الدكتور (محمد خير الزبير) محافظ بنك السودان السابق:نحن ناس خدمة مدنية وما بنحب الأضواء بطبيعتنا
في هذا الحوار الذي امتد إلى حوالي ساعتين بمنزل “الزبير” في شمبات، قمنا بتقليب أوراق العمر مع ضيفنا.. المولد والنشأة والدراسات والمحطات المهمة في حياته.. وكيف تقلد منصب وزير الدولة بالمالية.. ومن الذي رشحه.. وكيف وصل إلى منصب وزير المالية.. وماذا أعطته الوزارة وماذا أخذت منه.. متى استقر الاقتصاد السوداني ومتى انهار.. وما هي الأسباب.. أفضل وزراء مالية عمل معهم.. ولماذا هاجر للعمل بليبيا.. ومن الذي اختاره لتولي منصب محافظ بنك السودان.. أيام الفرح التي عاشها.. علاقته بالفن والغناء ولمن يستمع.. الأحداث المهمة التي شهدها وهو طالب بجامعة الخرطوم.. وغيرها من المحاور التي تجدونها في ثنايا الحوار:
} في فترة مَن مِن الوزراء كنت وزير دولة؟
– شغلت منصب وزير الدولة إبان تولي السيد “عبد الله حسن أحمد” منصب الوزير بعد الأستاذ “حمدي”، وظللت أعمل منذ 1992 وحتى 1996م، وفي ذلك العام أُحلت أنا والراحل “عبد الوهاب أحمد حمزة” من منصبيّ وزير الدولة وتم تعيين الأخ “صابر محمد الحسن” و”عز الدين إبراهيم” وزيري دولة بالمالية، وعُيّن “عبد الوهاب عثمان” وزيراً للمالية، واختير الأخ “عبد الله حسن أحمد” محافظاً لبنك السودان، وعُيّنت أنا رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة التنمية السودانية، وظللت فيها لمدة عام ونصف العام، وأعادني الأخ “عبد الوهاب عثمان” إلى وزارة المالية.. وقبل أن أعود إلى نفس منصب وزير الدولة بالمالية كان الأخ “عبد الوهاب” يطالبني برئاسة لجنة السياسات، ووقتها لم أكن بالمالية.
} ما هي علاقتك بـ”عبد الوهاب عثمان”؟
– (“عبد الوهاب عثمان” أصلاً من الموظفين بوزارة المالية من بدري قبل أن يصبح وزير)، وكان يعرفني وأعرفه جيداً، وسبق أن تولى منصب وزير المالية بالإقليم الشمالي إبان مايو، وعملت معه في البرنامج الذي أدى إلى الاستقرار الاقتصادي.
} ما سر ما فعله “عبد الوهاب” حتى يجعل الاقتصاد مستقراً؟
– السبب سياسات التحرير الاقتصادي التي أقرها “حمدي” في عام 1992م وبموجبها تحرك الجمود الاقتصادي، وأحدثت طفرة كبيرة في السلع وتم تحرير سعر الصرف.
} ولكن تلك السياسة زادت من غلاء الأسعار بعد تدهور سعر الصرف؟
– صحيح، ولكن الاقتصاد تحرك.. فالدكتور “عبد الوهاب عثمان” بخبرته وممارسته في المجال الاقتصادي ومؤهلاته الأكاديمية استطاع أن يعرف مكمن المشكلة المتمثلة في التضخم وسعر الصرف، لذلك استطاع تنفيذ برنامج يحتوي المشكلتين، وهذا أدى إلى تحرك الاقتصاد وساعد في استقرار سعر الصرف، والدكتور “عبد الوهاب عثمان” حقق انضباطا ماليا شديدا في وزارة المالية، وفي الصرف الحكومي وفي سعر الصرف، وهذا ما جعل الاقتصاد السوداني (يستعدل) خلال الثلاث سنوات التي ظل “عبد الوهاب” فيها وزيراً للمالية.
