حوارات ولقاءات

في حديث الذكريات مع العضو البرلماني “دفع الله حسب الرسول” الرجل المثير للجدل (3-1)

[JUSTIFY]”دفع الله حسب الرسول البشير” عضو المجلس الوطني، لم ير منه إلا الرجل المتزمت صاحب اللحية الكثيفة والجلباب والعمة، وقد وصفته الصحافة بالرجل المثير للجدل لتبنيه قضايا المرأة، وظل يتحدث عنها كثيراً.. ولكن “دفع الله” رجل رقيق يجيد اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، ولغة الهوسا وشيء من الألمانية، وكان لاعب كرة قدم ممتاز مع الدكتور “علي قاقارين”، يشجع الهلال ولا يذوق طعم النوم إذا هُزم.. متزوج من ثلاث نساء وله ثلاثة عشر من ولد إلى بنت، أحد أبنائه طبيب وكذلك ثلاث من بناته طبيبات.. جنده للحركة الإسلامية الأستاذ “أحمد سعد عمر” وزير رئاسة مجلس الوزراء الحالي.. حاولنا من خلال هذا الحوار أن نقلب معه أوراق العمر.. محطاته العملية.. وكيف غادر إلى نيجيريا.. وكيف دخل السجن.. وما الذي استفاد منه؟! نترك القارئ مع الجزء الأول من حوارنا مع العضو البرلماني “دفع الله حسب الرسول”.

} كيف التحقت بالمدرسة؟
– أنا من مواليد السليمانية غرب أم درمان، وحسب شهادة التسنين من مواليد 1/1/1949م، وقتها الناس ما كانت متشجعة للتعليم وليست هناك رغبة من قبل الآباء لتعليم أبنائهم.
} والسبب؟
– كانوا يعتقدون أن التعليم مفسدة للأبناء.
} إذن كيف دخلت المدرسة؟
– والدي كان شيخ الحلة، فجلس معه أهل الحلة لمناقشة قضية التعليم فأقنعوه أنه لا بد من إلحاق الأولاد بالمدارس، فأقتنع برأي أهل الحلة، ووقتها كان يلبس عمامة فشقها إلى نصفين نصف أعطاني إياه وأعطى أخي الأكبر النصف الآخر، وذهب معنا إلى المدرسة.. ناظر المدرسة سألني قبل أخي الأكبر وقال لي: (الجدادة عندها كم ثدي؟) ولم استطع الإجابة ثم حوّل السؤال إلى شقيقي الأكبر فقال له: (الجدادة ما عندها ثدي).. قال له: (كيف بتأكل أولادها؟)، فقال له: (بالحب والدريش).. فطلب والدي بعد ذلك السؤال وقال له: (لقد قبلنا واحداً من الأبناء)، فقال له والدي: أما أن يقبلوا الاثنين أو يتركوا الاثنين، فقال له الناظر: (قبلناهم الاثنين).
} بعد المرحلة الأولية.. إلى أين اتجهت؟
– انتقلت إلى مدرسة حي العرب الوسطى، ومنها التحقت بمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية العليا.
} السياسة فتنت الطلبة خلال تلك المرحلة.. فأي التيارات جذبك؟
– التحقت بحركة الإخوان المسلمين.
} هل تذكر من جندك؟
– الزميل “أحمد سعد عمر” وزير رئاسة مجلس الوزراء الحالي، وكلفني بعد ذلك بتولي مكتب التجنيد.
} هل تذكر الطلبة الذين قمت بتجنيدهم؟
– أذكر أنني دخلت أحد الفصول وقلت لهم: (المدرسة فيها شيوعيين ما عاوزين الإسلام من يريد الإسلام يقف على هذا الجانب)، فوقفوا جميعاً إلى الجانب مع الإسلام، فذهبت لـ”أحمد سعد عمر” وقلت له: (جندت ليك الفصل كله لحركة الإخوان المسلمين).
} هل تذكر بعضاً ممن جندتهم؟
– “محمد النجومي محمد دولة”، “الكردي”، “يوسف فضل الله” و”عبد الوهاب الترابي”.
} وأين كانت مرحلتك الجامعية؟
– التحقت بجامعة أم درمان الإسلامية كلية الآداب.
} ما الذي تذكره وأنت بالجامعة؟
– ونحن بالسنة الأولى انضممت إلى الاتحاد، وكان ذلك مع مقدم النظام المايوي 1969م، وأول قرار أصدره وزير التربية آنذاك الدكتور “محيي الدين صابر” حل الجامعة الإسلامية وتحويلها إلى كلية، فأصدرنا منشوراً مناهضاً لذلك القرار.
