رأي ومقالات

مرور ذكري مولد النّبي محمد (ص) وحال مكارم الأخلاق والمعاملة عند المسلمين في العام 1435هـ


اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم – بسم الله الرحمن الرحيم – والصلاة والسلام علي رسوله الأمين – محمد ابن عبدالله – الرحمة المُهدَاة والنِّعمة المُسْدَاة – وعلي آل بيتِه الطاهرين وأصحابه الغُرِّ الميامين – وعلي التابعين وتابعي التابعين إلي يوم الدين.

لقد مرّت بالأمس القريب ذكري مولد سيدنا النبي الرسول محمد (ص) سيد ولد آدم ذو الخُلُق العظيم – مرّت ذكري مولدِه في يوم 12 من شهر ربيع الأول من العام الهجري الحالي 1435هـ وقد ولد في مثل ذات اليوم من عام الفيل وقيل أنه يوافق العام الميلادي 571م (وربما كانت السنة هي 579م).

ولد سيدنا النبي اليتيم الأمي في وقت كانت تعيش فيه كثير من الأمم من الأعراب والعجم في ظلام دامس من الجهل وانعدام الأخلاق – فظهرت إرهاصات تلتها كرامات ومعجزات عديده تنبيء عن ميلاده وتبشّر بقدوم نبي يُرسل – منها شقُّ صدره وتصدّع إيوان كِسري وانحسار ماء البحيرة وإنطفاء نار المجوس وإنشقاق القمر وردُّ الشمس بعد المغيب وتحلية ماء البير بالبزغ وزيادة حليب الشاة العجفاء التي درّت الألبان وكفّت الضيفان ومنها عدلُه الذي بانَ في الشَّطُر – وهو طفل كان يرضع من شطرٍ واحد في أمِّه من بني سعد حليمة السعدية وترك الثدي الآخر لأخيه من الرضاعة ضَمْرَة – وهناك من الأخبار والأحاديث ما لا يمكن حصره عن معجزاته وأفضاله.

تميّز المصطفي (ص) قبل البعثة بأنَّه الصادق الأمين. فأصبحت العرب تضع عنده الأمانات – ومن أروع ما جري عند هجرته إلي المدينة المنوّرة أنّه طلب من سيدنا علي (كرّم الله وجهه) رد الأمانات التي كانت في عُهدتِه عليه الصلاة والسلام إلي أهلها من الكفّار والمشركين بمكّة. وأعظم ما يبيِّن صدق نبوَّتِه وأن القرآن كلام الله هو نزول سورة “عبس” التي تُلقِي باللَّوم والعتاب اللّطيف من رب العزّة علي الرسول (ص) أن عبس وتولي أن جاءه الأعمي وكذلك ما نزل في سورة الأنفال من تفنيد لمواقف المسلمين في غزوة بدر ونقد لإدارة الأمور الحربية وقتها فلو كان القرآن من تأليف بشر لما اورد علي نفسه تلكم الآيات الباقيات الي أن يرث الله الأرض وما عليها – ولو لم يكن الإنسان اميناً لأخفي ما يمكن أن ينتقده. ولو كان سيدنا النبي عنصرياً أو جهوياً لما أوصل إلينا سورة المسد التي تحاكم أبا لهب وتقرر أنه سيصلي ناراً ذات لهب وإمرأته حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد والرجل وزوجته من قريش. ولو كان يعمل بالمحسوبية لما قال “والله لو سرقت فاطمة بنت محمد – لقطع محمد يدها” وهو بذلك ينبّه عل قوم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. ومن أعظم ما قدّمه سيدنا الرسول (ص) للمرأة هو إيقاف وَأْد البنات “وإذا الموءودة سُئلت, بأي ذنب قُتلت؟” وهو كذلك من تزوّج لاول مرَّةٍ لنفسه من المرأة الثيِّب المتزوجة قبله وليست البكر السيدة الفُضلي خديجة بنت خُويلد (رض) فأنجبت له العيال.

