الشعبي يحاور الوطني منفردًا.. انطلاق صافرة قطار الوحدة
ولم يطل الوقت على الشعبي الذي أرسل تفسيره الخاص بوضوح على لسان مسؤول الأمين السياسي للشعبي كمال عمر عبد السلام الذي أعلن في مؤتمر صحفي بالأمس عن قبول حزبه بدعوة رئيس المؤتمر الوطني عمر البشير للحوار دون شروط، وذلك وفق القرار الذي اتخذته الأمانة العامة للحزب وهيئة القيادة مؤخرًا، وعلل كمال قبولهم للحوار بخطر الأزمات التي تحدق بالبلاد، محزرًا من تبعات انهيار نظام الحكم على البلاد، وقال إن توجههم للحوار لن يكون ثنائياً، وإنما يستصحب كل القضايا المطروحة من قبل تحالف المعارضة الذي يعتبر الحزب أحد مؤسسيه، مشيرًا إلى أن أجندة حزبه التي يحملها للحوار تتمثل في قضايا الحريات والسلام والهوية الاقتصادية، ونوّه عمر الى أن قبول حزبه بالحوار لا يعني تخليه عن تحالف قوى الإجماع الوطني، نافياً في الوقت نفسه أن يكون الدافع وراء قرارهم السعي للمشاركة في السلطة، وأضاف مخطئ من يظن أن الشعبي يسعي للسلطة، موضحاً أن هدفهم هو إحداث تغيير جذري في النظام، نافياً نية حزبه الخروج من تحالف قوى المعارضة، الذي يضم أكثر من (20) حزباً، وقال إن خلافهم مع التحالف خلاف إجرائي، منتقداً الأصوات التي هاجمت خطوة حزبه بقبول دعوة الحوار، ولفت إلى أن لكل حزب تقديراته، وأن حزبه قدر ضرورة الحوار في هذه المرحلة التي وصفها بالحرجة على السودان.
أولى الملاحظات على هذا المؤتمر الصحفي أن مقدمه هو كمال عمر المعروف بحساسيته العالية تجاه الحوار مع الوطني، وكلما بدأ بصيص أمل للحوار بين الحزب الأصل والفرع (الوطني والشعبي) وقف كمال لينقض غزل هذا الأمل خيطاً خيطاً، ومن أشهر تصريحاته في هذا الخصوص عندما كثر الحديث عن لقاءات البشير والترابي في المناسبات الاجتماعية (لن نحاورهم ولو سكنوا معانا في بيوتنا)، وكمال المعروف بأنه أقرب لليسار من الأحزاب الإسلامية، والمشهور بمواقفه الحادة حيال الوطني والتي استرعت انتباه الصحفيين الذين تناولوا شخصيته عبر الأعمال الصحفية المختلفة، والسياسيون أيضاً، لدرجة أن بعضهم وصفه بأنه صنيعة الوطني لتحطيم الشعبي، ومن قبل وصف بأنه يساري مزروع في الشعبي، خاصة أنه لم يكن معروفاً من قبل ولا يذكر له كسب في الحركة الإسلامية، ولم يظهر إلا بعد المفاصلة، ولما شهد الترابي مؤتمر البشير تذكر الكثيرون كمال، مشيرين إلى وقت ترجله من قطار حزبه قد أزف، ولكن ثمة خيار ثالث هو أن كمال يؤدي بامتياز دوراً رسمه له حزبه بدقة، وهذا الدور مفاده الاندماج في التحالف واستمالة اليساريين فيه، وأذكر أنه أثناء حديثي إلى كمال ذات يوم تباهى بموقعه في حزبه وقال(لولا مكانتي في الحزب كنت أفعل كل هذا الذي أفعله؟).
وبالعودة لموقف الشعبي حول الحوار نجده قد اتخذ قراره كما علمت في اجتماع الأمانة العامة الذي أجاز حضور الترابي وقيادات الحزب لخطاب البشير، مما يشير إلى أن الشعبي قد بيت نية المشاركة في الحوار منفردًا في ذلك الوقت، مثلما قرر حضور الخطاب بمعزل عن قرار التحالف الذي بات انتمائه إليه اسمياً فيما يبدو، فقبوله للحوار دون شروط يفيد خروجه من التحالف ضربة لازب، وإن تبقت بعض التفاصيل الشكلية لتتمة هذا الخروج، على غرار غريمه القديم الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي، وذلك بالرغم من أحاديث كمال عن تمسكهم بالتحالف، وأن أجندتهم للتحاور هي الأجندة التي يطرحها التحالف نفسه، وأن التقديرات قد اختلفت، فهي لمن ينظر في حقيقتها أحاديث لاتسمن ولا تغني من جوع، كما أن حوارات الشعبي والوطني سواء بحضور الزعيمين الترابي والبشير لم تعد خافية على أحد، وكذلك لقاءات الترابي بصفي الأمس ومن يدري ربما اليوم أيضاً ـ علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، كما أن قيادات الوطني في هذا الخصوص باتت أكثر صراحة من الشعبي، ومنها حاج ماجد سوار صرح في لقاءات صحفية إلى أن احتمالات الوحدة قائمة، كما أخبرني عضو الوفد الحكومي للتفاوض باديس حسين كرشوم بان لجان الحوار بين الحزبين ماضية في عملها، وعندما تتعثر تلك اللجان في أعمالها، يلتقي الترابي والبشير لتذليل تلك العقبات، ليمضي الحوار قدماً، مما يذكر بعلاقة الوطني مع الحركة الشعبية قبل الانفصال، حيث كانت الأخيرة صريحة جدًا في تفاصيل علاقتها مع الوطني خاصة عند الأزمات، بينما كان الوطني متكتماً على تفاصيل علاقته مع شريكه اللدود.
حوار المؤتمرين لا يبدو قاصرًا على السودان فقط، فهو يمتد ليشمل مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة، على اثر انفجار ثورات الربيع العربي، وعلى وجه تداعيات وصول الإخوان للحكم، والذي انتهى بانقلاب الجيش الشهير بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي رقي نفسه لمرتبة المشير تمهيداً لإعلان نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية وفقاً لواقع الحال وللصحف المصرية الصادرة بالأمس. خروج الشعبي من المعارضة والذي بات قاب قوسين أو أدنى يفيد انهيار اللبنة الأخيرة في تجمع التحالف، الذي هجره الاتحادي الأصل هجر غير جميل متجهاً بكلياته إلا قليلاً صوب الوطني مشاركاً في الحكم، وتالياً حزب الأمة القومي، فلم يبقَ من التحالف سوى هيكله الذي اختلفوا عليه مراراً ليبقى هو دون الأحزاب التي اختلفت حوله، ولعل حال المعارضة التي صفت على الشيوعي السوداني والبعث والمؤتمر السوداني وغيرها من الأحزاب التي لا ثقل لها يذكر في الشارع السوداني يرويها هذا البيت العربي القديم.
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده.. فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدم
صحيفة الإنتباهة
تقرير: ندى محمد أحمد