خالد حسن كسلا : وأخيراً (التجنيب) السوداني يدخل التصنيف
وليس من الصعب بمكان أن يوقف السيد الوزير كل حالات التجنيب التي تحدث بزعم تيسير الأعمال الرسمية. فما هي هذه الأعمال الرسمية؟! هل هي الحد من العطالة؟!.. كلا إنها مما يولِّد المزيد من أرقام العاطلين. ولذلك يبقى أولى بكل مال يجنَّب أن يكون لبند العطالة في الميزانية، وهذه كانت فكرة وزير المالية في آخر ستينيات القرن الماضي السيد حسين الهندي. وقد يقول قائل إلا بعض المؤسسات التي تعمل بأموال مجنبة تستوعب أعداداً كبيرة من العاملين، مما يعني التقليل من العاطلين، والرد على هذه الملاحظة هو: لماذا لا يكون هؤلاء في الخدمة المدنية العامة وتكون أموال مؤسساتهم مسؤولية وزارة المالية؟! وفي المجتمع المسلم إذا أريد إصلاحه فيجب أن يكون كل مال عام مأخوذ من ناتج قومي أو ضرائب أو رسوم أو جمارك تحت إمرة وزارة المالية، ثم أموال الزكاة تصرف على مستحقيها المعروفين وتعطى الأولولية للمؤلفة قلوبهم بعد انتشالهم من الوثنية. ولا نطالب الحكومة بأن تزيد المال فليست لها حيلة وهي لا تنتظر مطالبتنا لأن من مصلحتها أن تستبقها فتنال رضاء كل الجماهير، ولكن نطالبها بأن تضع كل الموجود تحت يد ولاية وزارة المالية. ومن أرادوا تسيير أعمالهم الرسمية عليهم اللجوء للوزارة أو الإدارات التابعة لها. وبهذا نكون مطمئنين، وتبقى بعد ذلك الحرب على الصنفين الآخرين من الفساد المالي هما الاختلاس والاعتداء. الاختلاس هو السرقة التي نص القرآن على عقوبتها، أما الاعتداء فهو مثلاً تحويل أموال مشروع تنموي أو خدمي إلى برنامج آخر بتقديرات بعض المسؤولين، وقد يكون فيها إيثار لمصالح شخصية.
الغريب أن المعارضة تهتم بأمور أقل أهمية من موضوع التجنيب هذا. وتحاول أن تستغل رفع الدعم وغلاء الأسعار، وهي إذا كانت في الحكم لن تملك ما لم تملكه الحكومة التي يسبقها ولا حتى التي ستأتي بعدها بانقلاب أو غيره حسب دورة الحكم في السودان. وهي لم تحافظ على الديمقراطية في عام (1969م) ولا في عام (1989م). وتصعب عليها المحافظة على حكم في يدها، ومع ذلك تتطلع لإسقاط الحكم الحالي دون انتخابات تُعلن دائماً تشكيكها في نزاهتها. والمطلوب من المعارضة الآن أن تسند قرار وزير المالية بمحاربة التجنيب وإعلان الحرب الضروس عليها حتى لا يجد هو المجال للتراجع عن قراره العظيم بحجج مهما كانت قوية فلا يمكن أن تقتضي عدم وضع المال تحت سلطة وزارة المالية، فهي السلطة المالية في البلاد، ويعنيها الصرف على الدفاع والأمن والخدمات والمشروعات التنموية في إطار المراجعة العامة، هذه هي السياسة الإسلامية الحقة. إن مصطلح الإسلام السياسي يبقى خطأ لأن الإسلام لا يتعدد، وإنما تتعدد السياسات الحاكمة في مختلف المجتمعات، فالسياسة الإسلامية تقابلها سياسة علمانية تفصل الدين عن الدولة، وسياسة شيوعية تلغي الدين تماماً من الحياة وتستبدله بالإلحاد. وسياسة يهودية تقوم على تسخير البشر والأرض والموارد لصالح الطائفة اليهودية وسياسة كجورية وثنية تعبر عنها مثلاً عصا النوير التي يشار بها إلى أن من سيحكم الجنوب هو المتمرد على حكومة سلفا كير الدكتور رياك مشار.. رغم أنه ينتقد عدم احترام سلفا كير للديمقراطية. لكنه لم يقل ليست للدينكا عصا كجورية للحكم. لكن للدينكا أغلبية وسط القبائل.
المهم في الأمر هو أن السياسة الإسلامية على الصعيد الاقتصادي تعني محاربة ثالوث الفساد المضر بالمواطن. فلا اختلاس ولا اعتداء ولا تجنيب.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]
لافضّ فوك.. والله اوجزت وأبنت وأفصحت… أتمنى لك دوام التقدم والعطاء الصحفي المتميز… لاول مرة أجد موضوع فذّ في التحليل والتعبير