أمّا أهمّ ما اتصف به الرسول (ص) فهو مكارم الأخلاق. قال الله تعالي في سورة القلم ” وإنّك لعلي خُلُقٍ عظيم” وقال النبي (ص) عن نفسه ” إنّما بُعِثتُ لِأُتمّمَ مكارم الاخلاق” وقد قال الشاعر المصري شوقي:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقِيَت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ومن مكارم
الاخلاق التواضع وحب الخير للآخرين والإيثار لا الأَثرََة والصبر والشجاعة النافية الجُبْن والقناعة والكرم النافي البُخُل والسَّخَي وعدم المكر وهلمجرا. وما زالت الشعراء تمدح سيدنا النبي (ص) منذ بعثته إلي يوم الدين ولم ولن يكتفوا من مدحه ووصف عظمة وجمال شخصيته وسيرته وجمائله وشمائله إلي الأبد – وستكون الإجابة علي الشاعر عنترة : بلا – علي تساؤله:
هل غادر الشعراء من مُتَرَدّم *** أم هل عَرَفتَ الدّار بعدَ تَوَهُّم.

وعندما ينظر الإنسان في زماننا هذا (2014م) يلاحظ الكثير من المفارقات والعجائب في أخلاق المسلمين خصوصاً الذين يرون أنهم أشرف النّاس وأصحاب الحسب والنسب معه صلي الله عليه وسلّم. يقول النبي الأمي محمد (ص): المسلمُ من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده. ويقول الرسول (ص) ” إن الله لا ينظر إلي صوركم ولا أجسادكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم” ويقول “كلُّكم لآدم وآدم من تراب” وعلي الرغم من هذا الكلام الطيِّب الذي مرّت عليه أكثر من 1435 سنه إلّا أن المسلمين ما زالوا يعانون من النعرات العنصرية والمواجهات القبلية والإستعلاء العرقي والطبقي والجهوي والسياسي والإقتصادي والإجتماعي. وفي النهاية “الدين المعاملة” فعلي المسلمين أن يصحّحوا عقيدتهم ويصوّبوا معاملاتهم.

وعلي الرغم من ورود الآيات الكريمات منذ 1435 سنه عن مَثَلِ الكلمة الطيبة “أصلها ثابت وفرعها في السماء” وقول سيدنا النبي (ص) “تبسُّمُكَ في وجه أخيكَ صدقة” وتثبيت القرآن لحقيقة الحساب الدقيق للنّاس عن أفعالهم مهما صغُرت “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره” – علي الرغم من هذا نجد بعض النّاس ينطقون ويكتبون ويصوّرون المنكر من القول والفعل والصورة عبر الوسائل الإعلامية علي إختلافها متناسين لكل تلك التحذيرات والتوجيهات الواردة في القرآن الكريم والسنّة الطاهرة الشريفة , فهل ثاب الجميع الي رشدهم.

نعم قال الرسول (ص) بلغوا عنّي ولو آية. ولكن ورد في القرآن العظيم أيضاً “أدعوا إلي سبيل ربِّك بالحكمة والموعظ الحسنة” وقد عامل النبي (ص) ذلك الإعرابي الذي تبوَّل في المسجد أفضل معاملة – ووجّه بترك الرجل ليُلبِّي نداء الطيبة ويتم بوله – ثم أمرَ بجلب الماء ودَلْقِه في موضع البول لتطهيره – ثم أجلس الرجل وبيّن له سوء ذلك الفعل الذي أتي به في المكان المقدّس والمسجد. ولو كان من بين النّاس أحد من شدّة إيمانه يحاسب ذلك الرجل برَدْعِه أو ضَربِه أو قتلِه – لكان الرسول (ص) أحق بذلك فهو الأكثر والأصدق والأعمق إيماناً بالله من أيِّ أحد آخر. ولذلك مطلوب من كافة الدعاة ورجال الدين من أنصار الطرق الصوفية والسنّة والشيعة والوهابية والاخوان المسلمين والإسلاميين وغيرهم من أهل الدين والجماعات الإسلامية أن يدعوا إلي سبيل ربِّهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وأن يلتزم الجميع بعفة اللّسان وأن يتجنبوا التجريح والإساءة إلي الآخرين. والرسول (ص) قد أدخل في الإسلام كثيراً من الناس بفضل حكمته وصبره وحِلِمه – وحتي في زماننا هذا يدخل الناس في الدين بسبب حُسن سيرة المصطفي (ص) – خذوا حذركم ولا تنفِّروا النّاس من الصلاة في المساجد بغليظ القول والترهيب والتعنيف والتجريح.

