رأي ومقالات

د الرازي الطيب ابوقنايه: سودانير: سيمفونية العار


ليتنا نعرف كلمات حكيمة لنقولها في هذا الموقف. فالسيدان عثمان ميرغني (الراكوبه, 25 ديسمبر2013) وحسين خوجلي (مع حسين خوجلي, 26 ديسمبر 2013), مع حبي واحترامي لهما, لم يتركا لنا جنبا لننام عليه. فقد (هرس) كلاهما كبدتنا عندما تحدثا بحرقه عن سودانير كانهما يعرفان الفا وبرافو وكيلو وليما (اسماء طائرات سودانير) مثلنا. لماذا تقلبون علينا المضاجع؟ الا تدرون ان الغصه التي سكنت حلوقنا قد تحجرت من جراء القصص المقرفه التي نقراها ونسمعها عن اولئك الذين كانو يدعون بانهم رسل الله في الارض؟ فتاتي قصصكم اقرب لحكايات زعماء العصابات في امريكا اللاتينيه والتي نشاهدها في الافلام وتجبرنا لفتح افواهنا دهشه من هولها؟
كنا نعرف ان كل شخص في سودانير في منتصف التسعينيات تغير شكل وجهه برسم لحيه, او تعوج لسانه بكلمات من الكتب الصفراء القديمه, انما كان يرتب الملعب لسرقه ما, او يريد الانقلاض علي زميل كان حجر عثره في سبيل رفاهيته, او حقدا لفارق اكاديمي. ولكننا لم نكن ندري ان الخراب الذي سيصيب سفينتنا سيجعل منها (تايتنك) زمانها. وان حجم الدمار سيوصلها الي ماجادت به قريحه عثمان ميرغني في وصفها ك (الجثه الهامده).
لقد تخيلنا قبل قراءتنا للتقرير الفضيحه الذي كتبه السيد ميرغني والمنشور علي الحوائط الاسفيريه بان هنالك قطيعا من المفسدين وراء الاكمه, وان كبرياء الدوله لن يسمح له بالاطلاله ليراه احد. وان الستاره تخفي وراءها ماتخفي. كما كنا نعلم ايضا ونحن جلوس في باحه المسرح ان خلف الكواليس يحتشد سماسره الطائرات واسبيراتها وتموين وجبات السفريات وتجارها ووسطاء العقارات الذين يؤجرون المكاتب والمنازل والشقق للموظفين الذين يعملون في سودانير علي امتداد ارض الله الواسعه. ولكن لم نكن نتوقعها ان تكون بهذا السوء والانحطاط والقرف. هل تدرون كم كان هنالك من (بروتس) علي خشبه المسرح وخلفه؟ فمجلس الاداره كان بروتس. والاداره العليا بكل جبروتها كانت بروتس. ثم كان هنالك مدراء الادارات ومدراء المحطات خارجيه كانت اوداخليه والذين يعقدون الصفقات المشبوه يوميا ليتم تحويل عائدها الي قصور خاصه وشقق وبيوت في القاهره ولندن. انا استغرب لحكومه ينقل احد موظفيها العاديين من محطه خارجيه الي الخرطوم فيشتري في اليوم الثاني عماره في السوق العربي بمئات الالاف من الدولات او يشيد قصرا في حي الصفا او احد الاحياء الراقيه في الخرطوم دون ان يسأله احد اعضاء مجلس الاداره او المدير العام او حتي رئيسه المباشر. كل المدراء الذين مروا علي مكتب سودانير في لندن قامو بشراء منازل هنالك يعيشون فيها مع اسرهم, وسودانير قابعه في احد غرف الانعاش المظلمه بمستشفي عمومي في احد احياء العاصمه الفقيره لا تجد ثمنا لدواء يعالج مرض (الطمام) الذي ظل يلازمها لسنوات عده.
