رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : إلى القنوات الفضائية.. قبل «بلة الغائب»


[JUSTIFY]في شهور قليلة تكرر بعض القنوات استضافة مُدّعي العرافة والكهانة المدعو «بلة الغائب» وفي مقالي هذا لن يكون خطابي له وإنما للقناة التي تستضيفه، فإما أن تكون القناة التي استضافته تعلم أنه كاذب في دعواه علم الغيب، وإما أن تكون لا تعلم أنه كاذب في ذلك، فإن كانت الأولى فلماذا تستضيفه؟! ولماذا تتيح المجال لنشر تخرصات ودعاوى وأكاذيب؟! ولماذا تزيد من الفوضى ونشر الباطل الذي يؤدي إلى مزيد من النزاع والخلاف؟! وإذا كانت القناة تعلم أن بلة الغائب ليس له أن يعلم الغيب إذ هو من خواص ربوبية الله تعالى فلماذا تنشر باطلاً كهذا وتسهم في الضلال والإضلال؟! وإذا كانت القناة التي يجب أن تكون مهمتها التوعية والتوجيه والإسهام في نشر الفضائل إذا كانت تعلم أن مدّعي علم الغيب دجّال، فلماذا تمكن من يدعي ذلك من سمع ونظر الناس بمختلف توجهاتهم وأعمارهم واطلاعهم وعلمهم وثقافاتهم؟! وهل علمت القناة أو القنوات الفضائية التي تستضيف بلة الغائب أو من هو على طريقته في إدعاء معرفة المغيبات أن مما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام الوعيد الشديد لمن أتى كاهناً أو عرافاً .. فإن صدّقه فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.. ومن أتى الكاهن أو العراف ولم يصدقه وإنما ليرخي سمعه له ويجلس عنده كانت عقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً؟! هل علم مقدمو برامج هذه الاستضافات والمخرجون والمصورون ومن خلفهم في إدارات القنوات هل علموا بهذا الوعيد لمن يحضر فقط؟! فكيف بمن يصور وينشر؟! وأما المُصدّق فسبيله والعياذ بالله الكفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.. لأن مما أنزل على محمد آيات وأحاديث تبين أنه لا يعلم الغيب أحد إلا الله جل في علاه.. فكيف بهذه القنوات تنشر الفساد وتسهم بقدر كبير في الإفساد؟! ومن العجائب أن بهذه القنوات برامج عن محاربة الفساد في المال والوظائف بأساليب ليست شرعية في النصح والإصلاح.. وفي ذات الوقت تنشر ذات القنوات الفساد في أخطر وأعظم صوره.

أما إن كان القائمون على هذه القنوات التي تستضيف بلة الغائب وأمثاله ليقول إنه يعلم مكان الضائعة ويعلم إلى متى يحكم الرئيس وأنه يرى الغيب إذا كانت لا تعلم أن هذه الدعاوى كاذبة ومناقضة للكتاب والسنة ودين الإسلام فمن باب النصيحة الواجبة لكل مسلم أسوق ما يلي:

