تحقيقات وتقارير

مستشفى جبل الأولياء .. رائحـة الفسـاد تحاصر المرضى

[JUSTIFY]«إنتي مش جيتي لمركز الكلى؟ خليك في حدود المركز وبس»! هكذا خاطبني نائب الأمين العام لمستشفى جبل الأولياء حمادة حماد أو حامد لا أدري على وجه الدقة، إذ ضبطني وأنا التقط صوراً من داخل المستشفى ليست في حيز الإنجاز الذي جئت لنقله المتمثل في مركز غسيل الكلى الفخم الذي سيفتتح قريباً، ولم يكتف حمادة بتحذيري بل أوعز لعناصر الأمن بتعقبي ومنعي من التصوير، هم يريدون للإنجازات أن تظهر وللقاذورات ورائحة الفساد أن تختفي!! لم أبه كثيراً لتلك المحاولات لأنني في تلك اللحظات قد انتهيت بالفعل من تصوير المناظر التي تعافها العيون داخل سور المستشفى فقط ناهيك عن داخل العنابر، لأنني لم أتمكن في ظل المراقبة اللصيقة من اقتحام المكان وكشف المستور بين الجدران.

في عام 2009م وفي إطار برنامج المؤتمر الوطني التكميلي للتنمية وتحت رعاية والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر، رصدت الحكومة ممثلة في وزارة المالية لعناية وزارة الصحة مبلغ «2.432.301.52» جنيهاً، أي ما يقارب المليارين وخمسمائة جنيه لصيانة وتأهيل مستشفى جبل الأولياء، حسبما سمعنا في جولة سابقة مع المسؤولين بالمحلية، وحسب اللافتة المنتصبة أمام المستشفى التي تحمل هوية المشروع، لكن المنجز فعلاً من ذلك العمل لا تتجاوز تكلفته مبلغ «200» ألف «مليون»! ولم تتمكن قيادات المنطقة من الوصول للاستشاري والمقاول اللذين أصبحا مثل «فص ملح وداب» بعد استلام المبلغ، والمؤلم في الأمر أن المعتمدين الذين تعاقبوا على المحلية في تلك الفترة أيضاً لم تتجاوز معرفتهم عن الأمر معرفتنا! كيف تم عطاء المستشفى؟ وأين ذهب المبلغ الضخم؟ بل أين اختفى الاستشاري والمقاول؟
مأكلة مصدر من داخل المستشفى ومن الشاهدين على الأحداث وقتها، أفادنا حول ما أنجز فعلياً من صيانة يتمثل في فك البياض القديم والتلقيم، وبعد ذلك عملوا بياضاً عادياً وأرضيات عادية وأسقفاً مستعارة بدلاً من فك الزنك واستبداله بـ «عقد»، وأبواب وشبابيك ألمونيوم ولكنها لم تصمد طويلاً، وأصبح «بتاع الألمونيوم» ضيفاً دائماً في المستشفى لصيانة الأبواب المكسورة وأحياناً يتم تغييرها، وأردف محدثي قائلاً: «ليس ذلك فحسب بل حتى توصيلات الكهرباء لم تتم بالصورة المطلوبة، وكل يومين نقوم بتغيير اللمبات والكاوتشات المنهارة، وكذلك أحواض الغسيل الجديدة كلها تعطلت، وتم شراء خزانين للمياه توقفا الآن عن العمل تماماً، ويعمل الخزان القديم الذي لا تكف مياهه عن التدفق، والمفروض أن تبنى حوادث جديدة لكن ذلك لم يحدث ومازال مكانها شاغراً.. وفي ظل هذه التفاصيل فإن الشخص ذا الفهم المتواضع يدرك أن تكلفة الصيانة التي تمت لا تتناسب مع المبلغ الموجود على لافتة المشروع، لذلك طالب المعتمد السابق بشير أبو كساوي بالتحقيق في جدول الكميات، لكن لم تتقدم لجنة التحقيق للأمام، أما المعتمد الأسبق محمد بريمة حسب النبي فلم يتدخل في المشروع، وبريمة لم يتدخل في المشروع ولا إدارة المستشفى، وتم العمل في إطار وزارة الصحة مع المقاول» وأضاف قائلاً: «ما في زول حاسبو ولا استلم منو»!
أحد قيادات جبل الأولياء فضل حجب اسمه تساءل معنا عن المهندس الاستشاري «شركة تكنو» أين اختفى، وقال إن كل الغموض الذي يكتنف أموال المستشفى مفاتيحه بيد الاستشاري، لأنه لو لم يسلم موافقة مكتوبة بعد وضع التكلفة النهائية لما استطاع المقاول ««نيوتراك» صرف المبلغ، وأضاف محدثي: «المقاول عمل ليهو شغلانية بتاعت «200» مليون بوهية وجير، والشبابيك والأبواب القديمة جميلة ومتينة باعوها واستبدلوها بأخرى تكسرت بعد شهرين، وبدلاً من أن يفكوا السقف القديم «زنك» ويعملوا «عقد» ركبوا أسقفاً مستعارة فأصبحت مرتعاً لتوالد البعوض والذباب؟ وبخصوص غرفة العملية القديمة كانت راقية جداً، ولم يستطيعوا فك السراميك فاستعملوا الدربكين وصنعوا لها أرضية غير متساوية شكلت بيئة صالحة لتوالد البعوض، وأصبحت العملية كل يومين تطلع من الخدمة لأن بها تيتانوس ولا بد من رشها بالفورملين، وعندما سألناهم عن سبب خلع الأرضيات القديمة قالوا: «ما تأهيل»! مش حاجة غريبة!