} ألم يلعب البترول دوراً في ذلك الاستقرار؟
– البترول جاء معززاً لذلك.. وبعد أن ترك “عبد الوهاب” الوزارة عُيّنت بعده وزيراً للمالية.
} ما أسباب هذا التغيير وترك “عبد الوهاب الوزارة”.. ألم يتماشَ مع سياسات الدولة؟
– التغييرات لها أسباب سياسية، والتطورات السياسية تتطلب التغيير.
} هل تمت مشاورتك لمنصب وزير المالية؟
– أبداً.
} أين كنت وقتها؟
– وقتها كنت عضو مجلس إدارة بـ (كنانة)، وجاءني اتصال هاتفي قالوا لي (عاوزنك في القصر)، وعندما ذهبت قالوا لي (عُيّنت وزير مالية).
} هل السلطة لها بريق؟
– (الشهرة تعمل ليك مشاكل.. الوزير طالع.. الوزير نازل.. نحن ناس خدمة مدنية وما بنحب الأضواء بطبيعتنا).. علينا أن نؤدي واجبنا الذي يرضي ضميرنا ونقدم مساعدة في خدمة الوطن.
} عندما توليت منصب الوزير.. هل عملت على تغيير طاقم مكتبك شأنك شأن الوزراء الذين يفعلون ذلك؟
– تحدث تنقلات داخل الوزارة، لكن (ما بنشيل زول عشان اتجاهه السياسي).. الموظفون الموجودون نعمل معهم و(ما في أي مشكلة بينا وبين أي موظف).
} ما الذي قدمته من خلال موقعك كوزير للمالية؟
– وأنا في موقع الوزير قلت للأخ “صابر محمد الحسن” محافظ بنك السودان (أنا ما داير منك قرش واحد)، لذلك استلافنا من بنك السودان آنذاك كان صفراً، وطبقت الميزانية الإيرادات قدر المصروفات.
} كم بقيت بالمنصب؟
– لم أبق كثيراً بسبب انتخابات رئاسة الجمهورية.
} وأين كانت محطتك الأخرى بعد الوزارة؟
– جاءني الأخ “صابر” وعرض عليّ العمل في مصرف (الساحل والصحراء) بليبيا، والمصرف كان يضم (13) دولة، وقام بإنشائه العقيد آنذاك “القذافي” والسودان كان نصيبه (10%) وليبيا (45%)، وبقية الدول كل دولة (5%).
} ماذا كان ردك على “صابر”؟
– في بادئ الأمر رفضت، وقلت للأخ “صابر” لم أغترب ولم أجرب الاغتراب طوال حياتي، لكنه عاد إليّ مرة أخرى وقال لي: (الموضوع جيد وفيه قروش كويسة فلماذا أنت مصر على الرفض؟).. قلت له: (خلاص خليني أشاور الأولاد).. وفعلاً شاورتهم ووافقوا لأنني بعد الوزارة لم يكن لي مال، و(حتى سيارة خاصة ما كانت عندي)، فبعد خروجي من الوزارة اشتريت عربة (جياد) بالأقساط و(كنت أسوقها قبل أن أذهب إلى ليبيا).
} ما هي امتيازات الوظيفة؟
– حسب كلام “صابر” قال لي الوظيفة مبلغها (12) ألف يورو في الشهر وفيلا وعربة بسائق ومخصصات أخرى.. الامتيازات فعلاً كانت مشجعة، فقلت لـ”صابر”: (موافق)، وذهبت وأمضيت تقريباً ثماني سنوات.
} وبعد انتهاء فترة عملك بليبيا؟
– عدت إلى السودان، وكان لي هدف واحد هو استغلال ما جنيته من الوظيفة في مشروع يدر عليّ عائداً شهرياً أعيش به أنا وأولادي.
} ما هو المشروع؟
– اشتريت قطعة أرض وبنيت عليها (عمارة) من عدة طوابق.
