حوارات ولقاءات

مدير جهاز المخابرات الخارجية في عهد (مايو) السفير “عثمان السيد” “3”

[JUSTIFY] في حوار الأسرار والخفايا جلست (المجهر) إلى السفير اللواء “عثمان السيد فضل السيد” بمكتبه بمركز الدراسات الأفريقية بالخرطوم، وهو حاصل على الماجستير من الجامعة الأمريكية ببيروت، وعمل مديراً لفرع المعلومات، ثم مديراً لفرع المخابرات الخارجية، وعندما تم ضمه للأمن العام والقومي أصبح مديراً للأمن الخارجي، ووصل حتى منصب وزير الدولة بالأمن الخارجي، ثم عمل سفيراً للسودان بإثيوبيا لأربعة عشر عاماً حتى وصل إلى منصب عميد السفراء العرب والإسلاميين في أثيوبيا..
(المجهر) حاورت “السيد” في الملفات الساخنة في عهده وعن أخطر العمليات الاستخباراتية في الماضي، وخرجت منه بحزمة إفادات جريئة حكى خلالها عن الأدوار الوطنية لجهاز الأمن في تلك الحقبة.. فإلى مضابط الحوار.
} قضية اليهود الأثيوبيين الـ (فلاشا).. من المسؤول عنها وكل شخص ينكرها سواء اللواء “عمر محمد الطيب” أو الفريق “الفاتح عروة” أو الآخرين؟

– هي مسؤولية الدولة، ولا يمكن لضابط برتبة العقيد حينها وهو “الفاتح عروة” أن يتخذ قراراً بترحيل خمسة آلاف من يهود الـ(فلاشا) بطائرات عبر مطار الخرطوم وطائرات تابعة لسلاح الجو الأمريكي، وكمية الطائرات التي نزلت في مطار (تواوا) وحده (14) طائرة، وهذا قرار يتجاوز “الفاتح عروة” بمراحل، والرئيس “نميري” كان يعرف، وقال لي إنه لم يكن يعرف أن هؤلاء (فلاشا) ويهود، وطريقة الإعداد لهذه المسألة لم تكن سليمة، والمخطط لها كان يتجاوز إمكانيات السودان، وشاركت فيها المخابرات الأمريكية مع الـ (موساد) ومع وكالات يهودية غربية تحت غطاء المفوضية السامية للاجئين، ولم يكن بمقدور السودان أن يعيدهم مرة أخرى ولا أن يسمح لهم بالبقاء في السودان، وكان هناك تضخيم غير مبرر من بعض الأحزاب في فترة الانتفاضة ومن النائب العام وقتها، وحاولوا أن يخلقوا من هذا الموضوع قضية جنائية ليحاكموا بها نظام مايو، وهناك يهود غادروا إلى إسرائيل من مصر وتونس واليمن والعراق.

} هناك عائلات سودانية أصولها يهودية.. هل رصدتم أي نشاط لهؤلاء؟

– لم يكن لهم أي نشاط سياسي، ولكن اليهود الذين كانوا في السودان على عهد الانجليز كانوا تجاراً في سوق أم درمان (ناس عبودي) وعدد من التجار، و(عائلة إسرائيل) موجودة في أم درمان و(عائلة خضر)، وهؤلاء كانوا يهوداً ولكنهم بعد ذلك أسلموا، وهم الآن سودانيون.

} يقال إن هناك حادثة أجبرتم فيها أحد ذوي الأصول الإسرائيلية على تغيير شهاداته واسمه ليتعامل معكم؟

– لا أستحضر ذلك، ولكن يمكن أن يكون في الشرطة أو في الأمن العام، ولكن هناك (أسرة إسرائيل) وهم من أصول يهودية وما زالوا موجودين الآن و(ناس كويسين)، وواحدة من بناتهم كانت تعمل سكرتيرة للدكتور “بهاء الدين محمد إدريس” في رئاسة الجمهورية في (عهد مايو) وكان وزيراً في رئاسة الجمهورية، وكان هناك مستشار للرئيس في فترة سابقة يقال إنه من أصول يهودية.
} على ذكر محطة الـ (موساد) التي كانت في السودان في السبعينيات.. كيف تنظر إلى نشاط الـ (موساد) أو المخابرات الأمريكية الآن؟