} وماذا كتبتم فيه؟
– قلنا.. هذا بيان للشعب السوداني نكشف فيه أباطيل مجلس الوزراء.. وكان الأمر الجمهوري يقول أية إساءة للوزير بالكتابة أو بالرمز أو بالكلام أو باللمز أو بالإشارة يعاقب الشخص إما بالسجن لمدة عشر سنوات أو بالإعدام.. وعثرت الشرطة على المنشور، فذهبت إلى الكلية وطلبت تسليمها أعضاء الاتحاد، وعندما علمنا بالأمر عقدنا اجتماعاً طارئاً، وقلت لبعض الطلبة: (قولوا لناس الشرطة الكلية في إجازة وأعضاء الاتحاد أربعين، وهؤلاء الستة هم الذين قاموا بكتابة المنشور).
} هل تذكر الستة؟
– “إبراهيم علي محمد خير” وهو من أبناء نيالا، “حاج آدم حسن الطاهر” من أبناء الخوي، “عبد الله الشيخ سيد أحمد”، “أحمد المكي”، “تبن حامد” و”خالد قريب الله”.. الطلبة الستة كانوا يمثلون كل ولايات السودان.
} وماذا فعلتم بعد ذلك؟
– ذهبنا إلى الشرطة وقابلنا الضابط المسؤول وقلنا له نحن طلبة اتحاد جامعة أم درمان الإسلامية ونحن الذين قمنا بكتابة المنشور.
} وماذا كان رده؟
– طلب لينا شاي، وأخرج من درجه المنشور وقال لينا هذا منشوركم؟ فأجبناه بنعم.. قال لينا: ألم تعلموا أن الإساءة للوزير ولمجلس الوزراء تعرضكم للسجن، وأنتم الذين قلتم في هذا المنشور (محذرين الشعب السوداني من أباطيل مجلس الوزراء والشيوعيين).. وألقي القبض علينا بعد تلك المقابلة وشُكّلت محكمة عسكرية.
} هل كان معكم محامٍ؟
– كلف الأستاذ “عبد العزيز شدو” المحامي- رحمة الله عليه- للدفاع عنا.
} وماذا قال لكم “شدو”؟
– قال لنا: لا بد من إنكار التهمة وحددوا شخصاً واحداً ليتحمل ذلك بدلاً عن سجنكم جميعاً.. فعقدنا اجتماعاً نحن الستة وقررنا أن نتحمل المسؤولية جميعاً، وأخبرنا الأستاذ “شدو” بذلك، وقدمنا خطاب “محيي الدين صابر” الذي ادعى أن ميزانية جامعة أم درمان الإسلامية تفوق ميزانية جامعة الخرطوم، وأن طلبة الجامعة الإسلامية يتم قبولهم على أساس حزبي، ولكننا في جلسة المحكمة أثبتنا أن الدرجات العلمية هي التي تحدد قبول الطلبة وجئنا بالمسجل وأثبت ذلك، وفندنا كل أحاديث “محيي الدين صابر” في ثلاث عشرة نقطة، والمحكمة كانت مقتنعة بما رويناه، فطلبت رفع الجلسة قبل إصدار الحكم، وبعد عودتها قال القاضي: نحن عقدنا المحكمة لمعرفة إن كنتم وقعتم تحت طائلة القانون أم لا، وبما أنكم كتبتم المنشور الذي يسيء للوزير وقلتم في منشوركم (تحاولون كشف أباطيل مجلس الوزراء) و(تحذرون الشعب) فأنتم تقعون تحت طائلة القانون، فحكمت المحكمة عليكم بالسجن سنتين لكل واحد منكم.
} وإلى أين ذهبتم؟
– بعض منا رُحّل إلى سجن (بورتسودان)، وآخرون إلى (شالا)، وأنا ومولانا “حاج آدم” نقلنا إلى سجن (مدني) ومنه إلى سجن (مارنجان).
} وأنتم داخل السجن ماذا كنتم تفعلون؟
– كنا نعطي دروساً للمساجين، كما عملنا على تنظيم السجن، ولكن فجأة أحيل إلينا عدد من الشيوعيين، وهؤلاء لم تكن إدارة السجن راضية عنهم نظراً لبعض المخالفات التي كانوا يقومون بها، فأعدنا مرة أخرى إلى سجن (مدني).
} ما الذي تذكره داخل سجن (مدني) بعد إعادتكم إليه؟
– أذكر في يوم من الأيام، وكان هناك أنصاري معتقل معنا اسمه “الطيب عبد الرحيم” وفجأة عند الثانية صباحاً (ولع النور) وبدأ يكتب، ومعظم المساجين طالبوه بإطفاء النور في ثورة شديدة، لكنه لم يلتفت إلى حديثهم، وواصل كتابته إلى أن فرغ منها ثم أطفأ النور.
