خالد حسن كسلا : تلاعب قطاع الشمال بين الغبُّوشين
ألم يكن دور الوساطة هو أن تقيم هي بنفسها المقترحات والمطالبات التي تصدر من الطرفين؟!. وحتى إذا تمسك الوفد الحكومي الذي يترأسه بروفيسور إبراهيم غندور بما لا يروق لوفد قطاع الشمال فإن الرد عليه يكون في هذا الوقت المبكر من جانب الوساطة وليس الوفد الآخر، وإلا لا داعي للتوسط بينهما.. أو أن الوساطة نفسها ليست بالكفاءة أو الأمانة التي تؤهلها لإدارة التفاوض بين وفدين. وما رفضه الوفد الحكومي أو رآه كان ينبغي أن يُسأل عنه ما دفعه إلى ذلك، فلا بد أن الاجابات معه متوفرة على كل سؤال، وقطاع الشمال يفهم هذا جيداً، لكنه يريد أن يراوغ لصالح جهات ما، ويتاجر بقضية أبناء النوبة ويستفيد من شبابهم في الحروب لصالحه.. فمالك عقار والحلو وعرمان يجدون من قضية النوبة مصالح مشتركة بينهم وبين جهات خارجية.
وقضية أبناء النوبة ليست حالة إنسانية في نظرهم، وإنما سوق سياسي للمتاجرة. ومعاناة أبناء النوبة لا تأتي في المرتبة الأولى في قائمة اهتمام قطاع الشمال، وإنما أول القائمة عندهم هي سيطرتهم على مسارات الإغاثة والعون الإنساني، وبدون السيطرة من جانبهم أو من جانب جهة ما تنحاز إلى مآربهم، فلا إغاثة ولا عون إنساني، ويقول الناطق الرسمي باسم وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال «مبارك أردول» إن الوفد الحكومي رفض إيصال المعونات الإنسانية للمنطقتين إلا عبر الآليات التي تسيطر عليها الحكومة.
إذن الحكومة لم ترفض إيصال المعونات لمواطنين هم اصلاً ضحايا اعتداءات قوات قطاع الشمال، هذه القوات التي روعت أبناء مناطق كردفانية عديدة مثل تلودي ومندي وكادقلي وابو كرشولا وغيرها، وتحركت مؤسسات الدولة لإغاثة المتضررين من الاعتداءات، فما المشكلة الآن في أن تسيطر على آليات ايصال المعونات الإنسانية؟! ثم اذا نظرنا من خلال اعتداءات قطاع الشمال السابقة على مناطق المواطنين الأبرياء وأسواقهم ومرافقهم الخدمية والتنموية إلى احتجاج وفد قطاع الشمال على سيطرة الحكومة على آليات إيصال المعونات، فإن التصور يكون هو سوء النية من جانب متمردي الحركة الشعبية، وقد سبق لهذه القوات أن اعتدت على ممتلكات وسلع المواطنين، وهذا يمكن أن يتكرر مع المعونات الإنسانية إذا لم تطمئن الدولة بنفسها إلى ايصالها لمستحقيها. ثم إن الدعم الذي يصل إلى قادة المتمردين والمتمثل في الغذاء والدواء لكي يوزعوه على المقاتلين من المفترض أن يغنيهم عن ممتلكات المواطنين، لكن هل يصل إليهم هذا الدعم حتى لا يفكروا في الاعتداء على أسواق المدنيين؟! إن الخوف كل الخوف من أن تمتد إيدي قوات قطاع الشمال لإغاثة المتأثرين بحروبهم بعد أن امتدت من قبل إلى ما يملكونه. والمفترض أن ينبه وفد الحكومة فريق الوساطة إلى هذه السوابق حتى لا تلقي المعونات نفس المصير حال كانت آليات إيصالها بعيدة من سيطرة الحكومة. ثم لا شيء دفع الحكومة للجلوس مع متمردين هم بقايا قوات جون قرنق، فبعد الانفصال لا يمكن أن تكون كل قوات الجيش الشعبي هي جيش الدولة الجديدة.. لذلك أصبحت الفرقتان التاسعة والعاشرة للعب دور جديد بعد انفصال الجنوب داخل السودان. هذا الدور وصل بهم إلى أن يجلس شخص ليس من المنطقتين إلى وفد الخرطوم ليتفاوض معه حول المنطقتين، وحينما وجد نفسه في موقف حرج خرج من نص التفاوض المحدد، ليتحدّث عن قضايا مناطق أخرى هو كذلك ليس من سكانها الأصليين. وهنا المجال مفتوح لسؤال مهم: لماذا يحارب ياسر عرمان الحكومة ويترأس وفداً يفاوض وفدها؟! وسؤال آخر: ألم يخش أبناء النوبة من أن تذوب قضيتهم في عملية تشعيبها كما ذابت من قبل في قضية الجنوب وقدمت الحركة الشعبية قضية أبيي باعتبارها أهم منها لوجود مجموعة من أبناء الدينكا فيها؟! ودعونا نقرأ ما نقلته «ألوان» عن أحد مثقفي وعلماء أبناء النوبة السيد كندة غبوش الإمام، حيث قالت الصحيفة إنه «أعرب عن دهشته لتغييب وفدي التفاوض من الجانب الحكومي والحركة الشعبية قطاع الشمال لقضايا جبال النوبة في مسودتهما المقدمة للوساطة الدولية، منتقداً الأجندة التي حصرت التفاوض في قضايا قال إنها لا علاقة لها بقضية جبال النوبة، وإنها لم تتطرق للنازحين الذين تجاوزوا المليون ولا اللاجئين بالدول الأخرى ولا المحتجزين، وأغفلت تعويض المتضررين من الحروب» انتهى. إن كندة غبوش نبه إلى نيفاشا أخرى بجبال النوبة، ثم طالب قيادات النوبة في أديس أبابا حيث المفاوضات بمقاطعتها والعودة. إن قطاع الشمال في مرحلة بين عباس غبوش وكندة غبوش يتلاعب بقضية أبناء النوبة.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش