حوارات ولقاءات

قراءة للمشهد السياسي بعد التشكيل الحكومي «1»

[JUSTIFY]بعد انتظار لأكثر من ستة أشهر خرج الحزب الحاكم بالتشكيل الوزاري الجديد لقيادة البلاد للمرحلة المقبلة وبكل مفاجآته التي تمثلت في تنحي الحرس القديم، ودخول بعض قيادات الصف الثاني، ومازالت الأسئلة قائمة حول قيمة التغييرات السياسية في مراكز صنع القرار والقوة السياسية أو التنفيذية وأثرها على واقع الحال السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ظل حالة الاستقطاب الحاد ما بين الحكومة والأحزاب الموالية لها من جهة وما بينها والمعارضة من جهة أخرى وما يحيط بها من ضغوط خارجية لها تأثيرها الدولي.. كل هذه المعطيات وضعناها على طاولة المحلل الإستراتيجي و أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفسير حسن الساعوري الذي أوضح في قراءته مآلات الأحداث، واضعاً وصفته السحرية لحل المشكل السياسي السوداني في الإجابة على سؤال كيف يحكم السودان؟ وليس من يحكم السودان؟.. فإلى مضابط الحوار:
خروج النائب الأول علي عثمان مهندس اتفاقية السلام ورجل الإنقاذ القوي من الملعب السياسي.. ما هي إشارات ودلائل هذا الخروج وتأثيره على الحزب الحاكم؟

– يصعب التصديق بأن النائب الأول قد خرج نهائياً من اللعبة السياسية مهما كان، فهو مهندس الإنقاذ وهو من شارك في إدارة دفتها، ولذلك لا يستطيع المراقب أن يصدق بأن ينتهي دوره بهذه الطريقة حتى إن كان بحسب حديثه بأنه قراره.. ولكن أقول لك إنني أضع عدة احتمالات لهذا الخروج وقراءات، أولا أن الرجل قد أُرهق ذهنياً وجسدياً وعقلياً فاختار أن يستريح قليلاً.. والاحتمال الثاني هو أن تطورت قناعته بأن يترجل الصف الاول من الحرس القديم ويسلم الرسالة للصف الثاني من القيادات بالمؤتمر الوطني، خاصة وأن الصف الثاني من الشباب قد طالبوا قبل سنة ونصف بأن لا بد أن يأتى دورهم، وخاصة أن أول مذكرة رفعت للسلطة من الداخل كانت لعدد من أساتذة الجامعات والشباب، وكانت لدعوة الحرس القديم بأن يترجل ويذهب إلى إدارة الحزب.. وهنالك أيضاً احتمال ثالث بأن الحرس القديم لن يذهب بعيداً، بل سيدير الأمور بالريموت كنترول، وأن الظروف الآن تقتضي بأن يبتعد قليلاً. والاحتمال الآخر يقول بعض المحلليين السياسيين والمراقبين بأن السودان أصبح تعامله الخارجي أكثر صعوبة مع استمرار الحرس القديم في السلطة، و حتى يتمهد الطريق لتعامل خارجي اكثر مرونة لا بد من إحداث التغيير للوجوه.. وكلها احتمالات قد تكون مؤشرات لمغادرة النائب الأول ومن معه من الحرس القديم كما وضحت من خلال اجتماع الحزب الحاكم وإعلانه للتشكيل الجديد.. وهناك أيضاً تحليل آخر بأن كل ما يحدث هو عملية للاستهلاك الدعائي والإعلامي واستباق للانتخابات القادمة..

مقاطعاً.. هل تقصد بأن النائب الأول يعد نفسه ليأتي رئيساً في عام 2015م عبر صندوق الانتخابات؟
– كل الاحتمالات واردة، خاصة والمؤاشرات بنسبة 50%تدل على أن الحرس القديم سيتفرغون إلى إدارة شؤون الحزب استعداداً لانتخابات 2015م، وأشار اليها دكتور نافع كثيراً خاصة في لقائه الأخير بولاية نهر النيل، بأنهم مستعدون للانتخابات، مرسلاً إشارته للمعارضة إذا كانت مستعدة لخوضها.. وهنا أربط ما حدث من تقديم استقالات وتنازلات من الحرس القديم بمثابة تحسين الصورة الذهنية واستعداداً للصورة الانتخابية وتقديم أنفسهم للرأي العام بصورة جيدة لتكون صورته الجماهيرية مقبولة، وقد لا يعجبهم حديثي هذا ولكنه يصب في قراءة مآلات التغيير. واعتقد أن وجود المؤتمر الوطني التنظيمي في كل الولايات سيساعده على عملية الإعداد وبالتالي هو أكثر حزب يقول أنا مستعد، ولهذا نافع ينافح المعارضة ويقول نحن مستعدون وهذا يحلينا إلى احتمال استعداد الحرس القديم المبكر.
هل برأيك أن هذه التغييرات الوزارية الجديدة التي أُعلن عنها ستحدث أثراً في السياسات والخطط أم أنها النسخة الثانية للإنقاذ؟

