منى سلمان
عندما اتلحس تِيّة
طوال السنوات التي اعقبت اكتمال البناء في ذلك البيت (المطرّف)، تبادل السكن فيه مجموعة من المستأجرين، وان لم تستمر اقامة أطولهم مكوثا فيه البضعة اشهر .. فكل من سكنه شكا من تنوع المصائب التي تقع على افراد اسرته .. من كسر أرجل أو أيدي الاطفال لاهون وقعة، وحتى اخطرها كـ انلاع الحرائق سبة بلا سبب ! ده طبعا بالاضافة لـ الكركبة والحركة المريبة سالفة الذكر.
ظل البيت جاثما في موقعه الـ (الركن زاوية) يشكو من الوحشة والظلمة، حتى اجتذب انخفاض قيمة أيجاره إدارة مدرسة ثانوية (خاصة)، تبحث عن مقر مؤقت لحين اكتمال مبانيها .. انتقلت المدرسة لذلك البيت مع بداية العام الدراسي كما انتقل معها (تيِّة)، الغفير الذي كان يعمل في غفارة المدرسة ليلا، ونظافة فصولها ومكاتبها وتلبية طلبات ومراسيل طاقم التدريس فيها نهارا.
كان (تيِّة) رجلا فتيا جم النشاط، قوي البنية موفور الصحة .. بشوشا ضاحك الوجه محبوبا لدى الجميع طالبات ومعلمين، وبالاضافة لطبعه الخلوق كان يمتاز بالنظافة حتى صار جلبابه الدمور الناصع بثنيات مكوته (السيف) مضربا للمثل ..
سارت الامور في المدرسة سيرها الطبيعي ولم يعكر صفوها إلا تسلل خبارات شمار (عمّار) البيت، التي انتقلت من اهل الحي الى اذان الطالبات، حيث تبارن في تناقلها بينهن وكل منهن تحاول ان تدعمها بقصة من نسج خيالها لتؤكد فرضية كون أن المدرسة مسكونة وكده ! حتى صارت تلك الحكايا كغمامة أظلت سماء المدرسة انتظارا لساعة الهطول .. ثم جاءت تلك الساعة !
لم يسأل أحدا من مرتادي المدرسة اساتذة وطالبات ممن وصلهم شمار العمّار، (تيِّة) غفير المدرسة ليستوثق من صحة ذلك الشمار، فلابد من ان اقامته وحيدا وخاصة في الليل تتيح له فرصة تبين حقيقة الأمر .. وهل أسعدته الفرصة بمقابلة قاطني الدار من غير صنف البشر؟ أم أن الحكاية وما فيها محض اشاعات؟ .. ولكن كانت ثقة الجميع تؤكد على أن (تيّة) ما بتجيهو عوجة، لسابق معرفتهم بـ كونه زول مقرّم وواقع من السماء سبع مرات .. كما انه قد اشتهر باجادة التعامل مع تلك الفئة من مخلوقات الله.
تعودت الطالبات على القدوم للمدرسة في الصباح الباكر، حيث يجدن (تيّة) قد بكّر بفتح الابواب والفصول بعد أن قام بنظافة المدرسة جوة وبرة، ورش ساحتها بالماء، ولكن في هذا الصباح طالت وقفة البنات أمام باب المدرسة المقفول .. انتظرن حتى تكاثرت اعدادهن دون أن يظهر (تِيّة) فقد حسبنه خرج لبعض شأنه وسيعود ..
تزايدت اعداد الطالبات واكتمل عدد الاساتذة أمام الباب، وعندما اقترب وقت الطابور الصباحي قفز أحدهم عبر السور لداخل المدرسة وقام بفتح الباب ليدخل الجميع ..
تحير الجميع طالبات ومعلمين من منظر أكوام الاوساخ وأكياس النايلو والاوراق المتناثرة في فصول المدرسة وباحتها .. فكما هو واضح للعيان فان (تية) لم يقم بواجبه المعتاد من نظافة المدرسة بعد نهاية اليوم الدراسي السابق .. تفقده الاساتذة في الغرفة التي يقيم فيها والتي كانت سابقا عبارة عن مطبخ البيت ولكنه لم يجدوا له اثرا فيها !!
دعى الناظر لتأجيل أمر البت في سبب اختفاء (تيِّة) وأمر بضرب الجرس واقامة الطابور الصباحي.
انتظمت صفوف الطالبات وبدأ برنامج الطابور فقراته المعتادة عندما رفعت إحدى طالبات الصف الاول بصرها بالصدفة إلى الأعلى نحو (رأس البيت)، وفجأة أطلقت صرخة رعب مدوية .. هاجت الصفوف وماجت وتدافعت الطالبات في زعر نحو الخارج دون أن يفهمن ما حدث .. تزايد الصراخ والعويل عندما ارتفعت ابصار الجميع إلى الجهة التي ظلت الطالبة تحملق فيها وتواصل صرخاتها المزعورة !!
هناك في أعلى (رأس البيت) كان (تيِّة) يجلس القرفصاء شبة عارٍ إلا من سرواله الابيض الطويل .. وقد حمل عصا طويلة (قناية) ربط في أعلها جلبابه الابيض المكوي في شكل راية .. كان يرفع راية الاستسلام البيضاء عاليا كالجندي المهزوم …
يبدو ان (مرسي ابن المعلم الزناتي اتهزم يا رجالة) .. ولكن كيف هزم؟
الله أعلم … فما زال (تِيّة) مقيما في مستشفى المجانين.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
شكيتك لله حميتينا النوم مقال رايع;) 😉 😉
الفاضلة / الاستاذة منى
لك التحية و الاحترام
قطع شك (تيه) ده انفردت به واحدة من بنات ابليس
لسه راقد يهضرب:D 😀 😀