} بخبرتك وعلمك.. هل كنت تنتظر إيجارات (العمارة)؟
– أبداً.. (كنت مفكر أعمل مكتب استشارات وبحوث)، لكن قبل أن أبدأ جاءني الأخ “صابر” مرة أخرى وقال لي إن مركز “مأمون بحيري” حدثت فيه مشكلة وهم في حاجة إلى شخص ليديره فوافقت، وظللت أعمل فيه لمدة عام.. وفي تلك الفترة بدأ الحديث عن اتجاه الدولة لاختيار شخصي بديلاً لمحافظ بنك السودان.
} وكيف تم اختيارك كمحافظ لبنك السودان؟
– طلب مني مكتب الرئيس الحضور إلى مجلس الوزراء، وعندما ذهبت قيل لي: (لقد تم تعيينك محافظاً للبنك المركزي).
} هل هناك علاقة بين وزارة المالية وبنك السودان؟
– بنك السودان وظيفته محددة بقانون، وهو مستقل عن الوزارة، ويتبع لرئيس الجمهورية لكن يُستشار عند التعيين.. والبنك من مهامه إصدار العملة وتحديد حجمها في الاقتصاد، واستقرار سعر الصرف، وكذلك السياسات النقدية، والتضخم، والقطاع الخارجي، والسياسات التمويلية، وهو الجهة المسؤولة عن رقابة القطاع المصرفي من حيث المحاسبة والمراقبة والسلامة المصرفية.. وعندما عُيّنت محافظاً لبنك السودان وجدت مؤسسية وقدرات عالية من الموظفين.
} ورد في بعض الأخبار التي تناقلتها الصحف أن مرتبك الشهري كان يقدر بـ (60) مليون جنيه هل هذا صحيح؟
– نعم صحيح، ولكن المخصصات هي التي رفعت المرتب، لذلك خفضت المبلغ بنسبة (25%) لشخصي ونائبي وخمسة مساعدين، وذلك في إطار سياسة التقشف.
} ما هو العمل الكبير الذي قمت به؟
– كان البرنامج الثلاثي الذي يستهدف معالجة الفجوة بعد خروج موارد البترول، فكان همنا وشغلنا الشاغل وضع سياسات مالية تخص وزارة المالية وسياسات نقدية تخص بنك السودان، وكذلك كان همنا معالجة الآثار السالبة على الاقتصاد بعد خروج البترول حتى نستطيع إعادة الميزان التجاري، وهذا لن يتم خلال عام أو عامين.. وعندما عُيّنت محافظاً أول مشكلة واجهتنا كانت تغيير العملة، وكان يفترض تغييرها في عام أو عامين ولكن طُلب تغييرها خلال ستة أشهر، وكنا مواجهين بضغط شديد في ذلك التغيير.. لقد كانت فترة صعبة لكننا تجاوزناها.
وقد بذلنا مجهوداً كبيراً في الاقتصاد والتنمية، وفي التمويل الأصغر ودعمه، وتقوية محفظة لتمويل القطن والصمغ والثروة الحيوانية.. ولأول مرة كل البنوك تساهم في تمويل القطاعات الإنتاجية.
} رفع الدعم عن المحروقات.. ما أثره على الاقتصاد؟
– بالتأكيد سينعش الاقتصاد السوداني، وسيكون له أثر إيجابي وهذا الأثر ظهر في هذه الميزانية، فالإيرادات زادت وكذلك المصروفات، والميزان ما بين الإيرادات والمصروفات قليل مقارنة مع ما كان في الماضي، وسيتضح الأثر بعد ستة أو سبعة أشهر، وكل الاقتصاديين يؤكدون أن دعم الاستهلاك خطأ وليس من مصلحة الاقتصاد، فدعم سلع مثل السكر والرغيف والبنزين لا بد أن يوجه إلى مستحقيه، ورفع الدعم فيه مصلحة للاقتصاد وفيه عدالة.
