منى سلمان

بتعاين لي مالك ..؟!!

بتعاين لي مالك ..؟!!
[JUSTIFY] كان (النعيم) متمدداً على العنقريب الهبابي باسترخاء، وقد حمل فنجان الجبنة وانشغل باحتسائه في بطء وتلذذ، عندما انتشله صوت زوجته (ستّنا) من استغراقه وهي تقول بصوتها الأجش:
آ راجل .. النهار حرّ عليك .. تم فنجانك ده بسراع وقوم علي شغلتك الجيت ليها .. براك شايف الماسورة البتشخر دي .. يومين تمام ما كبّت .. والبرميل تراهو داك عدم نقطة الموية التقول تراني.
أجابها: قايم .. قايم !!
وأسرع بشفط آخر رشفتين من فنجانه ..
انتصب واقفاً وتخلى عن انجقادته على مضض، ولكنه لم يتخل عن رغبة خفية راودته بمشاكسة (ستنّا)، فتوقف برهة بعد أن استند بجذعه على شعبة الراكوبة وقال لها مناكفاً:
خشمك النقدّوبة ده أصلو ما ببطل النبيح .. من يومك الضبحتي (الصبُر) وأنا شايفو صبرك قلّ.
ثم اندفع خارجاً هرباً من موال التحسر والنكد، الذي تعودت (ستّنا) على سكبه في أذنيه، كلما جاءت سيرة سخلتها الحبيبة (الصبر) بعد أن اجبرتها الظروف الصعبة على ذبحها مرغمة في ذات زنقة مالية عدم فيها البيت ما يصلح للأكل.
كانت (العافية) هي غنماية (ستّنا) المدللة، والتي قامت بتربيتها منذ أن كانت (سخلة)، حتى شبت عن الطوق واستوت غنماية تسر عيون الناظرين، وتشبع البطون بحليبها كامل الدسم بعد أن انجبت توأميها الصغيرين .. سخيلة أطلقوا عليها اسم (الصبر)، وعتود مشاغب كثير التنطيط والغلبة أسموه (خدّير) .. والذي زاد من شغبه ورعونته خاصة بعد ذبح تومته (الصبر)، فكثيراً ما أعملت قوائمه الشُتُر تكسيراً في عدة (ستّنا)، وعمل لسانه لحساً في خمّار عجينها المُر، عندما يجد الفرصة لـ التسلل برأسه الصغير داخل بُرمة العجين ..
زجر (النعيم) نفسه ليتوقف عن مكاواة زوجته، وحمل الكوريك والطورية مع مفتاح المواسير وبقية الأدوات وتوجه نحو الخارج، فقد قر عزمه على تحويل الماسورة الرئيسية التي تصل البيت بالماء، من مكان اتصالها بالخط الفرعي، لربطها مباشرة بالخط الرئيسي الذي يمد الحي بالماء ..
ورغم ما في هذا التصرف غير القانوني من مخاطرة توقعهم تحت مساءلة ناس الموية، إلا أن معاناتهم الدائمة من انقطاع الماء، مع انعدام أي إمكانية لديهم لشراء موتور كهرباء بسبب إعسارهم الشديد، شجعت (النعيم) للتهور بتحويل خط الماء، خاصة بعد أن سبقه على هذا التصرف الكثير من الجيران في الحي، الذين أغراهم بُعد الحي الكائن في أحد أطراف المدينة عن الرقابة، للتصرف بمعرفتهم الخاصة وفك ضائقة الماء عن بيوتهم.
دار (النعيم) حول البيت وحدد موقع الخط الرئيسي الذي قدّر أنه يمر من ذلك الاتجاه، ثم وضع أدواته وشرع في الحفر مستعينا بخبرته المتواضعة في هذا المجال، عوضاً عن الاستعانة بـ سبّاك محترف لانجاز المهمة بصورة متقنة كما فعل جيرانه من قبله، ولكن الحالة التي دفعتهم لذبح (الصبر) وأكلها بعد العشرة والخوة .. هي نفسها التي دفعته لاستخسار حق السبّاك، وتفضيله لإنجاز المهمة وحده خاصة بعد أن تابع الخطوات التي اتبعها السبّاك الذي قام بتغيير مجرى الماء لجاره المقابل لبيته.
بدأ الحفر بهمة ونشاط مستعيناً بالطورية ثم بالكوريك لإزاحة التراب عن الحفرة ….
مرت ساعة اتسعت خلالها الحفرة من جهاتها الأربعة، وتجاوز عمقها المتر دون أن تظهر ماسورة خط الماء الرئيسية .. توقف عن الحفر للحظات كي يلتقط أنفاسه ويمسح عرقه الذي تصبب حتى جرى بين قدميه ..
تذكر نصيحة (ستّنا) له بالقيام بالعمل في الصباح الباكر، وعدم تمكنه من ذلك بسبب الموعد الملح الذي ضربه بالأمس مع صديقه (الجيلي)، والذي وعده بأن يدبّر له (سلفة) لحين ميسرة، مما أجبره على مغادرة البيت مبكراً لملاحقة ذلك الوعد .. ورغم استعجاله بالعودة ومعه (خفي حنين) لاعتذار (الجيلي)، إلا أن رائحة قلية البن ونكهة جبنة (ستّنا) الصاموتية، دفعته للتراخي والاسترخاء في الراكوبة ليتناول فنجانه منها قبل أن يخرج لتغيير الخط، وهاهو ذا يدفع ثمن تراخيه بعد أن حرّ النهار وتوسطت الشمس كبد السماء، دون أن يظهر ذلك الخط اللعين من تحت التراب..
انحنى ليواصل الحفر بمشقة بعد أن تصلبت عضلاته وأصابه الوهن .. عندما دفع الفضول العتود الصغير (خدّير) -والذي كان يستظل من حر الشمس بظل الحائط قريباً منه – للاقتراب من الحفرة باستغراب ومراقبة ما يفعله (النعيم) داخلها !!
توقف (النعيم) عن الحفر مرة أخرى ورفع بصره بعد أن حجب ضوء الشمس بوضع يده على جبينه، فوجد العتود (خدّير) يقف على حافة الحفرة منحنياً، يرنو إليه بنظراته البريئة المشاغبة، فما كان منه إلا أن رفع يده وهوى بها على وجه العتود المسكين، في صفعة رددت صداها الحفرة ترآآآآح ..
قفز (خدّير) فزعا وانطلق مبتعداً وهو يمأمئ من الألم، وصوت (النعيم) الزهجان يلاحقه وهو يسأل في حنق:
بتعاين لي مالك انت كمان؟!!.
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