وختاماً, كل عام وأنتم بألف بخير – وكل عام والامة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها تتحلي بمكارم الاخلاق وبالشخصية المسلمة الصحيحة التي قال عناها سيدنا النبي (ص) عندما قال: المسلمُ من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده.

وأسأل الله االعلي القدير أن يحفظ السودان وسائر بلاد المسلمين ويجعلها سخاءاً رخاءاً بفضلِه و وجودِه وكرمِه. اللهمّ يا وكيل الغافلين ويا مغيث المضطرين ومجيب الدعاء قبل سؤال السائلين – نسألك أن تجعل قلوبنا واعية بك – عارفةً بما أسديته من الإحسان, وأجعلنا اللهمّ من التائبين العابدين الحامدين الشاكرين الصابرين ولا تجعلنا من الضالّين ولا المضلِّين.

هديتي لكم بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف للعام 1435هـ:
***************************************
قصيدة : مولد نبينا محمد (ص)
20 ديسمبر 2013م
نظم/ المحب في الله/ إبراهيم عيسي البيقاوي (المهندس)

مَــوْلِد نَبِــــينَا مُحَمَّدْ الأفْضَـلْ فِي يَومْ إِطْنَـــاشَر مِن رَبِيعْ الأوَّل
خُلِقْ قَبْلَ آدَمْ فِي الزَّمَان الأوَّل جَاء خِتَامْ لِلْرُسْلِ وَهْوَ كَانَ الأوَّل
***
لَا إِلَــهَ إِلَّا رَبَ العِـــــــزَّةْ اللهْ مَنْ زَرَأ لْلْكَـــــونْ مَنْ بَرَأ لِلْمِـــــلَّة
مَنْ لِمُوسَـي كَلَّم فِي الجَبَـــلْ تَجَلَّي عَظَّمْ لِمُحَمَّدْ بَلْ دَنَي وْتَدَلَّي
بَثْنِي بِمُحَمَّدْ الأنْـــوَرْ المُجَلَّي خَيْرَ المُرْسَلِين بَي الخُلُقْ تَحَلَّي
مَا إِسْتَعْصَي أمْرٌ إلَّا لَيهُو حَلَّ لِلصَلاحْ والتَقْوَي كَمْ أَرْشَدْ وَدَلَّ
***
بِمَــــولِدْ نَبـِـينَا مُحَمَّدْ الجَلِيـــلْ فِي رَبِيــعْ خُمْسَينْ مِنْ عَام الفِيـــلْ
نَـــارْ الفُـــرْسِ مَاتـَــتْ وَالبُحَيرَة غَاضَـتْ كِسْرَي إِنْكَسَر إِيوَانُو العَلِيـلْ
اليَتِيــم الأُمِّي الفَاقَ الخَلِيلْ مِن طُفُولتُو البَاكْرَة سَالْ نَعِيمُو سَيــــلْ
شَقَّ المَولَي صَدْرُو نَقَّا بالغَسِيلْ لِعَدْلُو فِي الشَّطُرْ ضَمْرَة كَانْ دَلِيـلْ
***
صَلَاتِي وْسَلَامِي لِلنَّبِي الحَلِيمْ مَنْ فَاقَ نُوحْ وَآدَمْ وَمُوسَي الكَلِيمْ
شَافْعَ المُذْنبين فِي العَرْض العَظيِم يَومَ لَا ظِلَالْ غَير ظِلْ العَلِيمْ
بِجَـاه النَّبـي بَيْـقَاوِي يَكُونْ سَلِيـم مِنْ كُولِيسْتُرُولْ وَقَــاوُت أَلِيــمْ
فَهْـوَ ذُو عِيَـالْ أَعِنْـهُ يَا كَرِيـمْ أُسْــرَتُو المُمْتَـدَّة تَرْقَي فِي التَّعْلِيمْ

انتهي نص القصيدة.<<>>>>

أعدّه المهندس/ إبراهيم عيسي البيقاوي – الخرطوم – السودان.