– أنا ذكرت من قبل في أكثر من لقاء للإجابة على هذا السؤال المختص بقضية التغيير وجوهره في العملية السياسية، أن واقع السودان اليوم يستدعي تغييراً للسياسيات كلها وليس للأشخاص، وبالتالي ذهب الحرس القديم أم لم يذهب فمشاكل السودان لن تحل هكذا، فيجب إعادة النظر للسياسات التي أدخلت السودان في هذه الظروف الصعبة سواء كانت سياسات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسات حكومة و معارضة.. وفي ظني أن تغيير الأشخاص من الحرس القديم بالأشخاص من الصف الثاني قد لا يأتي بجديد، لأن الصف الثاني من الإنقاذ هو تلميذ الصف الأول ولن يغير شيئاً إلا أن يتم تغيير سياسة ونهج الحزب، لأن ما أعلن عنه الآن هو بدائل أشخاص ولم يتم أي حديث عن بدائل سياسات

إذا لن يستفيد الشارع أو المجتمع من التغيير، وستظل المشكلات الاقتصادية قائمة وكذلك السياسية والاجتماعية..
مقاطعاً.. لكن بعد 25 سنة الإنقاذ تقول إنها تجدد شبابها الآن وتمنح الفرصة للتغيير بحسب خطاب الحزب الحاكم بعد التشكيل الجديد؟

– صحيح هو حديث الإعلام، ولكن هذا يرجعنا إلى ذات النقطة وهو التطبيق في مسألة التغيير والإجابة على أسئلة كيف يكون التغيير وإلى إى مدى وبمن وهل الأشخاص مناسبيون.. وهنا سؤال لماذا فشلنا.. والإجابة إما أن تكون السياسات سليمة ونفذها أشخاص فشلوا في تنفيذها، وإما أن تكون السياسات خاطئة وبالتالى كانت النتائج فاشلة.. نحتاج هنا إلى سياسات سليمة وأداء قوي منفذ لها. وهنا الإجابة على السؤال: هل مأزق السودان في القدرة على تنفيذ السياسات أم في تغيير السياسات.. أنا اعتقد بأننا في «25» سنة «ماشين» في خط واحد و«محتاجين» تغيير سياسات وليس أشخاص، فالوزراء الموجودون إن كان بعضعهم أداؤه ممتاز فلماذا نغيرهم.. وآخرون أداؤهم ليس كما هو مطلوب فيتم تغيريهم.

الآن بعد إعلان التشكيل الوزاري الجديد لا يبدو أن هنالك تسوية سياسية مع أحزاب المعارضة فملامح التغيير لم تأت بمفاجآت؟

– صحيح.. وأقول ياريت لو كانت هنالك تسوية سياسية، وهذا ما كنا ندعو له في الجمعية السودانية للعلوم السياسية قبل سبعة أسابيع، وهو لا بد أن تجلس الحكومة والمعارضة للوصول إلى تسوية في: كيف يمكن أن يخرج السودان من أزمة الصراع على السلطة ويوقف الحروب المشتعلة داخلياً في دارفور وجنوب كردفان وكذلك النيل الأزرق.. وحديثنا لم يأتي فقط من الجمعية، بل من آخرين. وحتى الرئيس تحدث عن ذلك بالجلوس مع المعارضة.. وأنا أرى أن التشكيل الجديد للحكومة من غير تسوية مع المعارضة سنظل في دوامة الأزمة السياسية والاقتصادية وحالة اللاستقرار، وبالتالي لا اعتبر أن الأمر قد انتهى بإعلان التشكيل، فقد تحدث مفاجأة في الأيام المقبلة وقد تكون مفاجأة لبعض الناس المراقبين وبالذات لبعض الإنقاذيين لأنهم بصورة عامة لا يفكرون بهذه التسوية المفاجئة..
مقاطعاً.. برأيك كيف ستأتي المفاجأة السياسية في إشراك المعارضة، إذا كان من يهندس هذه الأمور، الشيخ علي عثمان خارج الملعب السياسي؟

– أولاً مازالت لا اعتقد بأن الشيخ على قد خرج نهائياً من المشهد السياسي، فللرجل خبرته وتاريخه.. ولكن أقول لك إذا حدثت مفاجأة سياسية فلن يأتى بها إلا الرئيس عمر البشير شخصياً، وهي قد تأتي بأشكال مختلفة، منها تغييرات شخصية من الرئيس وبدعوات شخصية من الرئيس بتسوية كاملة «خد و هات» بمناقشات متكاملة مع المجموعات المختلفة.. والمشكلة أن هذه المحادثات والتسوية السياسية الكاملة والتي فيها أخذ وعطاء، والمعارضة قد لا تريدها أو لا تجيدها.. بمعنى أن المعارضة لاتريدها لأنها لا تريد النظام أن يظل، فهي رافعة لشعار إسقاط النظام أولاً.. ولا تجيدها بمعنى أنها فاقدة للثقة تماماً بينها وبين الحكومة. ولذلك اعتقد أن المفاجأة إذا حدثت ستكون بقرار كبير من السيد الرئيس في مسألة التسوية السياسة مع المعارضة.

إذاً كيف تقرأ التشكيل الجديد الذي أعلن؟

– لا اعتقد بأن هنالك جديداً، إذا لم تتغير السياسات، ولكن هذا التغيير شغل الناس كثيراً ولم يكن بمقدار هذا الشغل للرأي العام ستة أشهر، وجعل الرأي العام ينسى المعاناة وحقائق الغلاء وعدم حل مشكلة الاقتصاد وهي القضية الحقيقية.

صحيفة آخر لحظة
حوار: عيسى جديد
ت.إ
[/JUSTIFY]