تحقيقات وتقارير
السودان والمحكمة الجنائية الدولية …… الخيارات ليست سهلة
وعلى الرغم من أن المحكمة الجنائية أصدرت بياناً أمس الأول نفت فيه أن يكون قضاتها قرروا إصدار مذكرة بحق رئيس الجمهورية، إلا أن مصادر وثيقة الصلة بالموضوع أكدت لـ «الحياة» اللندنية في نيويورك أن القضاة الثلاثة «من غانا والبرازيل ولاتفيا» وافقوا على القرار الظني الذي أصدره المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو في يوليو الماضي، وقالت هذه المصادر لكن القضاة لم يتفقوا على توجيه القرار الظني حول ارتكاب «إبادة جماعية» فأُسقطت هذه التهمة.
وقال مسؤول حكومي رفيع المستوى لـ «الصحافة» إن حكومته تعد نفسها لأسوأ الاحتمالات، وأقرت خطة سياسية وديبلوماسية واقتصادية لمواجهة أي قرار من المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف ، ان الخرطوم لا تخشى الضغوط والتهديدات وصارت لديها مناعة ضد أي أشكال من الحصار والعقوبات لأنها ظلت تجابه مثل هذه المواقف نحو 20 عاماً، مشيراً إلى أنه لا تزال في أيدي الحكم السوداني «أوراق مهمة» يمكن استخدامها، لكنه رفض الافصاح عنها.
لكن مراقبين يتوقعون أن تستجيب الحكومة السودانية في النهاية إلى نصائح من اصدقائها وخصوصاً الصين وروسيا ودول عربية بالتعامل بحكمة مع أي قرار يصدر من المحكمة الجنائية الدولية ، لأن ذلك في اعتقادهم يساعدهم في امتصاص أي آثار سلبية يمكن أن تترتب على القرار، كما أنه سيجنّب الخرطوم مواجهة مع المجتمع الدولي.
وكشفت مصادر ديبلوماسية في الخرطوم أن عواصم عربية تسعى إلى تعديل في صياغة قرار المحكمة الجنائية من التوقيف الى دعوة إلى المثول أمام المحكمة ، ما يمنح حكومتها فرصة شهور لتسريع عملية السلام في دارفور، واتخاذ خطوات عملية لملاحقة المتهمين بارتكاب انتهاكات في الاقليم، وتكليف محامين أو جهات للمثول أمام المحكمة بتفويض منه ، ولو بطريق غير مباشر، لدحض التهم الموجهة إليه ، رغم صعوبة تمرير هذه الخطوة قانونياً وسياسياً.
ويرجح أن تتعامل الحكومة مع أي قرار يصدر من محكمة لاهاي بكثير من الحذر والواقعية لأنه ليس في مصلحتها استعداء المجتمع الدولي بخطوات مثل طرد البعثة الاممية أو البعثة الدولية الافريقية في دارفور، ولكنها في الوقت ذاته لن تتسامح مع أي دبلوماسيين أجانب تعتبر حكوماتهم أن صدور قرار بتوقيف البشير يمثّل انتقاصاً من شرعيته أو ترفض التعامل معه.
وترى دوائر سياسية مطلعة أن الخرطوم وخصوصاً قيادات في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تعتقد بانه في الامكان التوصل الى «صفقة سياسية» بكلفة أقل من خيارات يمكن أن تضع الحكومة في «مواجهة مفتوحة» مع المجتمع الدولي، الأمر الذي يعقّد الأوضاع في دارفور، ويهدد اتفاق السلام في جنوب البلاد، ويعرّض البلاد الى عقوبات دولية، وهي أمور يمكن أن تدفع السودان إلى حال من الفوضى والتمزق والانهيار، وتمتد آثار ذلك الى جيرانه مما يهدد أمن المنطقة واستقرارها.
وفى نيويورك، قالت مصادر دبلوماسية إن دبلوماسيين امريكيين وبريطانيين وفرنسيين أبلغوا مندوبي الاتحاد الافريقي والجامعة العربية أنهم يعارضون تعليق تحركات المحكمة الجنائية فى شأن اصدار قرار فى طلب أوكامبو.
وقال جان بيير لاكروا نائب سفير فرنسا لدى الامم المتحدة «في هذه المرحلة لسنا مستعدين لتأييد مبادرة لتنفيذ المادة 16 »، مشيرا الى النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يسمح لمجلس الامن الدولي بتعليق اجراءات المحكمة لفترة تصل الى عام في كل مرة على حدة.
وكان لاكروا يتحدث بعد اجتماع مغلق بين اعضاء مجلس الامن ووفدين يمثلان الاتحاد الافريقي والجامعة العربية.
وقال دبلوماسيون بالمجلس ان مبعوثي الولايات المتحدة وبريطانيا والنمسا وكرواتيا أبلغوا الاجتماع ايضا أنهم يعارضون تأجيل تحركات المحكمة الجنائية، وانضمت روسيا والصين إلى الافارقة والعرب في الاعراب عن التأييد للتأجيل، قائلتين ان ذلك في صالح السلام.