في القرآن الكريم نقرأ قول البارئ : «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ». وقوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ» وقوله تعالى: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ». وقوله تعالى: «وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ». وقوله تعالى: «وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ». وقوله تعالى: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ». وقوله تعالى: «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ».. هذا هو محكم القرآن وتلك هي سنة ولد عدنان في إثبات أن الغيب للواحد الرحمن وأنه يعلم من رسله من الغيب ما يبلغون به الرسالة وهذا النوع من الأخبار لا يدخلها النسخ كما هو معلوم في شروط النسخ في علم أصول الفقه، ونفي علم الغيب عن أحد من خلق الله هو ما أثبته الله لجميع الرسل والأنبياء فخليل الله إبراهيم لم يعلم أن ضيوفه ملائكة فذبح لهم وقرب إليهم الطعام!! ونوح أول الرسل لم يعلم أن ابنه لم يؤمن!! وآدم لم يعلم ما يصيبه من أكل الشجرة فظنه الخلد وملكاً لا يبلى!! وسليمان لم يكن يعلم عن ملك بلقيس ومملكة سبأ إلا بخبر الهدهد!! وزكريا لم يكن ليعلم أن الله سيرزقه بيحيى السيد الحصور النبي الصالح!! والملائكة لم تكن تعلم أسماء ما سألهم الله عنها حتى قالت «لا علم لنا إلا ما علمتنا» والجن أخبر عنهم الله بأنهم لا يعلمون الغيب وذلك في قصة موت سليمان عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، قال الله تعالى: «فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين»، ومع هذه النصوص الواضحات التي تبين أن صفوة الله ورسله وأنبياءه عليهم الصلوات والتسليمات ليس لهم معرفة واطلاع بالمغيبات إلا أن بمجتمعنا وغيره كثير من السحرة والدجالين والدجالات وبعض من يسمون شيوخاً يدعون معرفة الغيب وإعطاء الأولاد والذريات وتوزيع الأرزاق والأقوات!! وهو باب كبير للغش والضحك على الجاهلين والجاهلات والسذج والساذجات.. فلتعي هذه القنوات أن إدعاء علم الغيب مما يناقض الآيات البينات المحكمات.. وهو من الموبقات المهلكات.. فكيف لهم بنشرها في الآفاق؟!

ومما ورد في سنة النبي الكريم قول الملائكة للنبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة لمّا تردُّ الملائكة المبتدعة من حوضه ويقولون له: «إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك»؟! وبذات المعنى ما ورد في قصة الإفك وانتظار النبي عليه الصلاة والسلام الوحي ، وما ورد في بيعة الرضوان التي كانت بالحديبية على أثر خبر أن أهل مكة قتلوا ذا النورين عثمان رضي الله عنه ولم يقتل إذ ذاك، وقد ورد في صحيح البخاري من حديث الربيع بنت وفيه: «قَالَتْ جَارِيَةٌ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ» وفي رواية الترمذي: «اسكتي عن هذا وقولي الذي كنت تقولين قبلها».

كما ورد في صحيح البخاري أيضاً ــ عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ».

وفي البخاري وغيره عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ»، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا»، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»الآيَةَ وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ ــ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ــ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ.

وعلم الغيب الذي يُعلّمُه الله تعالى لنبيه وأنبيائه ما كان له صلة بتبليغ الوحي قال الله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا «26» إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا «27» لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوارِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا «28».. وهذا أمر معلوم وهو في غاية الوضوح..

إننا ننتظر من وسائل الإعلام أن تسهم في نشر الصواب والحق والنافع من المواد وأن تنأى عن نشر الخطأ والباطل والضار من المواد.. ويكون الهدف هو التوجيه والتصحيح ومعالجة الأخطاء والمظاهر السيئة التي تنتشر.. ولا يكون الهدف هو الشهرة والإثارة واستغلال الوسائل التي توصل إلى ذلك وإن كانت على حساب ثوابت الدين.. فإن الغاية لا تبرر الوسيلة.

صحيفة الإنتباهة
د. عارف عوض الركابي
ع.ش[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. بسم الله ماشاء الله كلام من اكتاب والسنة فهل يتجراء احد بعد هذا ويقول اني اعلم الغيب جزاك الله كل خير علي هذا الكلام الطيب المبارك ووضعة في ميزان حسناتك

  2. و من قال ان المطلوب من الاعلام هو اثبات الحقائق و توعية الناس , الاعلام التأصيلي دوره هو نشر الترفيه والتسطيح والبدع ليعيش الشعب في اوهامه و ينسي همومه و يتعلق بالغيبيات !!.

    الا تكفي 25 عاما” لتعلم من يحكمك ؟؟.

  3. [JUSTIFY][B]جزاك الله خيراً ياشيخ عارف لكن أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي.[/B][/JUSTIFY]

  4. جزاك الله خيراً وجعله في ميزان حسناتك
    وكثر الله من أمثالك وهدي الجميع لما فيه الخير والسداد