تحقيقات وتقارير

ما هي الجدوى السياسية للحكومة الانتقالية ؟

[JUSTIFY]فى سياق الحراك السياسي الدائر الآن والذي ابتدره المؤتمر الوطني عبر وثيقته التاريخية الشهيرة فى أواخر يناير الماضي، فإن العديد من القوى السياسية التى تفاعلت ايجابياً مع أطروحة الوطني ودعوته الجادة لحوار وطني حقيقي وعميق، سارعت وقبل قيام فعاليات الحوار وقبل إخراج مخرجاته وحتى وقبل أن يتبلور تعاقد وطني جديد، ومشروع سياسي واضح المعالم متوافقاً عليه الى المطالبة والمناداة بحكومة انتقالية!

والواقع إن قضية إنشاء حكومة انتقالية أو حكومة تكنوقراط ظلت وما تزال واحدة من أهم الأطباق السياسية المفضلة لدى العديد من القوى السياسية، بل إن أية مفاوضات أو محددات بين أي طيفين من الأطياف السياسية فى السودان فى الغالب تحرص على أن يكون من بين مخرجاتها حكومة انتقالية.

كما أن التاريخ السياسي للسودان قديماً وحديثاً ظل بإستمرار يشهد حكومات انتقالية عقب كل ثورة شعبية أو تغيير تكون كل مهمتها فقط إدارة الأمور والإشراف على قيام الانتخابات العامة وتسليم السلطة لحكومة منتخبة. ولهذا فإن السؤال المحوري الذي يمكن اعتباره السؤال الصعب هو، ما هي الجدوى السياسية للحكومة الانتقالية فى ظل الظروف والوضع السياسي الراهن فى السودان؟

الواقع إن الأمر يبدو على جانب كبير من التعقيد، فمن جانب أول، فإن التفكير فى حكومة انتقالية – منذ الآن – وقبل تبلور رؤية سياسية وطنية متسقة بين كافة المكونات السياسية السلمية والمسلحة فى إطار حل سلمي شامل متراضي عليه بين الجميع يمكن اعتباره بمثابة تعجل غير مبرر وحرق متعمد لمراحل، ذلك أن المطلوب الآن هو تجميع كل الشأن الوطني فى وعاء سياسي واحد بحيث يضع حملة السلاح سلاحهم، ويتفق الساسة على ثوابت وأسس وطنية لا محيد عنها، ويتم إقرار دستور مجمع عليه بين الجميع أو على الأقل دستور (غير مكتوب) تحدد فيه أهم ملامح القواعد الوطنية والبرامج ذات السمة القومية (المشروعات الاقتصادية الكبيرة، والمشروعات الاجتماعية العاجلة والملحة، كيفية إدارة الدولة وعلاقة المركز بالأطراف)، وذلك لأن الجري السريع وراء حكومة انتقالية (عاجلة) قبل وضع كل نقطة على الحروف ودون استنباط برنامج وطني شامل موضع اتفاق الجميع هو فى الحقيقة مجرد إقامة جسر لانتخابات عامة من شأنها أن تفرز واقعاً مكرراً حين يرفض الذين أخفقوا فيها نتائجها ثم يعودوا لسيرتهم الأولى وبذلك تعاد عملية إنتاج الأزمة بجدارة.

ومن جانب ثاني فإن تكوين الحكومة الانتقالية نفسها سيصبح موضع خلاف وتنازع ربما يطول لسنوات وليس أشهر، فالقوى السياسية كثيرة الشكوك والقوى المسلحة متعطشة للسلطة، وفى واقعنا الماثل سيكون من العسير الحصول على تكنوقراط لا تثور حولهم شبهات الانتماء السياسي من هنا أو هناك، وهي أمور مجربة لمرتين، فى أكتوبر 1964 وابريل 1985 والسودان بوضعه الحالي ليس فى حاجة لصراع داخلي جديد يزيد من تعقيد العلاقات السياسية بين القوى السياسية المختلفة.

من جانب ثالث فإن أطروحة الحكومة الانتقالية -فى حد ذاتها- هي بمثابة طعن متجدد وبغير نهاية فى أهلية السلطة الحاكمة الآن بإدارة الشأن العام والإشراف على انتخابات عامة نزيهة، وفى ذلك دون شك إعادة تثبيت واجترار لقضية انعدام الثقة التى أوردت الجميع هذا المورد المؤسف الحالي.

فإذا لم يكن من شأن الحوار ومخرجاته والآليات التى يفرزها أن تعزز الثقة بين الجميع وتدعم قضية التوافق على أسس وطنية قوية فإن الحوار -مهما كان عميقاً وأميناً- لن يكون مجدياً ولن يكون الأمر فى مجمله سوى وثائق وأوراق وكاميرات للذكرى والتاريخ فحسب!

سودان سفاري
ع.ش[/JUSTIFY]