رأي ومقالات

من سيخلف نيلسون مانديلا ؟!


[JUSTIFY]منذ ان طرق مسامعي نبأ رحيله، وجدت نفسي غارقا بين موجات من الاستفسارات المتصارعة، اهتديت في النهاية الى سؤال رغم بساطة تخميناتي رايته جوهري، من سيخلف نيلسون مانديلا؟!… كأب روحي للانسانية في قرن الثورات العربية الغير مهتدية الخطى.

“ساواصل الكفاح من اجل الحرية حتى الرمق الاخير” قالها سنة 1961 عندما بلغه اصدار امر باعتقاله من طرف شرطة الميز العنصري على خلفية إنشائه للجناح العسكري لحزب المؤتمر، الذي كان يسمى ” أومكونتو وي سيزوي” أي “رمح الأمة”، والذي كان بدوره يشغل قائدا عاما له.

لم يكن يذكر شعب جنوب افريقيا في مقالاته التحررية الا ناذرا و منها هذه العبارة التي نقشها في سجل التاريخ الانساني .. سيكافح من اجل حرية الانسان حتى الرمق الاخير و فعلها بمعجزة سلبته سبعة و عشرون سنة من حياته الطبيعية ليخلده الانسان كشكر بسيط بتشييع جنازته في يوم كـ 10 ديسمبر كرسته الانسانية للاحتفال بحقوقها الطبيعية التي اغتصبتها الانظمة الاستبدادية و الدول الاستعمارية و ما زالت تمارسها في اجزاء كبيرة من عالم اليوم.

“فما نيل الحرية الا بتحمل المشاق و التضحية و العمل النضالي”، درس اخر استشفها اب الانسان في القرن العشرين من تجارب عالمية كان يراها من اكبر المدارس الثورية التي علمته الصبر و انتهاج المسارات الصعبة و الحالكة بايمان راسخ و تصميم عنيد، تماما مثل ما فعل “المهاتما غاندي” الذي يذكره دائما بانه المعلم الاول و ثورة الجزائر التي يرى فيها “المدرسة التي الهمته النضال”.

“..وبات لزاماً علي أن أوقف عملي، وأتخلى عن مهنتي، وأعيش في فقر وبؤس، على غرار الكثير من بني جلدتي ….”، هو بذاته “لوثير كينغ” جنوب افريقيا الذي احس من البداية بخطر الاستعباد الممارس ضد السود الافارقة الذين كانوا يشكلون عامة الطبقة الفقيرة المداسة في حكومة البيض، “..فنحن نوفر سواعد الزراعة والصناعة. ونكد في مناجم الذهب والماس والفحم، والمزارع والمصانع، مقابل أجور زهيدة. فلماذا سنواصل إغناء من ينهب ثمار عرقنا ودمائنا؟ أولئك الذين يستغلوننا ويحرمونا من حق التنظيم في نقابات عمالية؟..”.

و في سبيل ان يصل ذلك الطامح الى الحرية المطلقة اجبر التخلي عن كل شيء حتى الحرية المؤقتة التي كان ينعم بها كرب بيت ذو مدخول متوسط و كطالب علم بجامعة “فورت هير” في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي و التي فصل منها بعد سنة بسبب نشاطه السياسي، الذي شحن بهموم الاخرين، و من اجل انعتاق الافارقة كذلك فضل الرجل ترك عائلته و اعتناق المجهول و خوض غمار السجون و تعليم السجناء في فترة حبسه المؤبد في جزيرة “روبن” أو ما عرفت بعد ذلك بجامعة مانديلا ، ليرضى بالعيش لثلاثة عقود كنصف انسان بشري، “وهو مسار أصعب محفوف بمخاطر ومشاق يهون السجن أمامها. إذ يتعين علي أن أفارق زوجتي العزيزة وأطفالي الأعزاء، وأمي وأخواتي، لأعيش مارقاً في بلدي”.

بعد ما تحركت هيئات المجتمع المدني العالمي لاطلاق سراح مانديلا خاصة عقب نجاح الحركات التحررية في العالم، اخذ النظام العنصري بالتفاوض مع الزعيم للتخلي عن فكرة العنف الثوري مقابل الافراج عنه فقال “النضال هو حياتي.. فقد قر عزمي، ولن أغادر جنوب أفريقيا، ولن أستسلم” لانه ” لدينا برنامجاً مُهما ينتظرنا، ومن المهم إنجازه جدياً ودون أي تأخير” ، تاخر مانديلا عن تحقيقه سنة 1962 و لكن الافارقة انتظروه حتى 11 فبراي 1990 لتبدأ حقبة جديدة على طريق إنهاء الفصل العنصري وتحقيق المصالحة الوطنية، والتي توجت بانتخاب مانديلا رئيسا لجمهورية جنوب أفريقيا ليبادر فورا بإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة لتضميد جراح الماضي والانطلاق نحو مستقبل جديد، خال من التمييز، يشارك الابيض فيه الاسود صنع امال و احلام راودت ابيهم منذ نعومة اظافره، فابلغ ما يقال فيه انه مشوار بدأ بالتصميم والرؤية الواضحة، وانتهى بالخلاص من العنصرية و الاستعباد وتحقيق العدالة.

بكى الابيض و الاسود سوية، على ضريح منقذهم حتى العرب و الاروبيون شاركوا في البكاء، و ها هم نحن نبكي لان جنوب افريقيا اعترفت بدولتنا الحديثة و ساندتنا ماديا و سياسيا بعدما كان نظام “الابارتايد” لا يدخر جهدا في تسليح و مساعدة العدو، ليتوج كل ذلك بزيارة ويللي مانديلا للمخيمات كرسالة مفادها ان مانديلا الرمز الشيخ موجود في المخيم ليآزر شعب مظلوم عانى هو الاخر التمييز و التقتيل و العنصرة من زمن الاستعمار الاسباني حتى يومنا هذا في ظل الاحتلال المغربي، لقد ساندونا بحق و رافعوا عن قضيتنا العادلة، أما نحن فلا نملك لهم من شكر غير البكاء و العزاء.

انتهت العبودية و التمييز في العالم و مع رحيل مانديلا انتهت الرمزية و الزعامة في نظر الجنوب افريقيين و انطفأ افلها في العالم كله، لقد انقذهم في ذلك القرن فاين منقذنا نحن من متاهات الربيع العربي و اسنان شبح القرن الحادي و العشرون، حتى يبكيه اجيال القرون القادمة.

المغرب العربي للأنباء
محمد السالك احمد[/JUSTIFY]


تعليق واحد