزاب السياسية المعارضة والتي لم تكن لديها خطط جاهزة لقطف ثمار تلك الهبة وتحويلهاإلي انتفاضة أو ربيع أفروعربي, ولايخفي علي المراقب كيف تجاوزتهاالاحداث وتمكنت الدولة من التقاط القفاز قبل ان تنتبه هذه الاحزاب. والشيء الذي فاجأ الجميع هو ذلك التيار التخريبي العنيف الذي طال ممتلكات المواطنين وممتلكات الدولة.وليس هناك رابح من حرق بصات (الوالي) المواصلات العامة والصيدليات وسيارات المواطنين ومحالهم التجارية.

هذا التيار التخريبي هو الذي اعطي الدولة الحق الدستوري في مواجهة العنف بالعنف لاستعادة الهدوء والاستقرار وفرض هيبة الدولة, قاضية بذلك في موجة أمنية واحدة علي كافة مظاهر الإحتجاج السلمية وغير السلمية معا, ًمما أوقع عدداً من الضحايابين قتيل وجريح ومعتقل. وقررت الدولة اجراء التحقيقات اللازمة وتعويض المتضررين وتحمل مسئولية من تضرر بسبب أجهزة الدولةالمعنية, ومهما تشككت بعض الجهات في مدي جدية الدولة في إجراء هذه التحقيقات بصورة نزيهة, فإنها تعتبر إجراءاً صحيحا 100%..

الآن وقد هدأت الأحوال وهمد الشارع السوداني وعادت الحياة إلي طبيعتها, السؤال هو: هل بالفعل قبل الشعب السوداني برفع الدعم ام صمت رفضاً لذلك التيار التخريبي العنيف الذي عاث في ممتلكاته الشخصية وممتلكات وطنه تخريباً؟. وما هي الدروس التي يمكن ان تستفيد منها الدولة حكومة وشعباً, وتضع الحلول الناجعة التي تمنع تكرارها بل وتبتكر سلاماً اجتماعياًوسياسياً مستداماً ينطلق بالسودان إلي ذري المجد والتقدم والإزدهار.

أري أن الدرس الأول المستفاد هو ان لصبر الشعب السوداني فيما يتعلق بالظروف المعيشية حدود معينة إذا بلغها خرج عفوياً الي الشارع. ولا أعتقد انه من المناسب للدولة توسعة وتمديدهذه الحدود المعينة بإستخدام اجراءات أمنية استثنائية باستخدام قوات الامن والشرطة والجيش او حتي المليشيات الحزبية او قل الدفاع الشعبي او الشرطة الشعبية ضد الشعب وضد المواطنين العزل علي طريقة النظام السوري, وذلك لان الدستور القائم يمنح المواطنين حق الإحتجاج السلمي لدي السلطة الحاكمة, للتعبير عما يضيرهم. وهذه القوات المتنوعة يجب أن تواجه وتصادم وتقاتل اعداء الوطن وليس أبناء الوطن خصوصاً عندما يخرجون للتعبير عن انفسهم وعن قضاياهم سلمياً.

الدرس الثاني هو ان يفضي هذا الوضع الراهن الي كتمان المواطنين لغضبهم وعدم رضائهم وتحويل عدم الرضا هذا إلي قنبلة موقوتة تفتت عضد الجبهة الداخلية قبل انفجارها. الدرس الثالث هو أن حالة عدم الرضا هذه ستوفر البيئة المناسبة لنمو قدرات أصحاب الطموحات السياسية المغبونة حتي ولو لم تكن برامجهم واطروحاتهم تتماهي مع مصالح الوطن اضافة لارتباطهابالجهات الخارجية.

الدرس الرابع يتعلق بإمكانية إعتقاد الدولة بانهاقد انتصرت في هذه الجولة واعتبار ما جري مجرد تمرين ديمقراطي أقنعت فيه مواطنيه االشرفاء بإلتزام الهدوء قسرياً وتراهن بعد ذلك علي تحسن الاوضاع الإقتصادية وفق الحزم التي اقترحها اقتصاديو الدولة. فإذا حدث لا قدرالله تلكؤ او انهيار لأى سبب في هذه البرامج الإقتصادية والمصفوفات التي بشرت بها الدولة المواطنين فإن ذلك سيدفع بإتجاه تكرار هبة سبتمبر لا سمح الله او الي حدوث ما هو أسوا منها.

الدرس الخامس هو أن تلك الهبة الإحتجاجية قد بدأت عفوية ومطلبية تنادي بإنزال الدعم الذي رفع وتسأل عن إصلاح الظروف المعيشية ولكنها فجأة تحولت الي تيار تخريبي عنيف ثم إلي مطالب سياسية تنادي بتوسيع سقف الحريات بل إلي تغيير النظام نفسه بصوت مرفوع وهتاف مسموع في جرأة ومواجهة مع الغاز المسيل للدموع والعصي والرصاص الحي.

الدرس السادس والاخير هو أن أغلبية الذين شاركوا في تلك التظاهرات هم من الشباب الذين تقل اعمارهم عن عمر ثورة الإنقاذ الوطني. وأن بعض هولاء الشباب إن لم يكن جلهم, يفترض أن يكونوا قد تخرجوا من المدارس الثانوية وبالتالي لابد ان يكونوا قد تدربوا علي حمل السلاح والتكتيك الحربي في دورات الخدمة الوطنية من عزة السودان والدورات الخاصة, حيث انه ليس بامكان طلاب الثانوية دخول الجامعات بدون أداء الخدمة الوطنية وفقاً لقانونها. اما إذا كان هؤلاء الشباب المشاركين في هبة سبتمبر الإحتجاجية هم من الفاقد التربوي او العاطلين عن العمل او القادمين من مناطق السودان الاخري ولا نقول المهمشة التي تعاني من ويلات الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق أو هم من الشماسة او أصحاب الحاجة ولا اقول الشحاذين, فتلك أيضاً مصيبة كبري وهي بالنهاية مسئولية الدولة. وهؤلاء الشباب هم أبناء السودان ولابد من استيعابهم ومعالجة أوضاعهم, حتي لا يبقو علي حقد من المجتمع فينقضوا عليه متي ما سنحت لهم الفرصةولا يوجد أي بديل آخر إذ لا يمكن التخلص منهم البتة ولايجب ان يحدث ذلك.

إذن ما هو الحل؟ اعتقد أن الحل يكمن في إنخراط الدولة حكومة وشعباً وبصورة عاجلة في مبادرة لإنشاء برنامج شامل للإصلاح السياسي الذي لا يستبعد أحداً من القوي السياسية والكيانات الوطنية الحادبة علي مصلحة الوطن ولا الحركات المسلحة في جميع انحاء الوطن بلا استثناء عبر الإعتراف المتبادل بين كافة القوي الوطنية والحوار الجاد المفضي إلي نتائج تتمثل في استدامة الوفاق السياسي الشامل من اجل مصلحة الوطن والمواطن. والدولة هي الجهة المسئولة عن القيام بهذه المبادرة الهامة والتي يتوقع ان تنقذ الوطن من الفتن المحدقة به وتؤلف بين قلوب ابنائه جميعاً مما يسمح بتوحيد الصف وعودة العقول المهاجرة والإنطلاق نحو الإستقرار والتنمية.

ومن المطلوبات الهامة لضمان انطلاق مثل هذه المبادرة للإصلاح السياسي الشامل أن يكون الأخ السيد/ رئيس الجمهورية فوق الجميع ويجعل المسافة بينه وبين جزبه مساوية للمسافة بينه وبين بقيةالاحزاب والكيانات المختلفة وعامة الشعب بإعتباره رئيس الجميع وقائد للامة اختاره الله لهذه المهمة في هذا الوقت بالذات مهماتعاظم نقد الناقدين لكيفية تقلده لهذا المنصب, فالله سبحانه وتعالي هو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء.

برقت في كردفان مؤخراً وبعد تلك الهبة الإحتجاجية العاصفة وقبل أن ينزل الدعم الذي رُفع, برقت ومضة سياسية تصالحية وفاقية بين الحزب الحاكم واحزاب الموالاة واحزاب المعارضة حيث تواضع الجميع علي مشروع موحد لتنمية الولاية وقرروا ترك خلافاتهم السياسية جانبا والتركيز علي مشروع نهضة كردفان مصطفين خلف الاخ والي الولاية الذي يحظي بتقدير الاخ/ السيد الرئيس الذي كرم شعب كردفان بزيارته في حضره وريفه وبادله شعب كرفان حبا بحب ووفاءا بوفاء, وهذه الزيارات الميدانية لها مفعول السحر في مواطني الارياف المحتاجين للدعم الإقتصادي والمعنوي.

فإذا كانت تلك الأحزاب المتعاونة والمتفقة علي برنامج تنموي انموذجي بمافيها المؤتمر الوطني هي فروع لكيانات توجد رئاساتها بالمركز في الخرطو,م فما الذي يمنع من اشعال هذه الومضة لتضيء سماء السودان, وتهدين الرتق نسيجه الإجتماعي من جديد وتخرج بالسودان من وضع الشقاق والتشظي السياسي الحالي الذي يعيشه الآن؟. لا اعتقد أن هذا أمراً مستحيلاً علي الإطلاق والعشم يظل قائما في تعميم ومضة كردفان اللامعة لرتق نسيج السودان السياسي. والله المستعان.
المهندس/ إبراهيم عيسي البيقاوي