– بطبيعة الحال، ومنذ أن قامت الإنقاذ، الاستهداف ازداد كثيراً، وما حدث في السودان – مثلما أشارت الكثير من التقارير الإستراتيجية اليهويدية – لا ينبغي أن يتكرر.. فلأول مرة يصل تنظيم إسلامي إلى السلطة بانقلاب، وكان ذلك من اليوم الأول للإنقاذ.. ومن هنا نشطت أجهزة المخابرات لمحاصرة السودان من الداخل أو عبر دول الجوار، وعقد اجتماعات في كمبالا، ويوغندا ما زالت هي قمة العمل الإسرائيلي الأمريكي ضد السودان، ومنذ ذلك الوقت عقد “موسفيني” اجتماعاً رعته “مادلين أولبرايت” وانتهزوا توتر العلاقات بين أثيوبيا والسودان ودعوا له رؤساء أثيوبيا وإريتريا ورواندا، وقالت “مادلين” إن أمريكا قررت أن تدفع (15) مليون دولار لمعارضين ضد الحكومة عبر دول الجوار أو داخل السودان، وهذا نشاط ترعاه المخابرات الأمريكية، وإريتريا معروف أنها لا تملك إمكانات، وقالت “أولبرايت” إن التحالف المعارض يضم قادة أصحاب رؤية جديدة.

} هناك مجموعة من السودانيين الذين كانوا في إسرائيل عادوا إلى السودان.. كرجل مخابرات كيف تنظر إلى ذلك؟

– مائة بالمائة يمكن أن يوظفوا، وإسرائيل وضعت الأجهزة ولا أعرف عددها، وهي تحتاج إلى عناصر موجودة هنا، وأكاد أجزم أن الذين عادوا من إسرائيل سواء من دارفور أو غيرها ومن جنوب السودان، أعداد كبيرة منهم تم استقطابها وتجنيدها وتدريبها، وتم إخطارهم بوجود الأجهزة كذا، وحتى متابعة الأجهزة حسب نوعية العنصر، وأعتقد أن من أكبر المشاكل التي تواجه الأمن القومي السوداني أن نقول إنهم عادوا بعد أن اكتشفوا الوهم، وهم عادوا وانتشروا ولا أعتقد أن أحداً يعلم بذلك، ولا أعتقد أن الذي حدث كان صدفة.. هناك عمل استخباري ضخم جداً يمضي في السودان، وأنا أعرف اثنين في دولة أفريقية معينة أحدهما عين المسؤول السياسي في جنوب السودان وزميله عين نائب لـ “بن شمباز”.

} وما نشاط الشخصين اللذين تعرفهما؟ هل يتبعان لـ(موساد)؟

– قطعاً.. ودولتهما نفسها لديها علاقة وطيدة جداً بـ(موساد).
} وما جنسيتهما؟

– لا أريد أن أقولها.
} هناك حوادث وقعت في السودان ونفذتها إسرائيل مثل حادثة الـ(برادو) في بورتسودان وحوادث البحر الأحمر وقصف مصنع (اليرموك) في الخرطوم.. كيف تنظر إلى الأمر بخلفيتك الأمنية؟

– لو أننا نقرأ ما تقوله إسرائيل، وهي دولة ميزتها الوضوح، هم قالوا إننا لن نترك السودان ليكون مستقراً، نتيجة للإمكانات التي توجد من بترول ومعادن ومياه والموقع الإستراتيجي للسودان.. والإسرائيليون يقولون إن السودان غير أنظمة الحكم في كثير من دول الجوار، وبالتالي يرون أن السودان يشكل عقبة أمام مصالح إسرائيل في تلك الدول وفي البحر الأحمر، وينظرون إلى أن نهوض السودان يشكل مهدداً لمصالحهم.

} كأنك تريد أن تقول إن تلك الأسباب جعلت إسرائيل تتغلغل بصورة كبيرة في السودان؟

– نعم.. سواء أكان من الداخل أو من الخارج، وهم يتابعون بصورة كبيرة ما يجري، والنائب الأول قال إن الكثير من مشاكل السودان تأتي من الخارج، وأعتقد أن الاستهداف سياسة مقررة، وهذه هي إستراتيجية إسرائيل، لذلك داخلياً يجب أن نكون حريصين على متابعة المنظمات التي تدخل السودان والمندوبين، واليوم في السودان يحضر مبعوثون كثر ويذهبون إلى أي مكان دون أن يسألهم أحد، وآن لنا أن ندرك أن الأمن القومي السوداني مستهدف وأن نكون حذرين ونربط الأشياء ببعضها، وهناك مخطط كامل شامل يمر الآن.

