رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: لو كانت الأفراح تُشترى لاستحق الشعب السوداني أن يشتري له شاء من استطاع ابتسامة عز وكرامة بملايين الدولارات

ايام رائعة قضيناها بدوحة العرب.. الطقس وكرم الضيافة وروعة السودانيين، حينما يلتقون بعيداً عن مستنقعات (ساس يسوس)، ومرابط القبائل والجهويات، وثارات كُليْب وغُبْن تَغْلِب!
ومع كل ذلك وقبله، روعة أداء لاعبي المريخ أمام بطل العالم البايرن يونخ. كانوا يلعبون كأنهم في جبال كرري، يدافعون عن أم درمان وحمى الحرائر.
كأن المدرب الإسباني جوسيب جوارديولا، كان يتحدث بلسان الملازم الذي كان مع الكتيبة 21 لانسرز، التي دحرها عثمان دقنة في خور أم سنطة، المراسل الحربي نستون ليونارد تشرشل، حينما قال بعد معركة كرري: (كانوا أشجع من مشوا على الأرض، لم نهزمهم، ولكن دمَّرناهم بواسطة الآلة)!
الماكينة الألمانية لا ترحم، تنجز مهامها بكل صرامة وقسوة، لا ترأف على نفسها، فدعك من الخصوم!

الكاتب والقاص السعودي البارع، محمد الرطيان، يقول في وصاياه: (إذا استهوتك كرة القدم، فعليك بتشجيع الفرق الإيطالية والإسبانية… الطليان يلعبون كأنهم يدافعون عن أولادهم، والإسبان كأنهم يراقصون حبيباتهم… شجع ريال مدريد وهو نادٍ عظيم).

ولم يتحدث الرطيان عن قسوة الألمان وشراستهم؛ فهم قوم لا يعرفون (الهظار) ولا تبلل وجوههم الابتسامات، المعارك تفضي إلى الدمار لا الانتصار والتنافس الكروي، حتى ولو كان وديّاً يقود إلى السحق ومسح الأنوف بالبلاط!
المريخ لم يكن لقمة سائغة، ولا حملاً وديعاً ولا بطةً عرجاء يتم اصطيادها بقشر الموز!

الثعلب كروجر ابن ذات الحفرة، أبو القدح الذي يحفظ خارطة الجسد، فلا تخطئ عضته مواضع الألم على ظهر أخيه أو في جنبه الخفي.

الأمر كان أكبر من كرة قدم، لا يزيد وزنها عن 410 جرامات، ولا يقل عن 450 جراماً، تبحث عن هتْكِ عذرية الشباك، كانت مهمة المباراة، إن تقدم السودان على غير صورته النمطية!

والصورة النمطية للأسف مرتبطة بأخبار الحروب والمجاعات والأمراض والجراد الإسرائيلي والدود الأمريكي والمصري المحارب للقطن!
يكفي أن تنطلق هتافات السودانيين أمام الشاشات العالمية (فوق فوق سودانا فوق)، فوق عالياً مع النسور لا مع الزواحف والضباع وبغاث الطير.

مباريات كرة القدم لا تغير تلك الصورة الذهنية الراسخة، ولا تقدمنا للعالم في زينة جديدة، ولكن في مباراة البايرن، عرف أغلب العالم أن في السودان مواهب كانت كثيراً ما تخطئها مراصد جواسيس الملاعب، وأن بالسودان جمهوراً نبيلاً عصياً على القهر يقاتل أمام لاعبيه!
لوكانت الأموال تقي من مصارع السوء والهزائم الفاضحة، لما تم إذلال الكويت الكويتي في عقر داره!

ولو كانت الأفراح تُشترى لاستحق الشعب السوداني أن يشتري له شاء من استطاع ابتسامة عز وكرامة بملايين الدولارات.

لكنها الشائعات، حينما تستأسد على الحقائق في أجواء الغباش والغش وصناعة الأكاذيب، التي تنطلي على مطلقيها، وتتوهم مع أشعب دعوات الغداء.
بعض أئمة المساجد لا يتورعون من جعل منابرهم منصات اعتماد وتوثيق للشائعات.

لا يتحققون ولا يستفسرون ولا يتبينون، يحاولون تسويق خطبهم الرتيبة والكاسدة، برش “الشمار” عليها، لعل ذلك يضعف اهتمام المصلين بعقارب ساعة الحائط!

على قدر ما أبرزت مباراة المريخ مع البايرن أجمل ما فينا من رجولة وصمود؛ للأسف كشفت أسوأ ما في مجتمعنا من غلّ وتباغض وتحاسد في كل المجالات الرياضية، وقبل ذلك السياسية والاجتماعية ووووووو.
ضياء الدين بلال

‫4 تعليقات

  1. شكرآ الاخ ضياء وكما عودتنا كاتب رصين ومسئول في كل المجالات وانت مسكون بعشق الاحمر تنثر الدرر فنلت احترام الآخرين قبل الصفوه

  2. أخي ضياء …كل المجتمعات في العالم لها علاتها و امراضهاو لكن التشخيص المبكر و معرفة العلة هي وسيلة متقدمة للعلاج الذي يسبق الكي … نحن كسودانيين صدقني من اطيب شعوب الارض و لكننا لا ندري ذلك !!! (الرسول صلى الله عليه و سلم رحل الى الرفيق الاعلى و ترك خصاله الكريمة في الدنيا و لكن هذه الخصال لا توجد الا في السودان) …هذا ما قاله احد الاخوة العرب من خلال شاشة احدى القنوات العربية الخليجية…علينا من الان ان نبدأ في العلاج بالوسائل التي تحقق لنا الغايات و ندعو جميعا الى الفضيلة التي تحفظ لمجتمعنا كرامته و كبرياءه !!!! وفق الله الجميع لفعل الخير …