} وماذا كان يكتب؟
– في الصباح قال لي: يا مولانا “دفع الله” أنت ما بتشبه إخوانك ديل وأنا عاوز أطلعك على شيء.. (بالأمس رأيت في المنام أن الإمام “الهادي” والأنصار يقفون في صف و”نميري” وجماعته يقفون في صف ثانٍ، فقامت نار من صف “نميري” أكلت الإمام “الهادي” والأنصار).. ولم يمر على حديث الأنصاري شهر، وقام “نميري” بضرب الجزيرة أبا وقتل الإمام “الهادي”.
} وكم ظللت في سجن (مدني)؟
– بعد أن ضُربت الجزيرة أبا أُعيد كل المساجين من (مدني) إلى (كوبر).
} هل هناك اختلاف بين سجني (مدني) و(كوبر)؟
– السجن هو السجن، ولكن نحن في (كوبر) كان يسمح لنا بالقراءة ومن ثم الذهاب للامتحانات.
} كل الفترة أمضيتها بـ(كوبر)؟
– نقلنا إلى سجن (التوبة)، وظللنا فيه فترة من الزمن ساهمنا في نظافته وطلاء جدرانه، وكنا نقدم دروساً للمساجين، وهذا العمل سرّ إدارة السجن وقامت بتخصيص عنبر منفرد لنا وفصلت أكلنا عن بقية المساجين، وأذكر أن إمام مسجد (شيكان) اُعتقل لانتقاده في خطبة الجمعة النظام المايوي، وقال: (يعيش الإمام “الهادي”)، هذا الرجل كنا نعامله معاملة جيدة لا نوقظه إلا للصلاة أو الأكل، وعندما وشى الشيوعيون بنا عند وفاة “عبد الناصر” وأخبروا إدارة السجن بأننا (شمتانين) في وفاة “عبد الناصر” وهدفوا من ذلك العمل إلى محاولة استغلال الموقف للخروج على حسابنا، وكتب تقرير إلى رئاسة السجن فتم نقلنا إلى سجن (سوبا)، وعندما نقلنا حاول “الأنصاري” أن يذهب معنا، ولكن إدارة السجن قالت له: (اسمك لم يرد معهم) فأجهش بالبكاء نظراً للمعاملة الطيبة التي كنا نعامله بها، وقال: (والله أنا كنت بقول الشيوعيين والإخوان ما في فرق بينهم لكن ما كنت أعتقد أن أجدكم بهذا المستوى)، وعندما خرجنا من السجن أتى بابنه إلينا في الجامعة وقال له: (ما يقوله لك إخوانك أمشي معاه).
} هل سجنت مرة أخرى؟
– بعد التخرج في الجامعة ولم نجد وظيفة، فخرجنا في تظاهرة واعتقلنا وسجنا لمدة ثلاثة عشر يوماً.
} أول محطة عملت بها بعد التخرج؟
– لقد أجريت ما يقارب العشرين معاينة ولكن لم أوظف، وأذكر بعد كثرة تلك المعاينات جاءني أحد الزملاء وقال لي: (في وظيفة مفصلة عليك لتعليم الكبار)، وعند دخولي المعاينة سألني رئيس اللجنة: لماذا لم تذهب إلى الشؤون الدينية؟ قلت له: وماذا أفعل في الشؤون الدينية فأنا حاصل على ليسانس من كلية الآداب؟! ثم سألني مرة أخرى: لماذا قدمت للوظيفة؟ قلت له: لأنها وظيفة ليست جديدة عليّ. رد عليّ: (كيف ما جديدة عليك؟) قلت له: (أنا في الحلة أقدم الدروس لكبار السن، وأتحدث في المآتم، وأتحدث في المساجد). ثم سألني قائلاً: هل تذكر التوصيات التي خرج بها مؤتمر جنيف؟ قلت له: أبداً.. قال لي: هل تعرف نتائج مؤتمر الصين؟ وكلها كانت أسئلة تعجيزية.. لذلك لم أحظ بالوظيفة، ولكن في اليوم التالي قابلت الأخ “سيد الحسين” وقال لي: (مدير مطبعة جامعة الخرطوم “إبراهيم الدسوقي” في حاجة إلى مصحح يكون خريج لغة عربية)، وبالفعل ذهبت إليه وقابلته، فسألني: (تشتغل من اليوم أم تأتي غداً؟) فقلت له: (أفضل بكرة) وبالفعل عملت مصححاً بالمطبعة، ولكن جهات لعبت دوراً في إنهاء وظيفتي، فأكملت شهراً فقط وحصلت على خمسة وثلاثين جنيهاً وغادرت.
