رأي ومقالات

مثيانق شريلو : فرض رقابة قبلية على معظم وسائل الإعلام وتطبيق نموذج الدولة البوليسية

الطريق الذي يسير عليه وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة يعكس لنا أن الرجل، الذي سبق له أن أوشك على التعارك مع مسؤولي المؤتمر الوطني قبل الاستقلال، يسير في الطريق الذي لا يؤدي سوى إلى إبلاغ العالم وجميع شعب جنوب السودان بأن أحد نماذج الدولة البوليسية يتم تطبيقه هنا في البلاد. نعم، هكذا هو الأمر، فكيف يمكن لوزارة الإعلام أن تطلب من الصحفيين تقديم شهاداتهم مصحوبة بالسير الذاتية لجهاز الأمن، والأمر هنا أشبه بأن الوزارة تبحث لنا عن وظائف جديدة داخل جهاز الأمن الوطني. ويعكس أيضا أن الجهاز لا يملك القدرات المطلوبة التي تمكنه من الحصول على معلومات خاصة حول الصحفيين العاملين في الجهاز، ولكن بمقدرونا، نحن الصحفيون، الحصول على السير الذاتية لمسؤولي الحكومة دون أن نطلب منهم ذلك، لذلك يريد مكوي بنهجه الجديد أن يوظفنا في هذا الجهاز. وهو أمر، بالطبع، مرفوض جملة وتفصيلا. من الأجدر لوزير الإعلام أن يسرع خطواته في سبيل جعل رئيس الجمهورية يوقع على قوانين الإعلام التي مررها البرلمان أمس، بعد أن قام بإجراء تعديلات بناء على ملاحظات سابقة دفعها رئيس الجمهورية في وقت سابق. هذا هو الحل الأنسب الذي يجعلنا نقتنع بشعارات برامج الحكومة التي رددها رئيس الجمهورية الفريق أول سلفاكير ميارديت حين شكل الحكومة الحالية، ولكن يبدو أن البعض يعمل ضد ما يقول فخامة الرئيس، والذي نناشده أيضا عبر هذه المساحة إلى اتخاذ موقف معلن لكل ما يقوم به وزير إعلام حكومته، خصوصا وأن النهج الذي يسير عليه مكوي يعد أسوأ من الطريقة التي كانت تعامل بها حكومة المؤتمر الوطني وسائل الإعلام قبل استقلالنا. وللعلم فإن حديثي هذا يستند على تجربة عملي في عدة صحف سودانية، كان آخرها صحيفة أجراس الحرية الغراء. فلم نسمع أن وزارة الإعلام قد طلبت من كافة الصحفيين تسليم شهاداتهم وسيرهم الذاتية لها أو لجهاز الأمن السوداني. وللتاريخ، كنتُ قد أجريت حوارا مع السيد مايكل مكوي، والذي كان وقتها يشغل منصب وزير الشؤون القانونية بحكومة الجنوب، وعقب انتهاء حواري معه كان قد عبر لي عن كافة تضامنه العميق مع صحيفة أجراس الحرية ضد ممارسات أجهزة الأمن الخرطومية.

وكنتُ أعتقد بأن وزير الإعلام قد اكتشف فجاة بأن الصحفيين قد أصبحوا يمثلون خطرا على الأمن القومي، ولكن في المقابل لم نلتمس على وجه التحديد أي تحركات لجهاز الأمن في هذا السياق. وخطورة التحركات التي يقودها الوزير الهدف منها، في نهاية المطاف، السماح لجهاز الأمن بفرض رقابة قبلية على معظم وسائل الإعلام، هذا هو ما وصلنا إليه في آخر المطاف أنا وزملاء كثر في المهنة. وبوسع جهاز الأمن تكذيب تحليلاتنا، وتبيان موقفه من الطريقة التي يسير بها وزير الإعلام، خريج كلية القانون، والذي يمتلك خبرة في مجال المحاماة والقضاة. والواضح أن أغلب الذين يدافعون عن خطوات الوزير مايكل مكوي، يشيرون إلى أن خطواته تهدف في نهاية المطاف إلى تنظيم عمل وسائل الإعلام، وفي هذا نقول أن غايته من هذه الخطوة غير حميدة، بدليل أنه حتى الآن لم يقم بتوجيه خطاب مكتوب لكافة وسائل الإعلام لبرهان سعيه لتنظيم عملها بشأن إرفاق الصحفيين لسيرهم الذاتية. وأذكر أن رئيس مجلس الإدارة كان قد طلب من مدير عام وزارة الإعلام السيد بول جاكوب نص القرار المكتوب بشأن الأمر، وكما تقول القاعدة القانونية التي يعلمها الوزير مكوي ما يمكن إثباته بدون دليل يمكن نفيه أيضا بدون دليل، وهو ما يعني بالنسبة لي أن تلك الخطوة لا يراد بها تنظيم عمل الوسائل، وإنما الغاية هي تعطيل عملها بوسائل غير قانونية. ولذلك من المهم للعقلاء في مجلس الوزراء، الذين سيجتمعون نهار اليوم الجمعة، تبرئة أنفسهم من تلك الممارسات الغير قانونية، وإقناع زميلهم في المجلس الوزير مايكل مكوي على الالتحاق بالمسار الذي تبناه المجلس التشريعي القومي بإجازته لقوانين الإعلام. وهي ذات القوانين التي مررها مجلس الوزراء في الفترة الماضية، تمهيدا لإجازتها من قبل المجلس التشريعي القومي. ويبدو أن الموقف الذي يدعو لتقديم السير الذاتية لجهاز الأمن لن يكرس بالنسبة لنا سوى تذكيرنا بإحدى أدوات التضييق التي تتم في معظم الدول التي تُنتَهك فيها الحريات السياسية والصحفية، وهو ما لا نريده يحدث في بلادنا الجميلة. وختاما نطرح تساؤلا لقادة جهاز الأمن، ما هو موقفكم من تلك الخطوات؟.
جوبا : مثيانق شريلو : رئيس تحرير صحيفة المصير