} كيف تنظر إلى “صلاح قوش” كضابط مخابرات؟
– أنا عرفته مديراً لجهاز الأمن كما عرفت “محمد عطا” عندما كان نائبه، وهما الاثنان (ضباط شطار)، وبصرف النظر عن “صلاح قوش” أو “محمد عطا” أنا لديّ صديقي مهندس والآن ترك الهندسة وأصبح يقرأ كتب السياسة، و”صلاح قوش” كان ضابطاً متميزاً، و”محمد عطا” الآن يدير جهاز الأمن بصورة ممتازة، ومن إنجازاته مؤتمر الـ (سيسا) الأخير، وحدثني عدد من أجهزة الأمن الأفريقية وقالوا إن ذلك إنجاز كبير، وأعتقد أن أكبر مشكلة تهدد الأمن القومي لأي بلد الاعتقاد بأنها وصلت إلى مرحلة الأمن القومي المطلق، وعندما يقول الإنسان أن لا شيء يخرجه من الحكم تصبح هذه نهايته، وهذه قالها “نميري” وهو في طريقه إلى المطار ومنه إلى أمريكا، وأخبره اللواء “عمر محمد الطيب” بحدوث تظاهرات في جمعية (ود نميري) وحرقها، ولكنه قال إنهم لن يفعلوا أي شيء.. وفي تقييمي أن “نميري” وصل إلى مرحلة الأمن القومي المطلق، وكانت تلك هي بداية السقوط.
} ضابط مخابرات يعجبك أداؤه؟

– هناك ضباط مخابرات يعملون في الميدان وآخرون في غرف التحليل، وأعتقد أن أنجح الميدانيين على الإطلاق هو “الفاتح عروة” و”أحمد الجعلي” وهو من أميز ضباط الميدان في عملية التجنيد، وهما الاثنان لديهما عمل كبير في ذلك، ومعهما أيضاً “جعفر حسن صالح” و”عثمان نوري”، ومن الذين عملوا في التحليل بصورة ممتازة على الإطلاق “إدريس عبد الرحيم” في تقييم المعلومة وتحليلها والوصول إلى الاستنتاجات، وكذلك المرحوم “هاشم أبا سعيد”، وفي الكثير من الأحيان تصدر القرارات خطأ نتيجة للنقل والتحليل والتقييم الخاطئ.

} عندما يتقاعد رجل الأمن ماذا يفعل؟

– كان هناك رجل مخابرات أمريكي شهير ذكر لي أنه سيتقاعد وأنه سيتجه للعمل الخاص والتجارة، وسألته: هل أنت واثق من النجاح في هذا المجال؟ فقال لي إنه ظل لأكثر من ثلاثين عاماً يقنع الناس في العديد من البلدان بأن يخونوا بلدانهم ويمدوه بمعلومات حساسة جداً، لذلك – والحديث لضابط المخابرات الأمريكية – لا يصعب بأي حال أن أقنعهم ليشتروا أية سلعة تجارية أعرضها لهم. ولديّ كذلك مثلان ناجحان جداً في السودان لضابطي مخابرات تقاعدا ونجحا في التجارة، هما “الفاتح عروة” في شركة (زين) للاتصالات، والعميد “أحمد الجعلي” الذي أسس عملاً تجارياً ناجحاً.
} وهل يفقد رجل الأمن حاسة الشك وحساسية التعامل مع المعلومات إذا تقاعد للمعاش؟
– لا يمكن.. لأنها تكون جزءاً من شخصيته، وعندما يطلع على صحيفة بحكم التدريب يقرأ ما وراء السطور، ودائماً حساسية رجل الأمن تلازمه ويثير انتباهه أي مظهر أو منظر طبيعي بحكم ممارسته.. يتوقف عند كل شيء ويلازمه الرصد والتنبؤ ورسم الاحتمالات.
} هل لديك أية كلمة أخيرة تود قولها؟

– أقول للناس إن الصورة المرسومة عن ضابط المخابرات هي صورة خاطئة، ولا يستحق أن يستعاذ منه، والعمل الاستخباري والأمني شريف ومهم ولا يمكن أن تعيش أية دولة بدون أمن، وحتى في السيرة النبوية كان سيدنا “معاذ بن جبل” مشهوراً بعمل المخابرات والذكاء.. والأمن مهم لمصلحة المواطن في السياسة والإعلام والدبلوماسية، وفي كل المجالات، وأعتقد أن المخابرات السودانية كانت وما زالت لديها إنجازات كبيرة جداً.

صحيفة المجهر السياسي
حوار : أحمد دقش
ت.إ[/JUSTIFY]