‫4 تعليقات

  1. عنوان مقالك يا منى ذكرني بالقصيدة الحلمنتيشية (الاستيكة )أعاين ليها تغمض هي ، تعاين لي أغمض أنا.
    وهو ده عتود ولا ولد الجماعة” بسم الله الرحمن الرحيم “؟ دحين عتود زي ده بخليهو يزازي معانا ؟
    وعن ذكاء الحيوان قرأت قصة تحكي عن رجل أراد أن يذبح سخيلة ،وحمل سكينه وتوجه نحوها، لكنه فجأة انشغل بشئ ورمى السكين على الأرض ومضى، فلما رجع ليذبحها وجدها تدفع السكين برجلها لترميها في حفرة بجانبها، فغير رأيه وتركها ، وقد ورد في الأثر أن لا تذبح الذبيحة تحت أعين رفيقاتها .

  2. المقال دا للأسف يا أستاذة كتبتي زيو زماان يعني بمعني آخر: معاد!!

    الحاجة الوحيدة العملتيها إنك غيرتي في نهاية القصة لكن كمان خليتيها مشوهة بدون أي معني في حين إنو لو جبتيها بي ضبانتا وقلتي إنو المقال دا مكرر لعدم وجود موضوع لكان أحلي وأحسن!!

    لكن برضو التحية ليكي مقرونة بالإعجاب والإستحسان علي حاجتين:
    * مقالاتك الممتعة.
    * صورتك بالحجاب الكامل علي عكس معظم العاملات في حقل الصحافة والإعلام.

  3. رغم انك تربية حبوبات، لكن (دقستي) في حكاية تكون في غنماية (متوامة، بي عتود وسخلةويقوموا يضبحوا العتود ويخلوا السخلة، بالمناسبة عتود وسخلة دي مرحلة طفولة، ولو كبروا شوية العتود بيبقى (عمبلوك) والسخلة بتبقى (عناق. بفتح العين)ولو (العناق)سمينة وخطابها يناطحوا في الأبوات (البيبان) بيسموها (تقرة) وبعد يتزوجوا، بيبقوا تيس و(غنماية/عز) بالمناسبة (سخلة) دي كلام ناس خرتوم، في البلد اسمها (بهمة)، والبهم(جمع) يطلق على صغار الغنم كلها، ان لم يكن جميع الحيوانات. على أي حال مواضعيك، ممتعة، بس النسوان ما بريحن، هسي مرتي من تلقاني بيقرأ مقالك دا تقول لي زولتكم دي ما تغير البمبي دا، ما انسهك، ولمن شافتك في التلفزيون قالك صورتها دي بتاعة الشهادة السودانية ولا شنو؟ شايفة حسادة النسوان!!