تحقيقات وتقارير

الإصلاح الآن .. التمدد في ردهات اليمين واليسار

[JUSTIFY]الفضاء السياسي العام للبلاد في الوقت الراهن يشي بأنه الزمان الثاني للإسلاميين، الذين يفرون إلى بعضهم البعض، وفي الوقت نفسه إلى خصومهم بالأمس، يدعونهم للحوار اليوم، فالحال بعد خطاب الرئيس عمر البشير للشعب السوداني والقوى السياسية في نهاية يناير الفائت ــ والذي شهد اصطفافاً غير مسبوق للإسلاميين ــ لم يعد مثلما كان قبله بأي حال من الأحوال.

ويعتبر حزب حركة الإصلاح الآن تحت التأسيس وفقاً للشهادة التي حازها من مجلس شؤون الأحزاب السياسية في الثالث من ديسمبر الماضي، أحد الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين بامتياز، فهو يمثل أحدث الانشقاقات عن الحزب الأم المؤتمر الوطني، وعلى رأسه قيادات عرفت بكسبها في الحركة الإسلامية وعلو كعبها في الوطني قبل أن يقرر الأخير فصلهم من الحزب وتجميد عضوية البعض، ومن أبرزهم غازي صلاح الدين العتباني وحسن رزق وعبد الله أحمد فضل الله وأسامة توفيق، رغم دعوة الحزب التي تقول إنهم حزب مفتوح للجميع وليس حكراً لفئة دون غيرها.

ورغم أن الحزب في طور التأسيس إلا أن أنشطته السياسية صارت محط نظر الإعلام، ومن أبرزها اللقاء الذي جمع مؤسسي الإصلاح بقيادة العتباني بالأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي عقب يومين من خطاب البشير بطلب من الأخير اتفقا فيه على التنسيق كما صرحوا آنذاك، وأكبرت بعض قيادات الإصلاح خطوة الترابي، فهو رغم أن العتباني كان من الذين لهم ضلع كبير في مذكرة العشرة التي كانت مقدمة لمفاصلة الإسلاميين، إلا أن الترابي هو الذي بادر بطلب اللقاء، وفيه دار الحوار حول خطاب البشير وكيف أن خطوة إبعاد قيادات الإنقاذ التاريخية من المشهد الحزبي والحكومي قد تسهم في دفع عجلة الحوار بينهم والوطني للأمام. وقال المصدر إن الاتفاق الذي تم بينهم والترابي كبير وسكت. وعندما سأل أحدهم الترابي عما إذا كان قد كتب خطاب الرئيس، رد الأخير «شوف» يا فلان «أنا محامي. وإذا عايز أكتب حاجة، أكتب أنت فعلت كذا وكذا وبذلك خالفت المادة كذا وكذا ورقمها كذا ومنطوقها كذا وبذلك أنت متهم تحت البند كذا، أي أكتب بلغة واضحة ومحددة»، في إشارة إلى أنه لم يكتب الخطاب. وعندما يطلق أحد الإسلاميين مثل هذا السؤال فتلك إشارة تفيد إلى مدى تقارب الإسلاميين فيما بينهم. أما اللقاء الثاني للإصلاح الآن فقد كان مع رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بطلب من الأول، ولربما إذا كان رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني بالبلاد لسعى الإصلاح للقائه. وقد ينتظر عودته ليفعل أو ربما التقى قيادات الحزب أو أحد أنجال الميرغني. وللحزب إرادة في لقاء الوطني على مستوى رئيس الحزب كما أفادت بعض قياداته.