الشئ الذي يغيظ ان معظم الرجال الذين كانو (يحتلون) مواقعا في الادراه العليا لسودانير, وحتي الاداره الوسيطه, بالاضافه الي كونهم سارقي قوت الشعب, فقد وصلت بهم الجرأه الي ان يوهموننا بانهم سيف الله في الارض. اذكر في تلك الايام تجمعات صلاه الظهر والعصر حول مكاتبهم وكيف ان ضعاف النفوس كانو يتحلقون حولهم يتحدثون عن الاسلام بحلو الحديث وماكانت تلك الجلسات الا كجلسات عبدة الشيطان حول النار. تلتقي فقط للقطيعه ولرسم سياسات التمكين التي تحدثنا عنها كثيرا. فالقدر لا يأبه في اي مكان تصلي او خلف من, مادام ان القلب مفعم بالحب لكل الناس والضمير معياره العدل. ولاننا لم نكن جزءا من تلك المسرحيه, تم وضع اسماءنا علي راس القائمه. هل يعقل ياجماعه ان يضع حامل شهاده سودانيه اكمال من حصل علي درجه ماجستير علي راس القائمه؟ في اي مكان في العالم يمكن ان يحصل هذا؟ وهل كانت الدوله تتوقع غير ان تصبح سودانير جثه هامده؟ التراجيديا التي كنا نراها كل يوم ان اولئك الناس حارقي البخور, عديمي الكفاءه ومدمني الفشل والدجل كانو يعيشون وسط قاذوراتهم تلك ليلا, ثم ياتون صباحا ليحكموا بين الناس باسم الصلاح والدين وكنا نتساءل عن اي اسلام يتحدثون. مقولة الاديب الطيب صالح ظلت تثبت نفسها كل يوم لتكون دليلا قاطعا انه كان اديبا ثاقب الفكره. فمهما وصل الخيال بنا, ماكان لاحد فينا ان يجد كلمات حاده يوصف بها اولئك القوم مثل “من اين اتي هؤلاء”.
اذا ارادت الحكومه ان تثبت جديتها في الاصلاح وتمحو ماعلق بسودانير من اثام وترفع الغبن عن نفوس المظلومين من شعبها, ليس هنالك غير حل واحد لا ثاني له. ان ترفع يدها كلية فيما يتعلق بسودانير وتختار لجنه ليس بها احد من اولئك الحراميه ومصاصي دماء الشعب لان اي واحد منهم يمكن ان يضاري سوءات الاخرين. ثم تعطي هذه اللجنه الصلاحيه الكامله لتقرر وتنفذ ماتراه مناسبا. الشئ الوحيد الذي يمكن ان تقترحه الحكومه للجنه هي الزاميه ان ينفي من السودان كل من تثبت ادانته لمده لا تقل عن 10 سنوات. وان تتضمن صحيفه الاتهام كل اولئك الذين تبوأو مقاعد في الاداره العليا لسودانير منذ بدايه الانحطاط والتدهور الي لان. لانهم كانو شركاء بدرجات متفاوته في الدمار الذي احاق بها. الشئ الوحيد المخيف هنا ان الحكومه قد لا تجد شخصا عفيفا في كل ارجاء السودان للقيام بهذه المهمه. وعليه نقترح ان تلجا الي اي تجمع للشماشه وتختار اعضاءها منهم لانني مقتنع تماما بانهم سيكونو اكثر عدلا من اولئك الذين يسجدون زورا لله اناء الليل واطراف النهار.

