منوعات

ملامح من سيدة أسطوريّة يرويها شقيق الراحلة «الطقطاقة»

[JUSTIFY]على كل صفحة حصاة وظهر حجر لها حكاية.. تلك المرأة التاريخ “حواء الطقطاقة” التي عاشت في ذلك الحي العريق (حي الضباط)، ليمنحها حب السودان.. فالسودانيون كلهم أبناؤها.. أحبت الاتحادي الديمقراطي، لكنها كانت تغني لكل الأحزاب.. هلالابية.. لكنها شجعت الموردة والمريخ.. هي أم الكل.. نموذج للمرأة قوية الشكيمة وصعبة المراس.. وقد درجت العديد من العائلات في أمدرمان على دعوتها لـ (كسر العود) في طقس (دق الريحة) والغناء في (الجرتق).. ففي المعتقدات السودانية يقولون (هذه المرأة فأل وتجلب الحظ للعروسين).. إذن هي الضلع المكمل لكل زواج في أم درمان.. ولم تكن مغنية فقط، بل شاعرة وملحنة، إضافة إلى كونها امرأة مناضلة.. فهي من الرعيل الأول لاستقلال السودان.

وها هو عيد الاستقلال يعود دون فنانته الشهيرة، ووفاءً لذكراها واحتفائها سنوياً كما عودت الجميع وهي ترتدي (علم السودان) وتجول الشوارع.. ذهبت (المجهر) إلى منزل المرحومة “حواء أحمد الشيخ أحمد” الشهيرة بـ “بحواء الطقطاقة”، في (حي الضباط) بأم درمان، والتقت بشقيقها “الصادق إبراهيم رحمة الله” الذي بدأ سارداً مسيرة الأسرة منذ الميلاد الذي كان في (كردفان) منطقة (الرهد)، ثم قال: حضرنا من كردفان في العام 1942 وفي هذا العام سنكمل (55) سنة بأم درمان التي اتنقلنا فيها من حي الشهداء، ود نوباوي، مروراً بالعباسية ثم حي الضباط. وكشف ضيفنا عن أن أسرتهم لديها صلة قرابة بالشيخ “عبد الرحيم البرعي” من ناحية الوالدة، و”محمد النور ضيف الله” (صاحب الطبقات) وأيضاً بالفنان “الجابري”.

وعن شقيقته “حواء” قال “الصادق”: ولدت في العام 1928م وبدأت الغناء منذ أن كان عمرها أحد عشر عاماً، وتأثرت بـ (حبوبتي) التي كانت قريحتها الشعرية حاضرة في كل المناسبات، وعندما حضرنا إلى أم درمان، وجدت الجو الملائم للغناء، وتوطدت علاقتها بالفنانين والشعراء أمثال “محمد بشير عتيق”، “أبوقطاطي”، و”عوض جبريل”.. أما “عمر البنا” فهو الأب الروحي لها.
} “حواء” المناضلة وفي العام 1938م عندما بدأ مؤتمر الخريجين، كانت “حواء” صغيرة، ومنذ ذلك الوقت كانت تتبع لحزب الأشقاء الوطني، وعند مناهضة البلاد للاستعمار كانت المظاهرات تبدأ بعد صلاة الجمعة في مدن العاصمة المثلثة، بالإضافة إلى الأبيض، وهي المرأة الوحيدة التي كانت تخرج في المظاهرات، ثم بعد ذلك خرجت معها “خالدة زاهر” و”عازة” زوجة “علي عبد اللطيف”، وكان المفتش الإنجليزي حينذاك ينزعج من وجودها فقال لها (إنتي مثل نبات الطقطاق.. موجودة في أي مكان.. طق .. طق) في إشارة للتصفيق، فلحق بها اللقب.. و(الطقطاق) نوع من الأشجار تنفجر بذوره مع سخونة الشمس فتصدر صوتاً.. وهذا الشجر كان موجوداً بكثافة في منطقة (حديقة الحيوانات) سابقاً. ثم أن المفتش الانجليزي – يواصل ضيفنا – كسر لـ “الطقطاقة” أسنانها، وقد عرض عليها العديد من الرؤساء إعادة زراعة أسنانها، منهم”الأزهري” و”نميري” و”البشير”، وحتى الراحل “قرنق”، لكنها رفضت قائلة: (ده تاريخ نضال).

ثم انتقلت “حواء” إلى (عطبرة) وعملت في مصنع (زراير)، وعمل معها حينذاك “حسن خليفة العطبراوي”، ثم كان إضراب عمال السكة الحديد الشهير ضد الاستعمار، فتم سجنها لمدة ستة أشهر، وكان معها “محمد سلام” و”الشفيع”، ونُقلت إلى (سجن كوبر) وعوقبت بحلاقة شعر رأسها!! وتم اعتقالها تحفظياً عدة مرات في عهد “عبود” و”نميري”.

ويقول “الصادق”: انفصلت من زوجها بسبب رغبتها في مواصلة النضال والغناء، وهي لا تقرأ ولا تكتب لكنها بالمقابل على دراية واسعة وثقافة عالية وتتميز أيضاً بسرعة البديهة.. وكانت معجبة بالملك “فاروق”، فذهبت إلى القاهرة في زواجه وغنت أغنيتها الشهيرة (عاش الملك “فاروق”).. وعند حضور “ياسر عرفات” إلى السودان طلبت منه زيارة فلسطين حتى تجاهد هناك، فأعجب بها وأهداها شاله المميز.

} أم الكل وواصل العم ” الصادق” التبحر في سيرة شقيقته وقال: “الطقطاقة” كانت الفنانة الأولى، وتتفاخر العائلات بإحضارها.. ولا تنتهي علاقاتها بالأسر مع نهاية مراسم الزواج، بل تمتد عند (الوضوع) والوفاة.. وكان الاعتقاد السائد آن ذاك أن (الزواج الذي تغني فيه “الطقطاقة” العروس ما بطلقوها ولا بعرسوا فيها)!! فكانت مصدر تفاؤل للجميع، وعندما تغني لا يهمها سوى (حق الشيالين والساوند) و(ما بتقاول).. وكثيراً ما كنت تردد هاتين الجملتين (الله يديني ويطلق وكيلي)، و(الفن ليس سلعة تباع)، إضافة إلى دورها الخيري في إعانة المحتاجين.. وهذا المنزل كانت تضيق جنباته مع الزوار والضيوف، والعادة الغريبة التي كانت تفعلها “الطقطاقة” في المناسبات.. سواء الأهل أو الجيران.. أنها كانت تدفع في (كشف النسوان) و(كشف الرجال)!!

} بعض من رد الجميل وعند وفاة “الطقطاقة” – يواصل العم ” الصادق” – حضر إلينا الرئيس “عمر البشير”، بالرغم من مرضه وقتها، ومعه معتمد أم درمان ووزير الثقافة الولائي والأستاذة “إشراقة سيد محمود” والأستاذ “يوسف الهندي” والكثير من الفنانين والشعراء، وقام بتأبينها: المعاقون، الحزب الوطني الاتحادي، مركز راشد دياب، مركز الخنساء، والنادي العائلي، وقد منحها الرئيس “البشير” وسام الامتياز في مهرجان الثقافة الأول، ويكفينا شرف أن أبناء الشعب السوداني نفذوا وصيتها بأن شيعوها من منزلها بحي الضباط إلى منزل الزعيم “الأزهري”، ثم عادوا بها إلى مقابر (حمد النيل) سيراً على الأقدام، وقالوا: سنأخذها على كتوفنا ولو إلى آخر السودان.

صحيفة المجهر السياسي
ت.إ[/JUSTIFY]