تعليق واحد

  1. [B]لك كل الشكر على هذه الاستراحة التى أتت في زمانها ومكانها .. لنستريح فيها مع انفوسنا .. واتنمى من الله ومنك أن لا تنقطع عن الكتابة [/B]

  2. [SIZE=4]النبي المصطفى ” صلى الله عليه وسلم ”
    دائما أقف طويلا عند قوله ” صلى الله عليه وسلم ” بدأ هذا الدين غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء …..نسأل الله أن يجعلنا من الغرباء في هذه الدنيا الفانية ….التي قال فيها ” صلى الله عليه وسلم ” للفاروق عمر : أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟! ماالدنيا إلا كشجرة يستظل بها الراكب !
    مجرد استراحة ياإخوتي ثم يدعها ويذهب ….فلماذا يتملى بها البعض ؟! لعلهم من شاكلة عبدالملك بن مروان لما سأل الحسن البصري لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة ؟ فقال له الحسن لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم ، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب .
    جعلنا الله وإياكم ممن تمسكوا بسنته ، وأحبوا آله وصحابته ، وليرزقنا الله شربة من حوضه لا نظمأ بعدها أبدا ، وليحفظنا الله من تبديل سنته ولاجعلنا من الذين تذبهم الملائكة عن حوضه لأنهم ابتدعوا مالم يأتِ به وبدلوا سنته
    ونسأل الله أن نكون من إخوانه الذين ذكرهم لصحابته ، حتى أنهم سألوه أولسنا بإخوانك ؟ فقال لهم بل أنتم أصحابي ولكن إخواني من يأتون بعدي يحبونني ولم يروني …أو بمعنى ذلك …
    والله إننا لنحبك يارسول الله ونحن في جهاد مستمر ماوسعنا الجهاد مع من يتفلتون من إخوتنا هداهم الله[/SIZE].

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا ، ونسال الله العلي القدير أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك وان يحشرنا تحت لواء الحمد لواء الرسول صل الله عليه وسلم وان يسقنا من حوضيه بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها ابدا برحمتيك يا ارحم الراحمين
    عندي تعليق ارجو ان تتقبله وذلك لحب الخير لك
    وهو اختزال صل الله عليه وسلم في كلمة ( ص )
    وهنالك افتاء في ذلك ، ادناه

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ما حكم من كتب لفظ صلى الله عليه وسلم ورمز لها (ص) ؟
    يجيب الشيخ عايض القرني حفظه الله ورعاه ,,,
    الذي يكتب صلى الله عليه وسلم ويرمز لها ( بالصاد )
    قد خالف الأولى في هذا، وفاته أجر كبير وخير عميم وثواب
    جزيل، بل يغتنم الصلاة والسلام عليه،,
    فإن النووي رحمه الله يذكر من آداب طلب العلم والحديث:
    أنه إذا ذكر الصلاة فليغتنم الأجر في هذا، فليصل ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم وليكتبها؛ لأنها بركة في وقته وفي عمره وفي أجره،,
    وأما رمز (ص) فإنما أتى لنا من بعض من تأثر بالغرب في اختزال الكلمات، فاختزلوا الكلمات ليوفروا على أنفسهم بعض الأجور والثواب ورفع الدرجات، ,
    وهذا خطأ،, بل يكتب (صلى الله عليه وسلم) وتنطق عند الكتابة،, ويعتذر لبعض المحدثين -كما ذكر أهل المصطلح- في أنهم ما ذكروا الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- من العجلة، أو أن الشيخ كان يملي، أو أنهم كانوا ينطقونها ويكتفون بنطقها.
    لكن الأحسن أن تنطقها، وأن تصلي وتسلم عليه صلى الله عليه وسلم كتابةً؛
    لتكون لك نوراً عند الله عز وجل..
    والله تعالى اعلم ..

    واسال الله العلي القدير ان يمن عليك بنعمة الصحة والعافية وان يجعل ذريتك من عباده الصالحين

  4. [COLOR=#0A00FF][SIZE=4][FONT=Tahoma]الأخ الحبيب إبراهيم عيسى البيقاوي، أهنئك وأبشرك بأن الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى مقبولة مقبولة بإذن الله تعالى جزما فاللهم تقبل منا ومنكم صالح الأعمال.[/FONT][/SIZE][/COLOR]