د الرازي الطيب ابوقنايه


تعليق واحد

  1. كلامك جميل و يعبر عن الغبن الذى يغلى فى داخل كل سودانى غيور ..

    و لكن ان تأمل من الحكومه ان تثبت جديتها في الاصلاح وتمحو
    ماعلق بسودانير من اثام وترفع الغبن عن نفوس المظلومين من شعبها
    ينطبق المثل كاالمستجير من الرمضاء بالنار ..

  2. ليس ما وصل له الاخ حسين خوجلى تحليل ونتائج ادت الى انهيار الخطوط السودانيه هى مسئولية الطاقم الحاكم وادارة سودانير وعليه القضاء هو الفاصل والتهمه واضحة وعليه نامل بان تملك الحقائق للمواطن والحكومة المقبله لتحاسب كل من له دور بسيط او كبير فى انيهار رافد اقتصادى وحيوى للمواطن ؟ ونعم هناك شرفاء ولكن الشر هنا يعم الصالح مع الطالح الا بعد القضاء وليس لجنة حكماء وفلاسفه القضاء هو الفاصل والعادل والحمد لله لدينا قضاء لا مثيل لهم فى كل المحيط الدولى بدون تحيز والله الموفق وامل ان اسمع من وزير العدل اخونا دوسه امر شفاف وواضح لرد الحقوق ومعاقبة المخطئين وهذا صرح سودانى وهل نسمع اخبار ساره نحن فى الانتظار ؟؟

  3. لقد صادفت مقالة د.الرازى جرحا قديما فى نفسى بسبب حادثة حدثت لى مع سودانير …ومن يومها شعرت بالاشمئزاز من تلك الممارسات التى تحدث فى سودانير ..ومن يومها لم اعد اسم سودنير يمثل لى غير السطو والاستيلاء على عفش المسافرين باساليب كانت بحاجة الى قيام تحقيق وكشف لتلك الاساليت التى كانت تمارس باسلوب يجعلك تعيش حالة من الالم والاستياء وتقودك الى القرف وعدم التفكير فى العودة الى ركوب هذا الناقل الذى يقال عنه انه وطنى وهو فى الحقيقة ابعد مايكون عن الوطنية والانسانية ….ففى احد الاعوام وعند عودتى من السعودية الى الوطن على متن احدى رحلات سودنير تم الاستيلاء على كل القطع التى قمت بشحنها ( صحبة راكب ) وهذا يعنى انه كان من المفروض ان اقوم باستلامها فور وصولى الى مطار الخرطوم ….ولكن الذى حدث اننى ظللت طيلة فترة اجازتى اتردد على مطار الخرطوم جيئة وذهابا اسال عن عفشى ولكن لاحياة لمن تنادى …..واصبح العفش الذى يحتوى على كل ما انفقت فيه تحويشة العمر كانه فص ملح وذاب …وفى النهاية ومع آخر يوم فى اجازتى وانا بصدد مغادرة وطنى الحبيب ..بعد ان استعنت بملابس اخوتى واغراضهم وعديت بها فترة اجازتى …قال لى احد معتادى السفر على سودانير ومن الذين لهم خبرة فى هذا المضمار …انت عارف الناس ديل عندهم غرف بعيدة عن المطر يضعون فيها العفش المهمل ..امشى اسال هناك يمكن تلقاعفشك هناك …وبالفعل ..ذهبت التى تلك الغرف …وتم فتحخا غرفة تلو الاخرى …وياللعجب شنط وحقائب مكدسة الى حد السقف وقد اكل عليها الدهر وشرب …ولكن اخيرا عثرت على شنطى هناك …ويالللاسف كانت جوانبها ممزقة بمشرط وتمت سرقة بعض محتوياتها ….وكان احد مسئولى سودانير واقفا ..فسألنى ان كان هنالك شئ ناقص …ولكننى قلت له والالم يعتصرنى وقلبى يتمزق ..ما الفائدة الان من هذا الكلام ..وقد انتهت الاجازة …وقد ضاعت الفرحة والبهجة بما كان موجودا فى هذه الشنط …وحملت حقائبى وعدت بها الى المنزل ….وفى نفس اليوم كنت اغادر مطار الخرطوم على متن الخطوط السعودية وانا قد تعلمت درسا قاسيا عما يمكن ان يحدث لى لو اضطررت الى العودة مرة اخرى على ظهر ناقلنا الوطنى سودانير …..