} رغم الذي حدث ما زال المواطن يشكو من رفع الدعم؟
– صحيح.. ولكن سيستقر الوضع.. والصحافة مطالبة بتنبيه المواطنين بفائدة رفع الدعم، فهناك دعم ما زال مستمراً في البنزين والرغيف.
} من بترول الجنوب أصبح العائد رسوم العبور.. فهل تكفي لمعالجة المشكلة الاقتصادية؟
– تقدر نسبة العائد من رسوم العبور والترتيبات الانتقالية بمليارين وأربعمائة مليون دولار، وستتوقف الترتيبات المالية بعد ثلاث سنوات وتبقى الرسوم التي تقدر بأكثر من مليار دولار، وهذا لا يساوي شيئاً مع الاقتصاد السوداني.
} وماذا ستفعلون؟
– لا بد من زيادة البترول من (105) آلاف برميل إلى (180) ألف برميل، ولابد من الزيادة في القطن والقمح والحبوب الزيتية والثروة الحيوانية لزيادة الإنتاج من أجل الصادر.
} ماذا بعد منصب المحافظ؟
– الآن أنا سعيد بهذه الإجازة، وأفكر في إنشاء مكتب استشارات اقتصادية وبحوث.
} هل استشرت في الإقالة؟
– نحن لا نُسأل لا في التعيين ولا في الإقالة.
} إذا اعدناك مرة أخرى للماضي.. هل تذكر بكم تم تسجيلك لشمبات؟
– في الماضي كنا نلعب الكرة من أجل الكرة و(ما في قروش بتدفع عند تسجيل اللاعب).
} هل ما زلت تشجع الهلال؟
– نعم.. أشجع الهلال داخلياً، والمريخ إذا لعب بالخارج.
} من المشاهير الذين لعبت معهم بشمبات؟
– كابتن “غزالي” و”عثمان الهارت”.
} ومدربكم؟
– مدربنا كان “ترنة” لاعب الموردة.
} في مجال الفن.. لمن تستمع؟
– “محمد وردي” و”أحمد المصطفى”، ولديّ أغانٍ لدى بعض الفنانين.
} أيام فرح عشتها؟
– الزواج، ودخولي الجامعة والتخرج فيها، والحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه.
} ماذا أعطتك الوزارة وماذا أخذت منك؟
– أعطتني البعد السياسي الذي يحكم كل العملية في اتخاذ القرار، والتعرف على عدد كبير من الناس، وفرصة التعرف على المؤسسات.. وأخذت مني وقت الأسرة والخصوصيات، فقبل الوزارة كنت أذهب إلى السوق بـ(جلابية وطاقية) والآن لا أستطيع ذلك.
} في أي المجالات تقرأ؟
– أقرأ الآن ثلاثة كتب.. كتابان مؤلفهما واحد صيني وهو رئيس بنك الاستيراد والتصدير في الصين، والثالث عن النظام المصرفي الإسلامي لمستشار في البنك الإسلامي للتنمية.
} إذا دارت بك عجلة الزمان للوراء.. هل حياتك ستكون نفسها؟
– الأقدار بيد الله، ولكن عندما التحقت بوزارة المالية طُلب منا التقديم لوزارة الخارجية، وزميلي “ألور دينق” تقدم وأنا اقتنعت بعملي بالمالية، وقد وصل إلى منصب السفير.. فهذه أقدار.
} مدن عالقة بذاكرتك؟
– بورتسودان، والبحر له سحره.. أما خارجياً فكل مدينة لها طابعها.. لندن، نيويورك، واشنطن وغرب أوروبا.
} والأبناء؟
– لديّ ثلاث بنات وولدان، الأولى متزوجة وتعمل بالهيئة العربية، وأخرى طبيبة بشرية، والثالثة طبيبة أسنان، وأحد الأولاد تزوج والآخر يدرس بجامعة الرباط تقنية معلومات.
صلاح حبيب: صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY]