مقالات متنوعة

في صالون برشلونة


في صالون برشلونة
ستجده في كل مدينة سودانية …
مثله مثل ( حي السلام ) والسوق الشعبي والتهميش والفساد وتردي الخدمات ، ستجد صالون برشلونة … لافتة ضوئية أنيقة عليها صورة ميسي وهو يجري فرحا بأحد الأهداف ، والكلام المكرر عن الذقن والقطعية و
ساونا الوجه الخ الخ …. ومثل كل صالون برشلونة دخلته في حياتي كان لابد من سماعات صوتية عملاقة ينطلق منها صوت محمود عبد العزيز الشجي ليرثي ( مدينة جوبا أجمل مدينة)… على الحائط صور مملة وسمجة لمطربي راب زنوج بأشكالهم العجيبة وحلاقاتهم شبه الصلعاء … كنا ثلاثة جمعتنا كراسي الحلاق ..الأول شاب صغير السن ولكن اللحية السلفية الكثيفة منحته مظهرا وقورا أكبر من عمره ، جاء ليحلق رأسه لأنه عريس هذا الأسبوع … الثاني شاب غير ملتحي ، عليه سيماء من تدحرج وتمرمط في هذه الدنيا حتى إن هناك بضعة شعيرات بيضاء على رأسه ، وجاء ليحلق من أجل صورة الجواز الذي ينوي إستخراجه لمغادرة البلد … الثالث أنا وجئت لأحلق لأن الشعر هو أبسط هم أحمله على رأسي …
محمود لايزال يغني والحلاق يسأل الشيخ الشاب مداعبا :
– رأيك شنو يا مولانا تجيب محمود ده في عرسك ؟
– جدا جدا .. بيعرف يقرأ قرآن كويس ؟
ضحك الحلاق والشاب الآخر في حين سألته أنا ورأسي يميل تحت يد الحلاق :
– والله أيامك يا شيخنا ، إنت أصغر مننا وداير تعرس ، دي عملتها كيف ؟
رد على بسرعة :
– بأبسط ما يمكن ، إنتو مقفلنها على روحكم براكم .. عارف أنا دفعت كم في المهر ؟ خمسين جنيه بس
فتحت فمي من الدهشة في حين طنطن الشاب الآخر :
– تلقاه واحد شيخك أداك بتو ، والله تمشي لزول تاني بالخمسين دي شلوت ما يديك
إبتسم الشيخ إبتسامة راضية ، ولم يرد في حين سرحت أنا متخيلا موقف الحاجة لو قلت لها إنني سأتزوج بخمسين جنيها ، سيكون ردها كالتالي:
– ليييييه ؟ حتزوج جدادة ؟ حيدوك كيلو واحد منها ؟
حقا نحن ( مقفلنها ) على روحنا .. الشاب الآخر يقول :
– أنا فكرت أتزوج مجرد تفكير لقيت إنو القمر قريب شديد
– عشان كده متخارج ؟
– عشان كده وعشان حاجات كتيرة .. أخواني اتنين طلعو وصحبي طلع ولو قعدت هنا روحي حتطلع أحسن اقد
أنا أيضا سافر أصدقائي كلهم .. بعد بضعة أشهر سأضطر للبحث عن أصدقاء جدد .. قلت لهم :
– شكلها البلد حتفضى .. هنيئا للحكومة والحبش
أي .. جرحني الحلاق .. نظرت له مليا في المرآة فوجدت جلحاته المميزة فأدركت إنه حبشي … التلفزيون المعلق خلفي يبدو واضحا في المرآة وشريط الأخبار يزحف حاملا الأخبار السارة .. تعثر المفاوضات بين الشمال والجنوب .. إرتفاع أسعار ال… .. عدم توفر الغاز .. إعتقال ألخ .. والجريدة التي يضع عليها الحلاق معداته واضحة العناوين .. ثلاثة ألف تأشيرة يوميا .. الاف الأطباء يهاجرون إلى ليبيا .. الحكومة تطالب ليبيا بتخفيض رواتب السودانيين .. قريبا سيعرضون حالتنا في ناشيونال جيوقرافكس في برنامج هجرات عظمى .. إستقالة الوزير الفلاني وعودته بقرار جمهوري .. أخبار أخبار كلها تسبب الغثيان وتطرد الهم الصغير لتضع مكانه هموما أكبر وأكبر .. حقا لم أكن مخطئا حين قلت إن علينا تركها للوزراء والحبش .. أي .. جرحني الحلاق مرة أخرى .. هل هذا الحبشي يقرأ الأفكار أم ماذا ؟ إعتذر لي ووضع لاصقة ثانية على الجرح .. ومحمود يغني .. ( كلو من ديلا .. روحي طال ويلا ) .. حقا يا محمود كل هذا ( من ديلا ) .. أنهى الشاب حلاقته ونظر لنفسه في المرآة بمنتهى الرضا وهو يهمهم :
– جدة جاك زول
وأنهى الشيخ حلاقته البسيطة التي هي عبارة عن (نمرة واحد ) كاملة الإستدارة ، وأنهى الحبشي حلاقتي أنا بجرح ثالث ولاصقة جديدة .. نظرت لنفسي في المرآة لأجد وجها كالحا عليه ثلاث جروح .. واحد للحبشي ، والثاني لظروفنا الكئيبة الطاردة ، والثالث … لشئ في نفس يعقوب

الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير


تعليق واحد

  1. ان شاء الله يفهموا ليه كل الناس عايزة تسافر للخارج -وكان المفروض هم من يسافر الى لاهاى