منى سلمان

حكاية زول عادي


[ALIGN=CENTER]حكاية زول عادي ![/ALIGN] كان شيخ (صالح) شيخا عالما يشهد له بالتقوى والصلاح، وكان أهل حيه صغيرهم قبل كبيرهم يكنون له الاحترام والتبجيل، وفي ذات ليلة استيقظ الشيخ من نومه قبيل الفجر بقليل، وجلس على فراشه مستبشرا وهو يردد:
لبيك يا رسول الله.
فقد رأى في منامه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يناديه ويطلب منه أن يذهب لشخص ما سماه له، ويبلغ ذلك الشخص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقريه السلام ويبشره بالجنة ..
في طريقه للبيت من المسجد بعد انقضاء صلاة الصبح مال الشيخ على جاره (كامل) وسأله:
دحين يا كامل أخوي .. بتعرف ليك شيخا عالم في حلتنا دي وللا الحلال الجنبّنا اسمو (عثمان المجتبى)؟
اجابه (كامل) بعد قليل من التفكير:
ابدا والله يا شيخنا.
لم يأل شيخ (صالح) جهدا طوال ايام الاسبوع في السؤال والتقصي عن ذلك الولي الصالح، ليبلغه ببشرى المصطفى صلى الله عليه وسلم .. لم يترك احدا من اهل الحي دون ان يسأله .. اصحاب البقالات والمصليين بالمسجد وحتى الجزار والخضرجي و(سيد اللبن) بحكم معرفته بالحي والاحياء المجاورة، ولكن دون جدوى ففتر عزمه وتراخى عن البحث، حتى عنّ له في ذات يوم أن يسأل المدعويين عن الرجل ضالته، بعد حضوره لعقد قران ابن واحد من اصدقائه في حي مجاور، فأجابه احد المدعوون وهو يشير نحو رجل في عقده الخامس يجلس على مقربة منهم وهو يقول:
والله الزول القاعد هناك ده جارنا في الحلة واسمو عثمان محمد المجتبى .. لكن ده زول موظف عادي لاهو شيخ وللا عالم.
اهتم شيخ (صالح) بالاستفسار اكثر عن الرجل فسأل عن سيرته في الحي وتدينه فلم يجد – لخيبته – شيئا مميزا، فقد اخبروه بأنه (زول عادي ساي) متزوج وله من الابناء اربعة في مختلف المراحل التعليميه، متوسط الدخل وليس بالغني ولا بالفقير، ورغم انه لا يصلي كل اوقاته بالمسجد إلا انه لا يغيب عن صلاة الجمعة.
تحير الشيخ من تلك المعلومات وشك في نفسه ورؤياه ولعله اخطأ في حفظ الاسم، فهذا الرجل شخص عادي لا يتميز عن الآخرين بشيء يؤهله للتبشير بالجنة، لا في زيادة التدين ولا العلم وليس هو بالثري الذي ينفق بسخاء على الفقراء والمساكين، بل انه لم يحج بيت الله الحرام بعد.
صرف الشيخ نظرا عن الموضوع وتناساه إلى ان استيقظ قبيل الفجر مرة أخرى على رؤية واضحه للمصطفى الحبيب يلومه على تقصيره في تبليغ الوصية .. انتظر الشيخ مغيب شمس ذلك اليوم بفارغ الصبر وذهب للحي المجاور حيث سأل عن منزل (عثمان المجتبى) .. توجه إليه وطرق على الباب بعد ان دله عليه صبية في الطريق.
رحب به صاحب الدار وادخله دون ان يسأله – تهذيبا – عن هويته أو الغرض من زيارته إلى أن بادر الشيخ بنفسه للكلام فقال:
والله أنا متردد ومحرج منك يا اللخو .. وخايفك تقول علي ده راجل عجوز خرفان وللا مجنون .. لكن قالو الوصية في الذمة وأنا موصى ابلغك رسالة.
حكى الشيخ لمضيفه عن بحثه الدؤوب عنه ليبلغه برؤياه ثم بشره بأن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يقريه السلام ويبشره بالجنة .. انفجر صاحب الدار بالبكاء وخر ساجدا لله ثم قال بعد أن تمالك نفسه (وعليك يا رسول الله السلام).
بعد أن هدأ (عثمان) سأله الشيخ بالله ان يخبره عن عبادته أو الشيء الذي يفعله واستحق عليه بشارة الجنة، فأخبره (عثمان) عن القصة التي احتفظ بها سرا ولم يعلم بها سوى الله .. حكى له عن وفاة احد اصدقائه قبل حوالي العشرين عاما تاركا خلفه مجموعة من زغب الحواصل دون كافل أو معين، أسر (عثمان) لشيخ (صالح) بأنه طوال تلك السنوات كان يأخذ مرتبه من العمل ويقتسمه مع اسرة ذلك الصديق دون ان يعلموا بذلك، فقد اوهمهم بانه قد تمكن من استخراج دعم شهري لتلك الاسرة من احدى المنظمات الخيرية ليستعينوا به على تصريف شئونهم حتى يكملوا دراستهم ويعتمدوا على انفسهم .. اقسم (عثمان) للشيخ على انه واظب على ذلك التصرف طوال تلك السنوات دون ان يخبر احد حتى زوجته، فلم يتمالك شيخ (صالح) نفسه وهو يمسح دموعه التي غطت لحيته تأثرا وهو يؤمن على قول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:
(أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. الرائعه حد الدهشه/ بت عم سلمان
    سبحان الله .. كلام عجيب طبعا. والرسالة واضحه وضوح الشمس في كبد السماء.
    نسأل الله أن يجعلنا واياك من المبشرين بالجنة..
    وكما نسأل الله ان يجزاك كل خير عن كل كلمة خطها يراعك حثت على فعل الخير.

    لك منا كل التقدير… دمتي،،،

  2. الاستاذة منى
    لك مني الف تحية فانا من المواظبين على قراءة ماتنثرينه من درر بهذا الموقع فوالله لقد اثلجت صدري هذه القصة ان كانت من الحقيقة فهذا هو المطلوب ام ان كانت من خيال الامنيات بمجتمع متكافل ويدعم بعضه بهضا فجزاك الله خيرا على هذه الدعوة التي جاءت بهذا السياق المحبب لهذا العمل والتي اتت ايضا في سياق ينادي بالفضيلة لا كما يفعل الاخرون وينادون للقبيح من الاعمال
    جزاك الله خيرا وسدد خطاك

  3. الاخت بت سلمان لك التحية
    هذه دعوة كريمة لاصحاب الاموال للانفاق علي اليتامي والمساكين في سبيل الله لان الاجر في هذا الانفاق عظيم .
    وهذه دعوة كريمة منك كما في قول الرسول صلي الله عليه وسلم في معني الحديث الشريف :
    من دعا الي هدي فله اجره واجر من عمل به الي يوم القيامة .:cool:

  4. الغاليه / منى

    والله بين الناس الماره كتيير لهم أفعال تشبه فعل المبشر وأسألي أخوكي أبوحازم

    أنا عملت فترة في مجال الإغاثه متطوع ظننت أني بعمل عمل صالح لك أقسم بالله العظيم قابلت أنواع من البشر حكاويهم لا تخطر على بال ومنهم من يستحلفك بالله أن لا تفشي سره ولا توصف مكانه ويقدمون أعمالهم فقط قاصدين وجهه الكريم بلا من وتملق فالمقام لا يستع لسرد مارأيناه في مجال الخير والقاصدين للآخره
    ولكن نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أصحاب اليمين .

    وجزاك الله ألف خير مدلول القصة كافي لتوصيل الرساله