رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : «جبال النوبة» وبوق التمرد المخضرم

[JUSTIFY]مثلما ذابت من قبل قضية جبال النوبة والنيل الأزرق في التركيز على قضية جنوب السودان مضافة إليها قضية «أبيي» المختلقة في أجواء التسلط الأمريكي بواسطة دان فورث، فستتعرّض للذوبان للمرة الثانية في التركيز على قضايا شمال وغرب السودان من قبل الحركة الشعبية قطاع الشمال. ويفهم أبناء النوبة جيداً على مختلف مستوياتهم الثقافية والاكاديمية والسياسية الاسباب التي جعلت أبناء منطقتهم الذين التحقوا بحركة التمرد ويقودهم الراحل يوسف كوة يصبحون مثل ثمرة اللالوب أو التبلدي او السدر او النخيل، تلفظ نواتها بعد التهامها. فهكذا كان أبناء النوبة في استراتيجية الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، كان ينظر اليهم بنفس نظرة محمد علي باشا وكروم وكتشنر وونجت، كأنهم فقط مقاتلون لصالح غيرهم وعلى حساب انفسهم، كان هذا ما وجدوه من الحركة الشعبية «قطاع الجنوب».. والآن يجدونه من نفس الحركة لكن «قطاع الشمال».. أو الأحرى أن يقال حالياً «قطاع السودان». فقد أصبحت تنظيمياً إقليمياً في دولتين. وابناء النوبة الذين ينتقدون تكرار التعامل الانتهازي مع منطقة جبال النوبة ليسوا فقط من في عضوية المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، وإنما من هم في كل التيارات مثل الحركة الشعبية للسلام بقيادة دانيال كودي وأنصار السنة وحزب الأمة وتنظيمات أخرى. لأن ما يصيب منطقة جبال النوبة من بلاوي لا تستثنى منه عوائل الأعضاء في الحزب الحاكم مثل عفاف تاور وبروفيسور خميس كجو كندة.. وتابيتا بطرس إذا راقت لها عضوية المؤتمر الوطني، ويغني الكابلي «سهري يا هو الباقي لي». إن ما تبقى لتابيتا بطرس بعد ان اكتشفت عدم مصداقية الحركة الشعبية قبل الانفصال ما تبقى لها هو المؤتمر الوطني، لأن الحركة الشعبية جناح السلام بقيادة دانيال كودي لم تملأ حتى الآن الفراغ بدلاً من «قطاع الشمال».. وتركيبتها العضوية مثل تركيبته غير أنها وضعت السلاح واتجهت للحوار والإعمار، لكنها لم تفكر بقواتها في استرجاع «كاودة» وغيرها من المناطق التي تتخذ فيها حركة عقار والحلو أبناء النوبة دروعا بشرية لتحويلها إلى حرب إنسانية لا يسع القوات المسلحة السودانية أن تضحي فيها بالمواطنين، لأنها تضع حماية المواطنين وأمنهم قبل استرداد الأرض، اذ لا قيمة للأرض بدون المواطنين، فالخرطوم ليست تل أبيب او جوبا او .. أو.. أو..! فهي لا تحتل مناطق غيرها وإنما تسترد مناطقها، وهذا ما يستوجب تأجيل معركة الاسترداد الحاسمة. أما قوات الحركة الشعبية، فحينما تدخل مناطق المواطنين الآمنين مثل مندي وتفعل فيها الأفاعيل الفظيعة، فهي تريد أن تضغط على الحكومة وتلوي يدها التي تؤلمها وهي المواطنون في مندي بمحلية تلودي وغيرها.. لتهرع الى اديس ابابا وتوقع على اتفاق قائم على شروط المتمردين المخضرمين الذين تمردوا في مرحلتين قبل وبعد انفصال جنوب السودان لذلك هم مخضرمون، كما يوصف الشاعر العربي الذي عاش قبل وبعد الاسلام ونظم الشعر في المرحلتين بأنه مخضرم. وقد تمرد قطاع الشمال في مرحلتين. كانت المرحلة الاولى بحجة خدمة تحقيق مطالب المنطقتين، ولم يكن وقتها لعرمان علاقة بهما، فكان موضوعه السياسي (وحدة السودان) مع أنه كان يخوض مع حركة قرنق «حرب تقرير المصير».. وكان يركب معها موجة شرط تضمين الاستفتاء حول تقرير المصير في أى اتفاق لاحق مع الخرطوم بغض النظر عمن يحكم السودان منها. وكان الأولى أن يقدم مقترحاً بأن تستمر الوحدة بشروط لاستبعاد حق تقرير المصير ما دام ان الحركة الشعبية قد اتسعت عضويتها لأبناء الاقاليم الشمالية. ولكن النفاق يغطي مثل هذا المنطق. ونفس النفاق ينتقل به ياسر عرمان إلى تمرد ما بعد انفصال الجنوب. وقرنق كان يقول أو نسب إليه القول: «تركت لكم جنين صغير لتقرير مصير المنطقتين وهو المشورة الشعبية». ترى هل سينتقل عرمان بعد أن يكبر هذا الجنين ــ إذا افترضنا افتراضاً ــ إلى وجهة أخرى ليقود لها وفد مفاوضاتها مع الحكومة؟! إن مهنته «بوق تمرد»، أما حديثه عن سنار ومشروع الجزيرة وتعويضات المناصير، فكل هذا يبدو لائقاً وهو يتحدث عن قضايا مناطق حمل بعض أبنائها السلاح لتنميتها، وكان ذلك عام 1986م وليس من أجل كل السودان، لأنهم اعتبروا ان ليس كل البلاد مهمشة، وإلا لا داعي للتمرد ضد الحكومات من منطلقات جهوية.. وذلك لأنها حكومات كل الأحزاب منذ عام 1954م الى الآن.. حكومات الاتحادي الديمقراطي بقيادة أزهري وحزب الأمة بقيادة عبد الله خليل والصادق المهدي والمؤتمر الوطني، وشاركت الحركة الشعبية بثقلها في فترة انتقالية طويلة انتهت بانفصال الجنوب عن الشمال بعد أن قال سلفا كير للجنوبيين إذا أردتم ان تكونوا مواطنين درجة ثانية فصوتوا للوحدة. ان الجنوبيين الآن مواطنون درجة «رابعة» بعد هذه المآسي التي فجَّرتها عليهم الحركة الشعبية «لتحرير السودان» أما هنا فمن يقول لعرمان «أطلع برَّه»؟!

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]