} وأين كانت محطتك الأخرى؟
– علمت بأن هناك معاينات في السفارة النيجيرية فذهبت، وكنت أجيد اللغة الإنجليزية تماماً، لذلك أعجبت لجنة المعاينة بي وعندما خرجت لحقني شخص منهم وقال لي: (مبروك، دبر أمرك للسفر)، وبالفعل دبرت أمري، وفي الثالث من يوليو 1973م هبطت بنا الطائرة على مطار (لاغوس)، وبعد أسبوع اتجهت إلى مدينة تسمى (لوتو تقدت) في شمال نيجيريا واستقبلت استقبالاً طيباً من بعض السودانيين، وفي المساء دعوني للذهاب إلى أحد الأندية، وقبل دخولي شاهدت (لمبات حمراء وصفراء) ومجموعة من الخواجات كل يصطحب صاحبه وزجاجات (الويسكي) بأيديهم فرفضت الدخول وعدت إلى المنزل، وبعد ثلاثة أيام نُقلت إلى مدينة (بوشيري) وهي أجمل مناطق نيجيريا بالقرب من (حوز) التي كتب عنها البروفيسور الراحل “عبد الله الطيب” أحمل القصائد.
} ما هي الوظيفة التي كنت تعمل بها؟
– عملت معلماً للتربية الإسلامية. وعلى الرغم من أن المنطقة غالبيتها من المسلمين لكن التعليم فيها ضعيف، لذلك احتل المسيحيون مراكز عليا.. وكان ناظر المدرسة مسيحياً ووقع أول صدام بيننا عندما دعيت إلى حفل خاص بوداع أحد المعلمين بالمدرسة وعندما شاهدت مناظر لم تعجبني خرجت، فلحق بي الناظر ورفضت العودة وقلت له: (I can not enter)، وأذكر أن حصة التربية الإسلامية تأتي بعد حصة الرياضة، فكانت الطالبات يحاولن الدخول إليّ بملابس الرياضة العارية ورفضت ذلك، فتقدمن بشكوى إلى الناظر ضدي.
} وماذا قلت للناظر؟
– قلت له: لن أسمح لهن بالدخول بتلك الملابس.
} وماذا قال؟
– قال لي: هل أنت الوزارة؟ قلت له: (أنا ما الوزارة وإذا أردت فصلي فافصلني)، فعقد اجتماعاً طارئاً لهيئة التدريس، وكان هناك أستاذ باكستاني قال لهم: (نحن في باكستان المرأة التي ترغب في دراسة القرآن ترتدي ملابس ساترة وتغطي رأسها، وهذه مسألة دينية وأطلب ألا تصعدوا الموضوع مع شيخ “دفع الله”) فتوقفوا ومنذ ذاك اليوم أصبحت الملابس الساترة هي المقررة لدخول الطالبات حجرة الفصل.
} ما الذي تذكره وأنت بتلك المدرسة؟
– أذكر عقب صلاة المغرب وأنا أسكن بأحد الفنادق جاءني الطالب المسؤول عن الثلاث ولايات، سلم عليّ وقلت له: تفضل، وعندما دخل قال لي: أريد أن أكون مسلماً. قلت له: ما الذي هداك لذلك؟ قال لي: الآن أريد أن أكون مسلماً، وكان هناك حمام فقلت: أدخل فاغتسل، ومن ثم علمته الشهادة. ثم قال لي: أريد أن أمتحن مادة التربية الإسلامية، ووقتها كان قد تبقت على الامتحان ستة أشهر، قلت له: نريدك أن تدخل الجامعة، لكن ربما تأتيك بعض الأسئلة لم تكن قد درستها من قبل.. فأصر، وبالفعل امتحن ضمن مواد الشهادة مادة التربية الإسلامية، وحصل على أعلى الدرجات فيها.
} ألم تواجه هذا الطالب بعض المشاكل من أسرته بعد اعتناقه الإسلام؟
– لم يسلم هذا الطالب من أذى أسرته، وعندما عجزوا عن إعادته للمسيحية أو إقناعه بالذهاب للدراسة في الجامعات الأمريكية كانوا يضربونه ضرباً مؤلماً، ولكن كان يقول لي: هذا أخف مما تعرض له المسلمون الأوائل، فتبناه سلطان (بوتسكا) فتوقف عنه الضرب، وبعد سنتين أصبح مسؤول الطلاب المسلمين في كل الولايات الشمالية.

حوار صلاح حبيب: صحيفة المجهر السياسي[/JUSTIFY]