قير تور

المصير المجهول


[ALIGN=JUSTIFY]يتحدث الشخص وهو ما زال بعيداً عن الزمن الذي يود الوصول إليه، ظاناً انه سيحقق ما يتمنى، فيرسم صورة جميلة زاهية خاصة إذا كان طفلاً صغيراً، فتراه يحفظ ما كنا درسناه في الابتدائية، ذلك النشيد “يا ترى ماذا اصير عندما أغدو كبيرا؟”. ومن الأشياء التي اكتشفناها متأخراً بعد إلغاء ذلك المنهج بفضل حكومة ثورة الإنقاذ الوطني، التي هداها الله إلى عدم جدوى هذه الكلمات، أن الشاعر لم يضمن “يا ترى أغدو عاطلاً خاملاً أم خريجاً يائساً شريداً؟”*.
أحد أصدقائي، الشاب الخلوق عوض الله مقوك مايوم، كنت أتحدث معه فقال “يظل الفرد منا يتحدث عن المستقبل وأنه يريد بناءه، وعندما يصل اليه يجد نفسه يتمنى العودة إلى الزمن الذي كان فيه لم يعرفه”.
أحد الأعمام، وهو الفنان الذي يغني بالدينكا، أجينق دينق بلك، واحدة من أغنياته التي استمعت إليها مؤخراً تعني كلماتها “وأعيش هكذا… فلا حياة بفخر ولا ممات في قبر… لا بسمة او ضحك يزين الثغر…. ولا حزن بعد الضجر… انا بين موت وحياة”.. كان أول سؤال وجهته لمحدثتي، وهي سيدة عاشت شبابها في عقد السبعينيات، متى كان زمن تأليف هذه الأغنية فقالت “منتصف السبعينيات”… ضحكت وقلت: يبدو أن أجينق كان يحتاج لتأليف قصيدته تلك لشباب زماننا هذا!!.
عندما قلت ذلك فليس من فراغ، وإنما بعد استماعي لحوار لا أعرف اين يمكن تصنيفه بين الكلمات (مؤثر محزن يائس صادق) لشباب تحسروا على نعمة فاتتهم يوم العاشر من مايو الماضي. حوار الشباب عبارة عن تنفيس؛ إذا نظرت إليه ظاهرياً يبدو هزلا، وفي الباطن تدرك مدى عمق الفراغ والخوف واليأس لما يتفوهون به.. وإذا سألتني ماذا قالوا فهو “ليتنا أصبنا في ذلك اليوم… فإما كنا شهداء الآن، أو لم نفقد أرواحنا فنحال إلى مستشفى الشرطة معاقين.. فعلى الأقل كنا عرفنا مصيرنا بدلاً عن هذه الحالة التي نعيشها الآن”!!.
إنهم شباب أكبرهم سناً لم يتعد العقد الثالث، وأقلهم تعليماً لم يفارق قاعات الجامعة، ورغم أن البعض منهم يعمل لمساعدة نفسه في التحصيل العلمي فهو ما زال بعيداً عن مواكبة متطلبات الحياة اليومية ولذا فعليه الحياة في أمنيات لم تتحقق. بعض هذه الأمنيات حيال مستقبل مختلف عما هو فيه حالياً، وهذا طبعاً لا يمكن بدون الهجرة خارج البلاد، أو اللجوء إلى الذكريات الجميلة التي عاشها الفرد عندما كان صغيراً لا يعرف ماذا ينتظره، فيحدث اصدقاءه عن كل جميل (كان).
وفي جانب آخر نجد أن الشكوى لا تقتصر على الطلاب فقط فحتى الموظفين حالتهم لا تقل مأساوية عن الطلاب، وهؤلاء الأخيرون فقط أفضل حالاً من الموظفين لأنهم ببساطة ليس عليهم تكليف كبير ظاهر مثلما الأمر على العاملين.
على كل حال الخريج والطالب البعض منهم تقع عليه أعباء كبيرة بإعالته أسرة ولذا فأظنهم يصنفون أنفسهم من اصحاب (المصير المجهول).
*شريد: أقصد به مشرد، إنما جعلته على وزن فعيل حتى يكون الكلام موزونا.[/ALIGN] لويل كودو – السوداني-العدد رقم 922- 2008-06-7