رأي ومقالات

محمد الننقة: اوكرانيا .. الرجل الأبيض يأكل بعضه

كنا نعتقد أن الثورات الملونة حكراً على العالم العربي، يقوم بها العالم الغربي ضد عالمنا العربي، منذ قيام ثورة البوعزيزي ذلك الشاب التونسي الذي اضرم النار في نفسه معلناً بذلك قيام ثورات الربيع العربي والذي امتد الآن ليصبح الربيعي الاوروبي أيضاً، حيث كانت شرارة البداية بتونس واستمرت الحلقات متتالية مصر وليبيا واليمن ثم سوريا وغيرها، تختلف السيناريوهات نهاياتها لكن يكون هناك فريم ثابت موحد واهم ثوابته هي زحزحة الحكومة القائمة في الدولة الثائرة عن الحكم، إما بالقتل أو التنحي او الهروب، هذه النهايات كانت كفيلة بإنهاء فترات حكم استمرت لقرابة النصف قرن من الزمان.
فثورات الربيع العربي كانت تقف خلفها دول العالم الأول، تريد ترتيب المنطقة من جديد وللحفاظ على مناطق نفوذها وفي بعض الحالات يكون الحصول على مناطق نفوذ جديدة هو المقصود، يتم ترتيب حلقات تلك الثورات في تلك البلاد، بينما ينفذها في الغالب أبناء الدولة الهدف فيكون التدمير والقتل والتشريد هو سيد الموقف ونجد الثورة السورية هي النموذج الامثل لهذا النوع من الثورات، فحمص وحلب ودرعا ودمشق الآن هي خرابات بائسة.
وهاقد انتقلت العدوة للقارة العجوز حيث كانت اوكرانيا هي محطة الوصول للثورة في نسختها الاوروبية، ليتم استنساخ نفس السيناريو لكن هذه المرة بأيادي بيضاء ناصعة البياض ليأكل الرجل الأبيض بعضه بعضاً، وتختار ثورة اوكرانيا هروب الرئيس ومازالت الثورة هناك تائهة حتى الآن، ومن اراضي اوكرانيا تتضح الرؤية وهي أن هذه الثورات الهدف منها هي تحجيم المعسكر الروسي وسلبه حلفائه في كل انحاء العالم، ليس بداية بسوريا ولكن تكون النهاية هي اوكرانيا.
اوكرانيا التي ظلت تتقاذفها الايدي بين روسيا واوروبا طيلة السنين الماضية، وبين الراغبين في الانضمام للاتحاد الأوروبي والراغبين في الاستمرار في الحضن الروسي، وحينها تلبست النظرة الامريكية النظرة الاوروبية فأوروبا تريد تقليص الظل الروسي في اوروبا، بل أن امريكا تريد تقليصه في العالم أجمع لذلك تولدت الثورة الاوكرانية من دون بلاد اوروبا وهي ليس الدولة الوحيدة المحتقنة وهي ليست الدولة الاوروبية الوحيدة التي نعتبرها مهددة بالثورات فستلحق بها قريباً تركيا وقد تلحق بها قريباً أيضاً فنزويلا والكثير من الاخريات وإن كانت الحسابات قد تختلف قليلاً في كل حالة لكنها في الاخر تصب في خانة واحدة.
شبه جزيرة القرم باكورانيا كانت هي نقطة التلاقي الكبير بين المعسكرين الروسي والأمريكي الاوروبي وصل لحد تجوال جنود بدون شارات تدل على الجهة التي يتبعون لها، لا يحادثون احد ولا يحادثهم احد، لكن معظم الدلائل تدل على انهم جنود روس، هؤلاء الضيوف الجدد يحمون المؤسسات في تلك البقعة الاوكرانية بعد رفع العلم الروسي على مقر حكومتها، في وضع ادهش العالم وأثار الكثير من الاسئلة عن من هم، وماذا يريدون وما هي اهدافهم.
امريكا بدورها هددت روسيا من التدخل في الشأن الاوكراني ولوحت بإجراءات عقابية في وجه روسيا كانت بمثابة بداية حرب اقتصادية ضد روسيا، مفادها أنه يمكن طرد الدب الروسي من مجموعة الثمانية وسحب الشركات الامريكية من روسيا وتجميد رصيد الشركات الروسية، مما يهدد العملة الروسية بالانهيار التام، ومازالت الحرب مستمرة في مختلف الجبهات بين المعسكر الروسي والأمريكي وحلفائهما، وستكشف الايام القادمة عن الكثير.

بقلم: محمد الننقة

تعليق واحد

  1. أهمية شبه جزيرة القرم للروس

    كانت لشبه جزيرة القرم دائما أهمية بالغة بالنسبة إلى روسياالإمبراطورية
    والسوفيتية وروسيا المعاصرة لأن امتلاكها كان يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح روسيا دولة عظمى بغض النظر عن توسعها إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود، بما فيها شبه جزيرة القرم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أي في عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية. واختارت بريطانيا وفرنسا بالتعاون مع العثمانيين شبه جزيرة القرم بالذات لإجراء أول عملية إنزال بحري واسع النطاق في العالم في عامي 1856 1857 ( حرب القرم) بهدف طرد روسيا من شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية سيفاستوبل ومنعها بذلك من حق امتلاك أي أسطول بحري قوي في البحر الأسود. ولم يعتزم الحلفاء آنذاك التقدم إلى عمق روسيا، لكن هزيمة روسيا في معركة سيفاستوبول والقرم منعتها من لعب دور هام في الشؤون الأوروبية على مدى عقدين. ولم تستعد روسيا عظمتها إلا بعد استعادتها السيطرة على القرم وسيفاستوبول بعد انتصار روسيا في الحرب الروسية التركية عامي 1877 1878. يجب القول إن الهدف المنشود لقياصرة الروس على مدى قرون كان فرض السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل بغية ضمان الخروج الآمن لأسطول البحر الأسود الروسي إلى المتوسط. ولو انتصرت روسيا في الحرب العالمية الأولى (أعوام 1914 1918) التي خاضتها مع حلفائها فرنسا وبريطانيا وأمريكا لفرضت تلك السيطرة على المضيقين المهمين. لكن ثورة أكتوبر عام 1917 وخروج روسيا من الحرب حالا دون تحقيق ذلك. وكانت القيادة الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية تعلق آمالا كثيرة على القرم بصفتها رأس جسر هام للتوغل إلى آسيا والشرق الأوسط. وغدت سيفاستوبول بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا فيها قاعدة بحرية مهمة للاتحاد السوفيتي في جنوب البلاد. وكانت جزيرة القرم آنذاك جزءًا من أراضي جمهورية روسيا. أما قاعدة سيفاستوبول البحرية فما زالت قاعدة هامة وإن كانت غير رئيسية. لكن بعد انضمام تركيا عام 1952 إلى حلف الناتو فقدت قاعدة سيفاستوبول أهميتها نظرا لاحتمال إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل من قبل تركيا العضو الحديث في الناتو. وربما كان هذا العامل أحد الدوافع الذي جعل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي نيكيتا خروشوف يهدي شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية لجمهورية أوكرانيا السوفيتية عام 1954. لكن ما زال الروس يشكلون غالبة سكان القرم وخاصة بعد ترحيل ستالين سكانها الأصليين التتار من موطنهم إلى كازاخستان في شرق الاتحاد السوفيتية عام 1944 بمبرر دعمهم للألمان أثناء احتلالهم القرم في أعوام 1942 1944. وبلغت نسبة الروس في شبه الجزيرة آنذاك 75% . فيما شكلت نسبة الأوكرانيين عام 1944 في القرم 21% فقط. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991 بقيت القرم أوتوماتيكيا في قوام أوكرانيا بصفتها دولة مستقلة. واضطرت روسيا طوال أكثر من عقدين للقيام بمناورات سياسية لإبقاء أسطولها بالبحر الأسود في سيفاستوبول في القرم، وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات مع الحكومات الأوكرانية التي كانت تتغير من وقت إلى آخر. وقد وقعت الاتفاقية الأخيرة من هذا النوع في أبريل عام 2010 بمدينة خاركوف الأوكرانية بين الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف والرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، والتي تقضي ببقاء الأسطول البحري الروسي في القرم لغاية عام 2042 مقابل دفع روسيا مبلغ 100 مليون دولار سنويا وتنزيل سعر الغاز المصدر إلى أوكرانيا بنسبة 30%. وأمل الناتو والولايات المتحدة بأن يظل الأسطول الروسي مغلقا في البحر الأسود. وكان مثل هذا الوضع يرضيهما تماما، علما أن الوضع القانوني للأسطول الروسي يعتمد على النهج السياسي الذي تمارسه هذه الحكومة الأوكرانية أو تلك. يذكر أن الأسطول الروسي في البحر الأسو يقل قدرة عن الأسطول التركي. لكن التوازن الاستراتيجي في المنطقة ما زال قائما بفضل بعض الأفضليات لدى روسيا.