منى سلمان
ده طرفي منّو !
ينام حتى (انكراب الضحوة) .. بعد الخروج من الحمّام جلس بجوار أم العيال فسألته:
خير ؟ الليلة يعني صحيت بدري من نومة الجمعة ؟
أجابها:
هو في غيرو ؟ نسيتي موضوع الرحول .. سيد البيت أمبارح دي ضرب وقال لي شد حيلك عشان تفضي لي البيت نحنا محتاجين ليهو عشان عرس البت قرّب.
تزمرت (إلهام):
والله كترة الرحول كرهتني العيشة .. عدتي كلها اتكسرت بالنقلي من بيت لي بيت .. كل سنة نحنا راحلين لبيت جديد ؟!
واساها (علاء) بكلمات تعزية عن الامل في أن يفتح عليهم الله ابواب رزقه فيمتلكوا
بيتا ينسيهم أيام الشقاء والترحال، ثم حمل مفاتيح عربة البوكس وانطلق ليلحق بمواعيده مع مكتب سمسرة بأحد أحياء الدرجة التالتة ..
وقف (علاء) بسيارته أمام لافتة المحل التي تقول (جيب الله لوكالة العقارات .. بيع شراء أيجار) .. كان المحل مغلقا فأخرج هاتفه الجوال واتصل ليسأل صاحب المحل عن السبب في عدم وفائه بالموعد، والذي ضربه معه بالامس ليريه أحد البيوت المعروضة للايجار في المنطقة، وأغراه بأنه مطابق للمواصفات التي طلبها (نضيف وسايفون وإيجار مهاود) ..
طلب منه السمسار ان ينتظره في مكانه لانه على بعد (مسافة دقائق) وسيصل، ولكن كانت قد مرت قرابة الساعة ونص عندما هلّ الرجل (متكوجلا) بجلبابه الواسع من أول الطريق .. اعتذر عن التأخير ودار بسرعة ليركب بجوار (علاء) في البوكس وهو يقول:
اتوكل ارح على خيرة الله
كان المكان الذي قاده إليه أولا نص بيت جالوص بـ (حفرة بلدية)، وكان الثاني قي طور البناء وصاحبه يطلب مقدم ومهلة للتشطيب تمتد لشهرين من تاريخ دفع المقدم، أما الثالث فقد كان سققه من الزنك المتآكل حتى أن رقراق الشمس المتسرب من بين ثقوبه يتلاعب مع الاشعة المتسللة من تصدعات وشقوق الحيط فيكونا معا لوحة سريالية باذخة الجمال .. وعندما أذن المؤذن لصلاة الجمعة كان الرجل قد طاف بـ (علاء) على سبعة احياء وسبعة عشر بيتا دون أن يقترب واحدا منهم من المواصفات التي طلبها (علاء) ووعده الرجل بأنها (طلبك عندي .. وأمرك مقضي تب) !
صلوا الجمعة بالمسجد وعند خروجهم التقوا بسمسار آخر كان (علاء) قد أخذ معه نصيبه كاملا من اللف والدوران قبل أن يلجأ لصاحبه، فنادهم الرجل وكان على معرفة بابن مهنته واوضح لهم أنه قد عثر لـ (علاء) على ضالته، وكل ما عليهم هو أن يتوجهوا معه لمنزل الشخص الذي يحتفظ بمفاتيح البيت المعروض للإيجار ..
ركب الاثنان معه وانطلقوا لمقصدهم وهناك التقوا بالرجل (خازن المفتاح)، ولكنه طلب أن ينتظروا دقيقة .. غاب داخل منزله لبرهة وعاد بعد أن درع جلبابه ليقفز على ظهر البوكس ويطلب من (علاء) التوجة لمنزل (الحاجة) التي تحتفظ بالمفاتيح، وسوف يقوم بوصف مكان اقامتها الـ (القريب هنا .. ما بعيد) ..!!
بعيد كثير عناء وتلتلة وصلوا لمنزلة حاجة (اللقية) السمسارة حسب ما سمّاها شافع التقوه في أول الطريق لبيتها .. نزل الرجل (الفي الضهرية) وطرق الباب وسأل عن الحاجة التي خرجت لهم بعد هنية .. تهامس معها لمدة بضع دقائق وهو يشير لـ(علاء) ورفاقه، فإستمهلتهم بدورها دقايق دخلت بعدها للبيت وعادت وهي تحمل (بمبر مخرطة) .. طلبت منهم أن يضعوا لها بمبرها على ظهر البوكس، فإضطر (علاء) لأن ينزل ويفتح باب الضهرية ويسند الحاجة مع رفاقه لتتمكن من الشعبطة ثم الانزلاق ثم الزحف على أربع لتتمكن من الجلوس على بنبرها وتطلب منهم التحرك لبيت (أهل سيد البيت العندهم المفتاح) ..
حسب الوصف وصلوا لبيت غير بعيد وتكرم أحدهم بالنزول لطرق الباب .. خرج عليهم رجل ضخم الجتة متورم الأرجل يتوكأ على عصاتين، وعندما سمع بغرضهم إلتفت لداخل بيته ونادى بصوت عالي:
تعال يا ولد ناولني كرسي البلاستيك .. ارفعوا لي في ضهر العربية دي النوصل مع أعمامك ديل مشوار !!
فاض الكيل بـ (علاء) فنزل من البوكس وصرخ في هستريا على رفاقه:
ما الإيجار ؟ ده طرفي منو !! خليتو .. خليتوووو .. يللا أنزلوا كلكم .. !!
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]
مقال رائع يصف حال شريحة كبيرة من الشعب الذين تركو العمل المنتج كسلا وأصبح الكل سماسرة وأصبحت السمسرة مهنة من لا مهنة له وهذا من بركات المشروع الحضاري الذي حارب المنتجين وأفسد أخلاق العباد.
الموضوع يلامس هموم السواد الاعظم لكنه معاد يا استاذه احترمي ذاكرتنا
يا سلام عليك يا استاذه يا رائعه والله نسيتينا همومنا كل يوم مقال رائع من واقعنا المعاش