وقال لاكروا ان مؤيدي التأجيل يفتقرون فيما يبدو إلى أغلبية في المجلس. ولأن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة اعضاء دائمون بالمجلس لهم حق النقض «الفيتو» فإنهم يمكنهم عرقلة اي تحركات لتنفيذ المادة 16 .
وكما كان متوقعا فإن الاجتماع غير الرسمي لمجلس الامن لم يتخذ اجراء لكن دبلوماسيين قالوا انهم سيعودون لبحث المسألة.
وقال مارك مالوك براون وزير شؤون افريقيا واسيا والامم المتحدة بالحكومة البريطانية في وقت سابق من الأسبوع الحالي ان «من المستبعد تماما حدوث أي شيء قد يؤدي إلى تأجيل بموجب المادة 16».
ولكن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى السودان، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفدرالية الروسي ميخائيل مارغيلوف، أعلن عن اتصالات مع الرئيس البشير.وأشار مارغيلوف إلى أن «العمل على التسوية السلمية الشاملة في جنوب السودان وحل نزاع دارفور، سيصطدمان بصعوبات إضافية بدون الرئيس السوداني الحالي». ولفت الانتباه إلى هذه الحقيقة مؤخرا، كما ذكر مارغيلوف، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان أشرف قاضي، الذي قال إن إصدار محكمة الجزاء الدولية هذا القرار لن يخدم حل قضية التسوية الشاملة، وإنما يؤدى إلى «تشدد القوى المتصارعة هناك أكثر».
وكان الوفد المشترك من الجامعة العربية والاتحاد الافريقي بالإضافة إلى دولة قطر عقد في وقت سابق اجتماعات مع كل من المندوبة الامريكية لدى مجلس الأمن السفيرة سوزان رايس بالإضافة إلى الأعضاء الأخرين من دون التوصل الى اتفاق حول هذه المسألة.
وتنص تلك المادة على انه لا يتم القيام بتحقيقات او ملاحقات او الاستمرار فيها بموجب هذا النظام لمدة 12 شهرا في حال اصدار مجلس الامن قرارا يتبناه بموجب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة يطلب فيه من المحكمة القيام بذلك ويمكن تجديد هذا الطلب من قبل المجلس وفقا لنفس الشروط.
وذكرت تقارير غربية أمس أن بعض الدول التى تعارض تعليق تحركات المحكمة الجنائية فى المرحلة الحالية لكنهم لا يعارضون تعليق أى قرار يصدر بحق البشير يصدر من المحكمة لأن ذلك باعتقادهم يضع الخرطوم أمام ضغوط مما يدفعها الى الاستجابة لمطالب المجتمع الدولى فى تسوية سريعة لأزمة دارفور، وملاحقة المتهمين بارتكاب انتهاكات فى الاقليم ،وتغيير سلوك الحكومة حسب رأيهم.
وقال السفير يحيى المحمصاني مندوب الجامعة العربية لدى الامم المتحدة ، ان وفد الجامعة ووفد الاتحاد الافريقي لا يزالان يقومان باتصالات مكثفة مع جميع أطراف مجلس الامن فى شأن موضوع المحكمة الجنائية الدولية مع السودان ،ولم تنته بعد من هذه المشاورات،موضحا ان مجلس الامن منقسم علي نفسه في هذا الموضوع. هناك قسم من اعضاء المجلس يعارضون استخدام المادة 16 وهناك اخرون يؤيدون تعليق هذه المادة نظراً لانعكاساتها علي الوضع في السودان وعلي عملية السلام والامن وعلي عملية الاستقرار في دارفور، وتابع « نستمر في جهودنا حتى نتمكن من الحصول علي ما هو المطلوب من أصوات كافية لكي يتم تعليق هذه المادة حتى بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية» ،ولفت الى ان من يعارضون تعليق تحركات المحكمة ليس لديهم تبرير مقبول و يقولون انهم يريدون سيادة القانون وعدم التدخل في شؤون المحكمة الجنائية الدولية.
واضاف المحمصاني ان السودان قام بكل ما يتوجب عليه عملياً في الالتزام باتفاقية السلام ونشر القوات المشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي، و أخيراً لابد من الاشارة ايضاً الي آخر الاشارات الايجابية ما يجري من مفاوضات في الدوحة، ورأى أنه لو توصل وفدا الحكومة و«حركة العدل والمساواة» الى اتفاق اطاري فان ذلك يمكن ان يغير من آراء بعض الأعضاء وليس كلهم لأن بعض أعضاء مجلس الأمن لديهم مواقف سياسية، وبالتالي تسييس موضوع قرار المحكمة وهو أمرغير مقبول من الجامعة العربية والاتحاد الافريقي.
المصدر :الصحافة [/ALIGN]