أما اجتماع الحزب الأخير بتحالف قوى الإجماع الوطني مطلع الأسبوع الحالي فيمثل إحدى مفارقات الإسلاميين المدهشة، فبينما أخذ الشعبي في التحلحل من التحالف رويداً رويداً بدءاً بحضور الترابي وانتهاء بقبول حزبه للحوار غير المشروط مع الوطني، وغضب التحالف من الخطوة لدرجة قال فيها الناطق باسمه فاروق أبو عيسي إن مخالفة الشعبي لمقررات التحالف في الحوار مع الوطني وبقائه فيه لا يستقيمان، ومن ثم سارع التحالف لإحلال القيادي بالحزب الشيوعي يوسف صديق بديلاً للقيادي بالشعبي كمال عمر الذي كان مسؤول الإعلام بالتحالف، في هذه اللحظة التي يرى فيها التحالف أن الشعبي قد غدر به، يسعى الإصلاح لبناء جسور الثقة مع التحالف، ولم يكن الأمر سهلاً بطبيعة الحال في الوقت الراهن أو المستقبل إذا لم يطرأ ما يوحد الإسلاميين جميعاً في قبلة واحدة، فقد سبق للصحف أن نسبت لمسؤول الإعلام والتعبئة بالإصلاح أسامة توفيق تصريح نافع الشهير في حق المعارضة «لحس الكوع» كما نسبت لأبو عيسى حديثاً طالب فيه قيادات الإصلاح بالاعتذار للشعب السوداني إذا رغبوا في الانضمام للتحالف، وبالفعل لم يكن الاجتماع سلساً، وبعد أن نفى الطرفان التصريحات المنسوبة إليهما في الإعلام استغرقوا ساعة كاملة للاتفاق على البيان المشترك الذي سيعلن لوسائط الإعلام، ولاحقاً طلب التحالف إضافة أن الاجتماع تم بطلب من الإصلاح للبيان، وجاء في البيان أن الطرفين تشاورا وتفاكرا حول قضايا الوطن للخروج من أزماته الراهنة واتفقا على ضرورة إطلاق الحريات وتهيئة الأجواء للحوار ووقف الحرب والنزاعات للوصول للوفاق الوطني، كما اتفقا على تبادل الوثائق التي تحمل الرؤية السياسية لكل طرف لدراستها، ومن ثم الحوار حولها في لقاء آخر. أما الملاحظة التي تعزز المفارقة أعلاه أن اللقاء تم في غياب الشعبي، وحول اجتماعهم بالتحالف قال أسامة لـ «الإنتباهة» إن الهدف من اللقاء كسر حاجز عدم الثقة بينهم والتحالف ومحاولة لتلتقي كل القوى السياسية بما فيها الوطني حول مائدة مستديرة للوصول لرؤية مشتركة حول أزمات البلاد التي تمر بمرحلة خطيرة قد تفضي إلى تشظي البلاد، ويبدو أن أنباء لقاء الإصلاح مع التحالف قد طارت خارج الحدود ليتلقفها القائمون بأمر المفاوضات الجارية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ففي غضون أقل من ساعتين من انتهاء الاجتماع هاتف نور الدين المازني المسؤول بالاتحاد الإفريقي العتباني مستفسراً عن مخرجات اللقاء، مشيراً إلى أن رئيس الآلية الإفريقية ثامبو أمبيكي قد أخذ علماً بالاجتماع.

وتعتبر آلية الوفاق الوطني التي تضم كل القوى السياسية دون إقصاء أو استثناء كما يروق للإصلاحيين الجدد، من أبرز أطروحاتهم، يناط بها إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووضع الدستور وقانون الانتخابات وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية ومكافحة الفساد على أن تكون قرارات الآلية ملزمة للجميع.

حراك الإسلاميين الكثيف سواء الذين على سدة الحكم أو المعارضين يذكر بالتحليل الذي يشير إلى أن الإسلاميين بصدد الهيمنة على الساحة السياسية جميعاً في دست الحكم أو خارجه، وفي هذا الخصوص ذهب العتباني في لقائه ببرنامج «حتى تكتمل الصورة» السبت الفائت، إلى قوله نحن أقرب إلى الوطني في مسألة إجرائية هي طرحه عن الانتخابات النزيهة والحريات، وأضاف أنا لم أصل لمرحلة القطيعة مع الوطني، ويمكن أن أصل إليها لكن عملية التقارب والاتفاق بين الوطني والشعبي والإصلاح شيء ممدوح وليس مذموماً، بل لماذا لا يمكن الاتفاق على مرشح رئاسي موحد لكن شريطة اتساع الصدر، وقد نقلت للتحالف إذا حدث التقارب لم لا نتفق على مرشح رئاسي واحد وإقامة حكومة وحدة وطنية وهو أمر محمود بل أنا أؤيد المضي أبعد من التقارب ونحن مع أية إجراءات تعزز الإصلاحات في الدولة.

يبقي أن أنقل أنني عندما دلفت إلى دار الحزب لأول مرة مؤخراً خامرني تصور قوي بأن فضاء الدار هو فضاء الترابي، كل شيء في المكان كان يوحي بذلك، وأخبرت بعضهم بذلك فنفي لي صحة ما دار في خلدي ببساطة متناهية، بساطة تشفع لصالحه، لكنها لم تقنعني ربما لأن رأيي كان التقاطاً أكثر من كونه رأياً موضوعياً أو ربما لأن مبرراته لم تكن كافية بالقدر المطلوب.

صحيفة الإنتباهة
ندى محمد أحمد
[/JUSTIFY]