ويضيف محدثي قائلاً: «عندما أبلغت المعتمد لاحقني أمن المستشفى وقالوا لي إنهم يريدون التصوير، وبدلا من تصوير الأبواب والشبابيك المكسورة صوروني أنا، فقلت لهم :«أها صورتي دي بتودوها وين؟!» وانتهى الأمر على ذلك بلا محاسبة!
تلجين لجنة التحقيق اتصلنا بمعتمد جبل الأولياء السابق بشير القمر أبو كساوي عله يضع لنا النقاط على الحروف في ما يتعلق بالمليارين وخمسمائة مليون جنيه التي خرجت من خزينة الدولة لصيانة وتأهيل مستشفى جبل الأولياء، وسألناه فلم نجد المسؤول بأعلم من السائل، لأنه كما ذكر لي عندما تولى زمام المحلية كان العمل قد تم بالفعل، وتم الافتتاح في عهد سلفه محمد بريمة حسب النبي، ولكنه طالب بتكوين لجنة للتحقيق في الأمر، لأن العمل الذي أنجز في المستشفى لا يتناسب مع المبلغ الذي يتحدث عنه الناس، إضافة إلى أن المستشفى يفتقد أشياء كثيرة ! ويواصل أبو كساوي حديثه قائلاً :«وزير الصحة بروفيسور مأمون حميدة بذل جهداً مقدراً في ذلك، ولكن للأسف الأمر لم يتقدم لأن هنالك بعضهم ليس من مصلحتهم فتح الملف، واللجنة تولتها وزارة الصحة ولكن لم تتضح الرؤية حتى مغادرتي لمقعدي في المحلية، وقد ركزت جهدي على قيام مركز غسيل الكلى لأن الخدمة التي يقدمها المستشفى يمكن أن يجدها المواطن في أي مركز صحي، بينما لا يتوفر غسيل الكلى إلا في الخرطوم، وفي هذا مشقة للمرضى وذويهم، وقد أمد وزير الصحة مأمون حميدة المركز بعشر ماكينات ونتطلع لوصول المركز لطاقته القصوى بـ «18» ماكينة».
برة الشبكة! حاولنا البحث عن إجابة شافية لدى معتمد جبل الأولياء الأسبق محمد بريمة حسب النبي، ولكنه لم يكن أفضل من أبو كساوي معرفةً، رغم أن العمل تم في عهده ! وعندما سألته عن حقيقة المبلغ الذي خرج من خزينة الدولة للمستشفى وما صرف منه قال لي: «ليس لدي معلومة لأن المبلغ خرج من وزارة الصحة بولاية الخرطوم للمقاول مباشرة، ورفضت متابعة الملف لأنني لم استشر في اختيار المقاول ولا أعلم كيف تم العطاء، ولم يأتني توجيه من الوالي بالمتابعة، فطلبت من نائب الدائرة «36» جبل الأولياء جنوب مالك عبد الله متابعة العمل مع وزارة الصحة، فقد ظننت أنها المعنية بالمتابعة». وسألت بريمة إن كان يرى أن الصيانة التي تمت في المستشفى تستحق المبلغ؟ فقال: «رغم أن العمل الذي تم مقدر ولكن المبلغ الذي رصد له خرافي مقارنة بما تم فعلاً، لأن الصيانة تمت لمكونات موجودة فعلاً، ومن ثم فإن في الأمر لعبة، أو أنفق المبلغ فعلاً ولكن بإهمال شديد أو مجاملة».
زوغة اتصلنا بالأمين العام لمستشفى جبل الأولياء وليد عبد العزيز وسألته إن كان مستعداً لإفادتي حول بعض الاستفهامات أم يحتاج إلى بعض الوقت، فأبدى استعداده للحديث فوراً، وسألته إن كان قد عاصر صيانة المستشفى؟ فأجاب بالنفي، وما أن سألته عن الأوساخ المتراكمة داخل المستشفى وما إذا كانت هناك جهات تقوم بالنظافة اليومية وعن مركز علاج الدرن وما يشكله من خطورة على مرضى الكلى الذين يغسلون في المركز المجاور بالنظر لحساسية أوضاعهم اعتذر وقال لي :«معليش مشغول شوية مع ناس مركز غسيل الكلى الليلة أول يوم لبداية الغسيل، سوف أتصل بك بعد عشر دقائق برواقة»، وبالطبع لم يتصل حتى هذه اللحظة.
