تحقيقات وتقارير

صالة المغادرة في الخرطوم .. “رحيل مستَّف بالحنين”

على سبيل الدعابة يردد البعض هذه المقولة “بالله آخر زول يطلع من هنا يقفل معاه الباب ويخت المفتاح تحت الطوبة”، الصالة بالكاد يأتيك تكييفها رغم أن البعض يصفها بأنها المكان الأجمل في السودان.

لا تذهب بفكرك بعيداً فالمكان الموصوف بالجمال هو الصالة الملحقة بمطار الخرطوم الدولي التي تعلوها لافتة مكتوب عليها (صالة المغادرة)، الوصول إليها يكلفك في الظروف العادية جنيها وعشرين قرشاً ثمن المواصلات العابرة بشارع المطار، إن أردت النزول فعليك أن تنقر بأصابعك بجدية حين يحاذي سائق الحافلة المبنى الأخضر في ذات الشارع وهو المبنى الأشهر هنا، دار المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم ربما المفارقة وحدها هي التي جعلت إشارة المرور الفاصل بين صالة المغادرة ودار الحزب الحاكم في السودان.

الصالة التي ينظر إليها مرتادو المطارات بأنها تبدو على درجة عالية من التواضع إذا قارناها بصالات أخرى في المطارات المحيطة بالسودان التي توصف عند العاملين في حقل النقل الجوي بأنها الأغلى في المنطقة، ينظر الذاهبون إليها من حين إلى آخر بحالة من تباين المشاعر فأحدهم حين تذكرها أمامه سرعان ما يقول مستخدماً لهجة الأدروبات: “ياخ أنا نكره كره”، والكراهية مبررة فخالد العشريني يقول إنه خلال أقل من شهرين عبر بهذا الطريق ست مرات مودعاً أصدقاءه وهم يحزمون حقائب أملهم في “خير بلاد بره” بينما رفيقه الآخر في ذات المشوار يردد عبارة “اللهم أوعدنا بالخروج من باب المسافرين” يعودان من رحلتهما تلك في انتظار القادم: “يا ربي الدور على منو؟”.

السؤال الأخير تجيبك عليه الأرقام الصادرة من مؤسسات الدولة وهي تشير إلى حالة من الإقبال غير المسبوق من قبل الشباب السودانيين على الهجرة التي لا يمكن فصلها عن الأوضاع السائدة في البلاد وحالة التردي الاقتصادي أو الرغبة في تحقيق الذات وهو أمر يبدو عسيراً في ظل ما هو ماثل.

لكن الصالة التي يقبل عليها البعض مدفوعاً بالفرحة يقبل عليها آخرون وقد أحاطت بهم سحب الأحزان فهم الآن يودعون عزيزاً تهزمه في لحظة القدرة على احتمال الدنيا بلا وطن وبلا أهل بلا لمة (بوش)، عبارة قالها أحد الشباب في وداع صديق دراسته وهو يرمي بآخر طلقة في مسدس حنينه ويترك لدموعه أن تنساب مقالداً إياه ومغادراً الصالة. مشهد آخر في ذات الصالة تلك الأم تخرج ربطتها من توبها وتتابع خطوات ابنها قبل ان تودعه ليعود عبر الصالة الأخرى الملحقة بذات المطار صالة الوصول. بين الصالتين وصولاً ومغادرة ترفرف الراية تخبرك أن لك بلاداً وإن جارت عليك عزيزة وأهلاً وإن ضنوا كراماً.

صحيفة اليوم التالي
الزين عثمان

‫2 تعليقات

  1. غجر الموتمر الوطنى ضيعوا ودمروا وباعوا ونهبوا البلد وضيعوا الشعب السودانى وفقدوها مواردها وافقروها ربنا يفغرهم من زاد الاخرة

  2. اللهم اجمع كل من احب بمن يحب .. وكل عزيز بمن يعزون ويعز عليهم .. وكل غائب سالم غانم … امييييين