اسألوا وزارة الصحة اتصلت على مدير المركز القومي لعلاج وجراحة الكلى الدكتور محمد السابق، وسألته عن مركز غسيل الكلى بغرض الوصول لتطمينات حول المركز، وهل يذهب المرضى للغسيل وهم مطمئنون إلى أنهم سيجدون العناية التي يجدها المرضى في المراكز الكبيرة؟ فقال: «المياه والماكينات وفرها المركز القومي، والكوادر وبعض الجهود من وزارة الصحة، وهناك جهات خيرية قامت بما تبقى». وعن خدمة المركز قال إن الخدمات تختلف من مركز لآخر، فالمراكز الكبيرة بها عناية مكثفة وهناك مركز قلب وبنك دم، لذا أنصح مرضى جبل الأولياء بالغسيل في مركز الجبل والمتابعة في مراكزهم بالمستشفيات التي يغسلون فيها». وبخصوص مركز الدرن المجاور لمركز الكلى قال: «إذا كان المركز يستقبل حالات باردة فلا توجد مشكلة، أما إذا كان يستقبل حالات (hot) فالافضل نقله لأن الدرن نشط ومرضى الكلى مناعتهم ضعيفة.. وتأكدي من هذه المعلومة من وزارة الصحة».
وحدة رمزية الموصلي وفي جولتنا آنفة الذكر مع معتمد جبل الأولياء الأسبق ونائب الدائرة «36» جبل الأولياء جنوب مالك عبد الله، قمنا بزيارة مبنى داخل المستشفى قيل لنا إنه وحدة لغسيل الكلى وهو تبرع من فاعل خير لروح والدته المتوفاة رمزية الموصلي التي سميت الوحدة باسمها، وبعد زيارة وفد أردني للمستشفى قالوا بعدم صلاحيتها للغسيل، والسؤال أين ذهبت الأموال التي تبرع بها فاعل الخير للوحدة؟ وهل هناك أموال أخرى خرجت من خزينة الدولة للوحدة؟
لا علم لي وفي تصريح لـ «الإنتباهة» طمأن وزير صحة الخرطوم مأمون حميدة مواطني جبل أولياء إلى أن العناية في المركز الذي افتتح قبل يومين ستكون أكثر من مثلها في المراكز الأخرى، والتزم بتوفير أدوية الكلى التي لا توفرها الدولة مجاناً لمرضى الكلى مثل الهيبارين في الشهر الأول، وقد وفرت الولاية عشرة كراسي وستوفر عشرة أخرى، وستنشئ مركزين آخرين في الجزيرة إسلانج وأم ضوا بان تطبيقاً لسياسة الوزارة في نقل الخدمة للأطراف. وحميدة قال: «مستشفى جبل الأولياء به اختصاصي باطنية وسينقل إليه اختصاصي كلى، وتم تأهيل بنك الدم، وأجرينا معالجة للمعمل، والمباني ساعدنا فيها عبد الباسط سبدرات، أما بقية الأشياء كلها وفرتها الولاية في الشهر الأول، وسنفتتح جبل الأولياء، وسنوسع المستشفى الأكاديمي» وبخصوص مركز الدرن نفى وجود أي تأثير له في مركز الغسيل.وسألت حميدة عن مبلغ صيانة المستشفى «حوالى مليارين وخمسمائة جنيه» فنفى علمه بها. وقلت له صحيح أنها خرجت من الخزينة قبل عهدك ولكنك لا بد أنك ألممت بتفاصيلها لدى تسلمك؟ فقال لي: «والله ما عندي علم.. إنتي مالك لايوقة كده؟».
على هامش التحقيق ٭ إذا ساقك حظك العاثر لزيارة مستشفى جبل الأولياء فإن المنظر المألوف سيصادف عيناك أينما جالتا، وستوقن بعدم وجود ما يسمى شركات أو عمال نظافة، وقد أخبرتنا مصادر داخل المستشفى بأن العمال لا يحصلون على أجورهم دائما، لذلك تردت البيئة داخل المستشفى، وأضافت المصادر أن الوضع كان أفضل عندما كان يقوم بالنظافة الجنوبيون لأنهم «ما بخلوا حقهم».
٭ عربة الإسعاف المتوقفة أفادنا مصدرنا بأنها لا يسمح لها بنقل مريض إلا إذا جاء أمر التحرك من الخرطوم، حتى إن كان المريض يلفظ أنفاسه، وقد صادفنا موقفاً مثل ذلك عند نقل مصابي حادث كبير للمستشفى، ولم يكن لدى المستشفى ما يقدمه لهم سوى الإسعافات الأولية، ومرت الساعات والمصابون يعانون، وتم نقلهم بعد فوات الأوان لتلفظ مصابة الروح بعد يومين بالعناية المكثفة بمستشفى الخرطوم.

صحيفة الإنتباهة
تحقيق : هويدا حمزة
ع.ش[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل .